نسبة الأبيات الشعرية إلى قائليها:
تباين الشراح في نسب الأبيات إلى أصحابها، بين مهتم بنسبة البيت إلى صاحبه، وغير معني بذلك، ومن يمزج بين النسب وعدمه، وتتبنى شروح ثلاثة هذه المناهج، أما الشرح الرابع، أقصد شرف الطالب فلم يهتم بنسبة البيت الذي تفرد ذكره في الشرح؛ إذ صدر بعبارة: “ومنه قول الشاعر”([1]). وإذا انتقلنا إلى هذه المناهج الثلاثة في قضية أصحاب الشواهد، نجد التتائي يمثل اتجاه أو منهج المعنيين بذكر قائل البيت، والمالكي عكسه، فهو لا يهتم بصاحب البيت، والسفاريني يخلط بين العلم بالشاعر والجهل به.
يحرص التتائي في بهجته على ذكر صاحب البيت الذي يستشهد بشعره، فطالما صدر بيت الشاهد بالفعل (قال)، مردفًا باسم صاحبه، فيلقانا من الشعراء تأبط شرًّا([2])، وابن مقبل([3])، وأبو كبير الهذلي([4])، وجندل([5])، وأبو ذؤيب([6])، والقاضي عياض([7]). ونسب بيتًا واحدًا إلى ديوانه، وهو قوله: “كبيت السقط”([8])، وكأن الموضع هنا أهم من العلم، فلأبي العلاء سقط الزند وغيره من الدواوين، فكأن التتائي أراد ألا يقطع حبل التواصل بينه وبين قارئه فيهديه إلى مكان المعلومة بأوضح طريق وأيسره. وشذ عن ذكر العلم أو الديوان بيت واحد فقط، إذ يستشهد في معنى الفعل (علا) بقول رؤبة بن العجاج([9]) دون التصريح به، يقول: “وقال الشاعر: لما علا كعبك لي عليت”([10]).
ولا يهتم المالكي في الشرح المليح بتعيين اسم قائل البيت، فطالما كرر عبارات مثل: كقوله([11])، وقال الشاعر([12])، وقوله([13])، وقال([14])، بل إنه أحيانًا يورد الأبيات دون أي عبارات قبلية، على نحو قوله: “والعداوة ناشئة عن البغض، والمراد الحسن والقبح في اعتقاد الناظر
يقضي على المرء في أيام محنته …. حسنًا ما ليس بالحسن”([15])
وقلما يذكر اسم قائل البيت أو الأبيات، كسلطان العاشقين الذي تردد مرتين([16])، وابن رشيق([17])، والإمام علي رضي الله عنه([18])، والشبراوي([19]).
أما صاحب الملح الغرامية فيخلط كثيرًا بين ذكر القائل وعدم ذكره، فنجد أبياتًا كثيرة منسوبة لقائليها كبشر([20])، وكثير عزة([21])، والأعشى([22])، وعمر بن الفارض([23])، وهارون الرشيد([24])، ويحيى بن الفارض([25])، وأبي داود الظاهري([26])، وصاحب البردة([27])، وخالد الكاتب([28])، وغيرهم كثير، ونجد أبياتًا كثيرة أيضًا، غير منسوبة لقائلها، فتتصدرها عبارات مثل: قال بعضهم([29])– غيره/ وقال غيره([30])– قيل/ كما قيل([31])– قال القائل([32])– قال شاعرهم([33])– بعض العشاق([34])– بعض الأدباء([35])– قال آخر([36]). وأحيانًا يأتي السفاريني بالأبيات دون أي سابقة بالعلم أو الجهل بالشاعر([37]) كصنيع المالكي في شرحه المليح كما سبق.
ولعل ذكر أعلام الشعر متعلق بعلة الاستشهاد، فإذا كان راجعًا لأصول اللغة تعين على الشارح التصريح بقائل البيت كما صنع التتائي في بهجته، وكما صنع السفاريني نفسه- رغم الخلط الواضح- في ملحه، أما إذا كان الأمر متعلقًا بخاصية شعرية كالضرورة، أو راجعًا إلى أوصاف وأحوال وكيفيات، فلا حاجة إلى تعيين القائل فهي أمور مشتركة، فكان الاهتمام بالبيت أو الأبيات أكثر من قائليها.
============================
([9]) عالم لغوي قديم: شرح ديوان رؤبة بن العجاج، تحقيق عبد الوهاب عوض الله، القاهرة، مجمع اللغة العربية، ط1، 2008م، ج2، ص 84. وانظر هامش البهجة السنية، ص 85.
([11]) الشرح المليح، على سبيل المثال، ص 25، ص 33.
([12]) الشرح المليح، على سبيل المثال، ص 27.
([13]) الشرح المليح، على سبيل المثال، ص 27.
([14]) الشرح المليح، على سبيل المثال، ص 28، ص 49، ص 55.
([16]) الشرح المليح، ص 28، ص 56.
([23]) الملح الغرامية، ص 25. وأحيانًا يقول الشارح: سيدي عمر، راجع مثلًا، ص 41، ص 45، ص 55، ص 60.
([29]) الملح الغرامية، على سبيل المثال، ص 33، ص 41، ص 44.
([30]) الملح الغرامية، على سبيل المثال، ص 44، ص 45.
([31]) الملح الغرامية، على سبيل المثال، ص 33، ص 41.
([32]) الملح الغرامية، على سبيل المثال، ص 33.
([33]) الملح الغرامية، على سبيل المثال، ص 35.
([34]) الملح الغرامية، على سبيل المثال، ص 35.
([35]) الملح الغرامية، على سبيل المثال، ص 41.