حينما نتحدثُ عن العربيةِ – عبر مرآتها الصافية- نَجِدُ أنْفُسَنا أَمامَ أكثرِ اللُّغات الحيَّة قِدَمًا، وأوسعِها تصرُّفًا، وأكرمِها أَرُومَةً، وأوحدِها اتصالًا بنصٍّ ربانيٍّ مُحكَمٍ باقٍ على صحته إلى يوم الناس هذا..
نَجِدُ أنْفُسَنا أَمامَ إحدى اللغات العالمية الست المعتمدة في الأمم المتحدة، ومن أكثرها جاهزيةً لاحتواء لغة العلم، والثقافة، والدين، بل والتقنيات على اختلافها وتطورها وسرعة وتيرتها، رغم جهل الجاهلين.
نَجِدُ أنْفُسَنا أَمامَ لغةٍ ليست المُشكِلَةُ فيها أو في إمكاناتها- فهي لغةٌ اتسعتْ لتحوى كلامَ رب العالمين، وسنةَ أفصح الخلق أجمعين، واستُعملتْ أداةً طيعةً في أيدي المترجمين في عصور العرب الذهبيَّة – وإنما في هِمَمِ المُتكلِّمين بها، وضعفِ قدراتِهم، واسترخاءِ تَقدمُّهم، وقلةِ عنايتهم بها، وعدمِ التنبهِ إلى أنها أولُ ركيزةٍ من ركائز بناء هُويتهم العربية الإسلامية.
نَجِدُ أنْفُسَنا أَمامَ لغةٍ ستظل باقيةً إلى يوم القيامة، في ضوء وعد ربنا – تبارك وتعالى- بحفظ القرآن الكريم، التي هي وعاؤه الحصين، وذلك في قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]، فالعربية باقيةٌ بقاء هذا الذِّكْر العزيزِ.
نَجِدُ أنْفُسَنا أَمامَ لغةٍ من أكثر اللُّغات طلبًا للتعلم في أنحاء العالم المُترامي، إن على مستوى المسلمين؛ بغيةَ فهمِ كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وشرائع دينهم، أو غير المسلمين لدواعٍ متعددةٍ.. ولكلٍّ في تعلُّمها وجهةٌ هو مُولِيها.
نَجِدُ أنْفُسَنا أَمامَ لغةٍ تَحوِي الحروفَ الأعلى جماليةً بين حروف لغاتِ العالَم، تتزين بها كبرى القاعات في العالَم، دون أن يَعرِفَ مُقتنوها مَعنى الكلمات المكتوبة أو دلالتها، فلا سبب لاقتنائها إلا لأنها اللوحات الأجمل على الإطلاق.
نَجِدُ أنْفُسَنا أَمامَ لغةٍ يَصفُها البعضُ بأنها أصلُ اللُّغات- ناقِشْ أو جادِلْ أو اعترضْ- هكذا يرونَ، ولهم أدلُتهم. وبعضُهم يذكر أنها لغةُ أهلِ الجنةِ- ناقِشْ أو جادِلْ أو انتقِدْ- هذا اعتقادُهم الجازمُ كونها لغةً تستحق التكريمِ؛ بأنْ تكون لسانَ أهلِ الآخرةِ.
ماذا أقول وماذا أحكي عن لغتي العربية..
إنها لغةٌ ليستْ كاللُّغاتِ..
كلُّ عامٍ أنتِ في رخاء سيدةَ اللُّغاتِ.