Site icon كُنُوز الْعَرَبِيَّة

فوائد على كتاب (مفردات ألفاظ القرآن) للراغب الأصفهاني [الحلقة الرابعة] أ.د/ عصام فاروق

[18] فوائد مادة [أ.خ.ر]:

الأولى:

ذكر ابنُ فارس أن المعنى المحوري لتركيب (أ.خ. ر) هو خلاف التقدم.([1]) وإلى هذا المعنى ذهب الراغب كذلك.

الثانية:

أما الآخِر بعد الأول ومقابل له، يؤكد ذلك قوله تعالى:﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ ﴾([2]) وأما الآخَر فأحد الشيئين، ومنه قوله تعالى:﴿ فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ ﴾([3])  وقوله تعالى:﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ﴾([4])

الثالثة:

قوله: (وقد توصف الدار بالآخرة تارة، وتضاف إليها تارة نحو قوله تعالى: ﴿وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾[الأنعام 32]، ﴿ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾ [يوسف 109] )

يذكر العامليُّ ما نصه: (( ووصف الآخِرة بأوصاف عديدة وسمى الدنيا الحياة الدنيا ، ولم يعبر عن الآخرة بالحياة أبدًا، بل بالدار : ﴿وَإن الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾، إشارة إلى أنها أكبر من الحياة التي نعرفها.))

وهي فائدة لها وجاهتها، ولعله يدل على الديمومة فهي الدار المقام فيها التي هي موضع الخلود والاستقرار؛ خصوصًا أنهما اجتمعا في آيةٍ واحدةٍ في قوله تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾([5])

الرابعة:

قوله: (وآخر معدول عن تقدير ما فيه الألف واللام، وليس له نظير في كلامهم..)

ذُكِرَ هذا اللفظ في قوله تعالى:﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾([6])

و(أُخَر) جمع (أُخرى) التي هي مؤنث (آخَر) وهذه الكلمة أعني (أُخَر) ممنوعة من الصرف للوصف والعدل، فأما الوصف فيها فظاهر، وأما العدل فعن صيغة (آخَر) التي إذا اقترنت بحرف (من) تلزم التذكير والإفراد، فتقول: مررت برجل أفضلَ منك، وبرجال أفضلَ منك، وبامرأة أفضلَ منك.

أما عند وجود الألف واللام أو الإضافة، فتثني وتجمع وتؤنث فتقول: مررت بالرجل الأفضل، وبالرجال الأفضلين، وبالمرأة الفضلى.

لكنّ كلمة (آخَر) عُدلت فصارت إلى صيغة الجمع والتأنيث في (آخُر)، وكان هذا مقام الاقتران بالألف واللام فحسب، لكن أُخَر كما ذكر الراغب ليس لها نظير في كلاهم، فجاز في هذه الكلمة ما لم يجز في مثلاتها إلا بوجود الألف واللام.

الخامسة:

قوله: (وبعته بأَخِرة، أي بتأخير أجل، كقوله: بنظرة) مثلها أي: لفظا ومعنى، فالصيغة واحدة وهي (فَعِلَة)، والمعنى كذلك واحد، قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾([7])

السادسة:

قوله: (وقولهم: أبعد اللهُ الآخِر..) هذا يقال في الدعاء على الرجل، يقول الجوهري: ((ويقال في الشتم: أبعد الله الأَخِر، بكسر الخاء وقصر الألف.)) ([8])

السابعة:

وردت ألفاظ هذه المادة في القرآن الكريم في مئتين وخمسين موضعًا.

[19] فوائد مادة [أ.د]:

الأولى:

ذكر ابنُ فارس أن المعنى المحوري لتركيب (أ.د) يقوم على أصلين: أحدهما عِظَمُ الشيء وشدتُه وتكرُّره، والآخَر: النُّدوة، وجعل من الثاني أدّت الإبل، إذا ندت.([9]) بينما لم يذكر الراغب المعنى الثاني وإنما اقتصر على العظم والشدة دون التصريح بهما كمعنى عام للمادة.

الثانية:

قوله: ( وأد قيل: من الود، أو من: أدَّت الناقة.)

يقصد: أُدُّ بن طابخة بن إلياس بن مضر.  وممن ذهب إلى أنه من الود ابن دريد([10])

الثالثة:

يقول العاملي: (( يبدو أن آدَهُ يؤوده ، وأدَّهُ يئدُّه من أصل واحد بمعنى أثقله ، والعجيب أن الراغب وغيره لم يذكروا ذلك . قال ابن منظور: (( أود : آدَه الأَمرُ أَوْداً وأُوُوداً : بلغ منه المجهود والمشقة ، وفي التنزيل العزيز : ولا يؤُوده حفظهما؛ قال أَهل التفسير وأَهل اللغة معاً : معناه ولا يكرثه ولا يثقله ولا يشق عليه مِن آده يؤُوده أَوْداً.))([11])

أقول: لكنّ الراغب ذكره في مادة (أ ي د)، فليس عنده من (أ.د. د) كما يزعم العاملي.

الرابعة:

لم يأت من هذه المادة في القرآن الكريم غير هذه الكلمة في قوله تعالى:﴿ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا﴾([12]) فهي من الفرائد القرآنية.

[20] فوائد مادة [أ.د.ى]:

الأولى:

ذكر  الراغب أن تركيب (أ. د. ى) واوي، حيث اشتقه من الأداة التي تقول منها: أدوتَ تفعل كذا. في حين ذكر ابن فارس أن في (أ. د . و) كلمة واحدة هي الأدْوُ وهو كالخَتْل والمراوغة، وجعلها مشتقة من الأداة للتوصل بها إلى ما يراد، وجعل منها: استأديت على فلان بمعنى استعديت. أما أدَّى فلان يؤدي ما عليه أداءً وتأديةً، وتأدية الأمانة فجعلها من (أ. د. ي) اليائي، وجعل المعنى العام لهذه المادة إيصال الشيء إلى الشيء أو وصوله إليه من تلقاء نفسه.([13])

ففي حين فصل ابن فارس بين الواوي واليائي، جعل الراغب الواوي أصلا لليائي. وما ذكره ابن فارس عليه كثير من أصحاب المعاجم في فصلهم بين الواوي واليائي.

الثانية:

أصل هذا التركيب كما يرى الراغبُ استعمال الأداة- وأصل واوها ألف- كأن ما يُستحق ويجب أداؤه يحتاج إلى أداةٍ تعين على هذا الأداء، ثم توسع في الأمر فاستعملت التأدية فيما يؤدى بأداة أو من دونها. يقول السمين: قولهم أدوتَ يدل علي أن في المادة لغة من الياء والواو. والراغب يترجم بمادة أَدَيَ. مع ذكره لقولهم أدوت. ([14])   

الثالثة:

في قوله: (واستأديت على فلان نحو: استعديت.

أي: كأنك طلبتَ بهذا الاستعداء أداة تمكنك من خَصمك.([15])  ويبدو أن بين الهمزة والعين في الكلمتين إبدالا  قواه اتفاق مخرجهما. وقد ذكر أبو الطيب اللغوي عن الأصمعي قوله: يقال: آديته على كذا وكذا وأعديته: أي قويته وأعنته، ويقال: استأديت الأمير على فلان في معنى استعديت.. ([16])  وجعل الأزهري استأديت في معنى استعديت لغة أهل الحجاز. ([17])

ويمكن أن يفهم من تعبير الراغب بكلمة: (نحو) الإشارة إلى اتفاق الكلمتين في المعنى والتقارب اللفظي من خلال الإبدال.

الرابعة:

وردت ألفاظ هذه المادة في القرآن الكريم في ستة مواضع.

 [21] فوائد مادة [أ.د.م]:

الأولى:

ذكر ابنُ فارس أن المعنى المحوري لتركيب (أ.د. م) هو الموافقة والملاءمة.([18]) وإلى هذا المعنى ذهب الراغب دون أن ينص عليه صراحة في بداية المادة.

الثانية:

حقُّ هذه المادة أن تكون قبل مادة (أ.د.ى) لسبق الميمِ الواوَ أو الياءَ في ترتيب حروف الهجاء.

الثالثة:

في تسمية أبينا آدم عليه السلام بهذا الاسم آراء متعددة ذكر الراغب أربعة منها.

وفي هذا علة للتسمية بهذا الاسم لا أراه يعدو جانب الاجتهاد؛ لأن خلقه كان قبل البشر جميعا، ومن الواضح أن تسميته كانت من الله – عزوجل- لعدم وجود من يسميه من البشر. كما يؤيده نداء الله – عزوجل- له في قوله تعالى: (قال يا آدم أنبيئهم بأسمائهم)، فهذه علة للتسمية، كما أن هناك تسمية لعلة؛ كأن يسمي الواحد منا ابنه محمدا؛ تبركا باسم النبي صلى الله عليه وسلم، أو يسمي ابنه باسم أبيه توقيرا واحتراما، أو تذكرا واعتزازا.

 الرابعة:

في قوله: (سمي بذلك لكون جسده من أديم الأرض) قال ناس: أديم الأرض وأدمتها: وجهها، وقال بعضهم طبقة من طبقاتها. ([19]) ويتفق ذلك التعليل مع الموافقة والملاءمة التي جعلها ابن فارس أصلا للتركيب، فهو متوافق في تكوينه مع وجه الأرض أو أحد مكوناتها، قال تعالى ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ ([20])

الخامسة:

في قوله: (.. وذلك من قولهم: الإدام، وهو ما يُطيِّب به الطعام ) رد علة التسمية إلى التطيب وفيه الموافقة والملاءمة كذلك.

وقد ذكر العاملي ما نصه (يوفق بينكما كما وُفِّق بين الخبز والإدام . فهو من الإدام وليس الأدمة . كما تخيل الراغب .) وأقول: نص الراغب لا يدل على ما خطأه فيه وإنما جعله الراغب من الإدام لا الأدمة.

وخطأ العامليُّ الراغبَ كذلك في قوله: (جعل الراغب الإدام ما يُطَيِّبُ الطعام، وهو الطعام نفسه ، الذي يؤتدم به مع الخبز , ليس ما يطيبه .)

ويرد قوله أمور منها:

قول أبي عبيدة الذي نقله ابن فارس في قوله تعقيبا على حديث يؤدم بينكما.

ولا أرى هذا إلا من أدْم الطعام؛ لأن صلاحه وطيبه إنما يكون بالإدام.([21])

وكذلك عبارة الراغب: وهو ما يطيب به الطعام، ودلالة (به) التي أسقطها الراغب مهمة، فهو من الطعام لكن الطعام يطيب به، فالخبر وحده قد يطلق عليه طعاما لكنه يحتاج إلى ما يصلح به.

السادسة:

وردت كلمة (آدم) في القرآن الكريم في خمسة وعشرين موضعًا.

==========================

[1]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.خ. ر]

[2]))  الحديد (٣).

[3]))  المائدة (٢٧).

[4]))  يوسف (٣٦).

[5]))  الأنعام (٣٢)

[6]))  البقرة (184)

[7]))  البقرة (280)

[8]))  الصحاح (أ. خ. ر)

[9]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.د]

[10]))  ينظر: جمهرة اللغة  (أ.د.د)

[11]))  ينظر: لسان العرب (أ. و. د)

[12]))  مريم (89)

[13]))  ينظر: مقاييس اللغة [أ.د. و] و [أ.د. ي]

[14]))  ينظر: عمدة الحفاظ (1/78)

[15]))  ينظر: المقاييس (أ د و)

[16]))  ينظر: كتاب الإبدال (٢/ ٥٥٢، ٥٥٣)

[17]))  ينظر: الصحاح (أ د و)

[18]))  ينظر: مقاييس اللغة (أ.د. م).

[19]))  ينظر: مقاييس (أ د م)

[20]))  السجدة (٧)

[21]))  ينظر: مقاييس (أ د م)