Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

إعجاز الترتيب في قصة آدم عليه السلام دراسة بلاغية [الحلقة الثانية] بقلم الأستاذ الدكتور/ إبراهيم الهدهد

توطئة

وزعت قصة آدم ـ عليه السلام ـ على سبع سور في الذكر الحكيم ، وهن على ترتيب المصحف الشريف ( البقرة ـ الأعراف ـ الحجر ـ الإسراء ـ الكهف ـ طه ـ ص) ومجموع ماورد من الآيات في أحداث القصة في هذه السور السبع ثلاث وثمانون آية، ومعبرنا إلى استجلاء أسرار الترتيب النظر في التراكيب المتنوعة لأحداث القصة دون النظر فيما اختصت به سورة دون أخرى وسنجعل الحدث الواحد المعبر عنه بتعبيرات مختلفة معبرنا إلى فقه أسرار الترتيب، ونضع الآيات بإزاء بعضهن .

عقود ترتيب قصة آدم عليه السلام

كما نرى مجمل الحدث الذي توزع الكلام عنه في السور السبعة هو:خلق آدم، وأمر الله الملائكة بالسجود له، وامتثال الملائكة، وامتناع إبليس،وتعليله رفض السجود، وإهباط آدم من الجنة، وطرد إبليس، وتوعده بني آدم، هذا مجمل الحدث الذي تكرر في السور السبعة، وتأمل معاقد هذا الحدث في المصحف الشريف يقفنا على إعجاز الترتيب، وقد أبصرنا تقارب أنماط التراكيب، ودقة الفارقات بين أنماط التراكيب تماثل في تفسير فارقاتها صعوبة الوقوف على أسرار الترتيب، ونعرض لهذه العقود عقدا عقدا محاولين  استجلاء أسرار كل عقد.

العقد الأول: خلق آدم، وموقف إبليس من أمر الله بالسجود لآدم:

أ ـ البقرة: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (34)

ب ـ الأعراف: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (12)

جـ ـ الحجر: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) 

د ـ الإسراء: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)

هـ ـ الكهف: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)

ز ـ طه: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116))

و ـ ص: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)

يعد التركيب الوارد في سورة البقرة في التعبير عن الحدث الذي ذكر في السور الأخرى جذرا تفرعت منه أغصان دقيقة ، فليس هنا حديث عن قصة خلق آدم، وهو ما فصلته السور الأخرى، وليس هنا وصف لمدى امتثال الملائكة لأمر الله، وقد فصل الحديث عنه في السور الأخرى، كذلك نلحظ أن إبليس وصف هنا ثلاثة أوصاف (أبى) (استكبر) (كان من الكافرين) وقد ألمع الكرماني إلى هذا بقوله (( قوله (فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر) ذكر هذه الخلال في هذه السورة جملة ، ثم ذكرها في سائر السور مفصلا)) ([1]) ثم أورد آيات الأعراف والحجر والإسراء، والكهف وطه وص،وقد أجاب بدر الدين بن جماعة بما يكشف عن سر ترتيب القصة في المصحف تعانقا مع سر ترتيب نزول السور مجيبا عن سر ورود ذلك القول مجملا في البقرة، ومفصلا في بقية السور” جوابه: لما تقدم التفصيل في السور المكية أجمله في السورة المدنية، وهي البقرة؛اكتفاء بما تقدم علمه من التفصيل في المكيات”([2])

==========================

([1] (  البرهان لتوجيه متشابه القرآن للكرماني 25 ط،دار الاعتصام 1987م.

([2])  كشف المعاني في متشابه المثاني 56.