يقصد بقوة اللفظ ما يطرأ عليه من أسباب القوة التي يستوجبها المعنى، وذلك كالزيادة بالتضعيف أو تاء الافتعال أو الزيادة بتكرار الحروف أو غير ذلك من أنواع الزيادة التي يقتضيها المعنى.
لقد لاحظ العلماء قديماً أثر هذه الزيادة وإيحاءاتها على المعنى، فظهرت عند الخليل في تفسير بعض الألفاظ، ككلمة “صرصر”، كما ظهر شيء من ذلك عند ابن فارس في الصاحبي وعند الصرفيين في ذكر وظائف أحرف الزيادة ودلالات الصيغ على معانيها، كما ظهر ذلك عند بعض المفسرين في تفسيرهم لبعض الألفاظ القرآنية، غير أن صاحب الفضل الأكبر في هذا المجال هو العلامة ابن جني في كتابه الخصائص، حيث تناول هذا الموضوع في ثلاثة مباحث الأول “باب تصاقب اللفظ لتصاقب المعنى”، والثاني بعنوان “إمساس الألفاظ أشباه المعاني”، وذلك في الجزء الثاني من الكتاب، والثالث بعنوان “قوة اللفظ لقوة المعنى”، في الجزء الثالث منه، يقول في الباب الأول: “ومنه العَسْفُ والأَسَف، والعين أخت الهمزة، كما أن الأَسَف يَعْسِفُ النفس وينال منها، والهمزة أقوى من العين، كما أن أسف العين أغلظ من التردد بالعسْف”[1].
ويقول في الباب الثاني: “فلما كانت الأفعال دليلة المعاني كرروا أقواها، وجعلوه دليلاً على قوة المعنى المحدّث به، وهو تكرير الفعل، كما جعلوا تقطيعه في نحو صرصر وحقحق دليلاً على تقطيعه”[2].
ويقول في نهاية الباب الثالث: “وبعد فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني، ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى به”[3].
وبين ابن جني في بعض مواضع كتابه أن المبالغة في قوة المعنى قد تأتي بالعدول عن اللفظ عن صيغته إلى صيغة أخرى، فيقول: “وذلك في المبالغة لابد أن تترك موضعاً إلى موضع إما لفظاً إلى لفظ، وإما جنساً إلى جنس، فاللفظ كقولك عُرَاض، فهذا قد تركت فيه لفظ عريض، فعُرَاض إذاً أبلغ من عريض …”[4].
وما أتى بعد ابن جني في هذا المجال لا يعدو أن يكون تكراراً لما قاله الرجل، أو تطبيقاً لقواعده، أو اختصاراً لكلامه دون أن يكون هناك جديد يذكر، أو طريف يحكى، ينطبق ذلك على أهل التفسير واللغة والصرف وغيرهم.
====================
[1] الخصائص 2/146
[2] السابق 2/155
[3] الخصائص 3/268
[4] السابق 3/46