حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

تعريف علم اللغة بقلم أ.د/ عصام فاروق

تعريف علم اللغة

لعلنا نعرف ما المقصود بـكلمة (علم)، وفي المقابل نعرف المقصود بكلمة (اللغة)، لكن ما المراد بهاتين الكلمتين عند تركيبهما في مصطلح (علم اللغة)؟

يعد مصطلح علم اللغة ترجمة للمصطلح الإنجليزيLinguistics  على أن هناك ترجمات أخرى للمصطلح تضعنا أمام مترادفات مختلفة لهذا المصطلح منها: علم اللغة العام، علم اللسان، اللسانيات، فقه اللغة، الألسنيات، اللغويات.

ولكن ما اشتهر من هذه المصطلحات خصوصا عند اللغويين المصريين المحدثين([1]) هو علم اللغة.

* مع الاصطلاح:

لعلم اللغة تعريفات متعددة، وسوف نقف هنا أمام تعرفين اثنين:

* التعريف الأول: هو تعريف دي سوسير ومفاده أن علم اللغة يعني:
دراسة اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها([2])

ولنا وقفات مع هذا التعريف لنسأل أسئلة ثلاثة: ما هي (اللغة) التي يقصدها؟ ما معنى (في ذاتها)؟ ما معنى (من أجل ذاتها)؟

أوّلاً: للغة: ” التي يدرسها علم اللغة ليست الفرنسية، أو الإنجليزية، أو العربية، ليست لغة معينة من اللغات، إنما هي (اللغة) التي تظهر وتتحقق في أشكال لغات كثيرة ولهجات متعددة وصور مختلفة من صور الكلام الإنساني، فمع أن اللغة العربية تختلف عن الإنجليزية، وهذه الأخيرة تفترق عن الفرنسية إلا أن ثمة أصولا وخصائص جوهرية تجمع ما بين هذه اللغات، وتجمع ما بينها وما بين سائر اللغات، وصور الكلام الإنساني، وهو أن كلا منها (لغة)؛ أن كلا منها نظام اجتماعي معين تتكلمه جماعة معينة بعد أن تتلقاه عن المجتمع، وتحقق به وظائف خاصة، ويتلقاه الجيل الجديد عن الجيل القديم.. وهكذا، فعلم اللغة يستقي مادته من النظر في (اللغات) على اختلافها، وهو يحاول أن يصل إلى فهم الحقائق والخصائص التي تسلك اللغات جميعا في عقد واحد. وكما يدرس عالم الحيوان أفراد الحيوان على اختلافها ليصل إلى فهم سليم لحقيقة (الحيوان)، والدراسة تلجئه إلى أن يصنف أفراد الحيوان على أسس معينة, وأن يبرز خصائص كل (صنف)، وأن يؤرخ للحياة الحيوانية، ويحاول أن يفسر (نشأتها) كذلك يصنع عالم اللغة باللغات “([3])

   إذًا: اللغة التي يدرسها هي: اللغة الإنسانية على وجه العموم.

ثانيًا: معنى قوله: (في ذاتها) هو “أنه يدرسها من حيث هي لغة، يدرسها كما هي، يدرسها كما تظهر، فليس للباحث فيها أن يغير من طبيعتها، كما أنه ليس للباحث في موضوع أي علم من العلوم أن يغيّر من طبيعته، فليس له أن يقتصر في بحثه على جوانب من اللغة مستحسنا إياها، ويُنحي جواني أخرى استهجانا لها، أو استخفافا بها، أو لغرض في نفسه أو لأي سبب آخر من الأسباب.”([4])

ثالثًا: معنى أن علم اللغة يدرس اللغة (من أجل ذاتها) أنه “يدرسها لغرض الدراسة نفسها، يدرسها دراسة موضوعية تستهدف الكشف عن حقيقتها، فليس من موضوع دراسته أن يحقق أغراضا تربوية مثلا، أو أية أغراض عملية أخرى. إنه لا يدرسها هادفا إلى (ترقيتها)، أو إلى تصحيح جوانب منها أو تعديل أُخر، إن عمله مقصورٌ على أن يصفها ويحللها بطريقة موضوعية. “([5])

* التعريف الثاني: أورده الدكتور محمود فهمي حجازي بقوله: “علم اللغة Linguistics في أبسط تعريفاته هو: دراسة اللغة على نحو علمي([6])

ولنا هنا سؤال – أيضا- هو: ما معني (على نحو علمي)؟

إن دراسة اللغة ليست دراسة عشوائية، وإنما هي دراسة علمية تقوم على أسس ومبادئ وإجراءات؛ لتفضي في النهاية إلى نتائج سليمة، وقواعد محددة واضحة.

ومن هذه الإجراءات- على سبيل المثال- تحليل اللغة إلى مستوياتها المختلفة: الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، تحليلا دقيقا، يعطينا صورة واضحة عن مكونات هذه اللغة وخصائصها المختلفة.

– وهنا سؤال أخير حول التعريفين معا، وهو: ما الفارق بين التعريفين؟

   التعريف الأول يجعل دراسة اللغة مقصورة عليها (في ذاتها ومن أجل ذاتها) دون النظر إلى العوامل الخارجية التي تؤثر عليها، فمن المعروف أن اللغة تتأثر بالمجتمع التي يعيش فيه المتكلمون بها، كما أنها تتأثر بالطبيعة الجغرافية للأماكن التي يعيش بها هؤلاء المتكلمون باللغة، كما تتأثر بنفسية المتكلمين وثقافاتهم.. إلخ

في حين أن التعريف الثاني لم يستبعد دراسة هذه العوامل في دراسة اللغة، فمن الممكن أن أدرس المجتمع اللغوي، أو جغرافية مكان اللغة، أو نفسية المتكلم بها خلال دراستي للغة.

ولعل التعريف الثاني هو الأدق –في وجهة نظرنا- لأن اللغة في تطورها وتكويناتها ليست بمعزل عن هذه العوامل، وإنما تشكلت وتحورت وتطورت من خلالها.

ولي مثال توضيحي على ذلك: إن عالِم الأحياء البحرية – على سبيل المثال- قد يكتفي بوصول سمكة جديدة أو غريبة إلى معمله ليبدأ في تشريحها وتحليل مكوناتها، واستنتاج ما يراه من نتائج ومعلومات عن هذه السمكة. في حين أنه من الأفضل أو الأعمق من ناحية الدراسة واستخلاص النتائج إذا انتقل هذا العالِم إلى البيئة التي تعيش فيها هذه السمكة ليدرس طبيعة العمق الذي تعيش فيه، درجة الحرارة، التغذية، ولاشك أن مراقبة هذه السمكة عن قُرب تعطيه نتائج ممتازة ومعلومات أكثر قيمة عن هذا المخلوق.

([1]) من هؤلاء: د. علي عبد الواحد وافي في كتابه (علم اللغة)، د. عبد الصبور شاهين في كتابه (في علم اللغة العام)، د. رمضان عبد التواب في كتابه (المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي)، د. محمود فهمي حجازي في كتابه (مدخل إلى علم اللغة)، ومن المدرسة اللغوية الأزهرية: د. عبد الحميد أبو سكين بكتابه (المدخل في علم اللغة)، د. عبد الفتاح البركاوي في كتابه (مدخل إلى علم اللغة الحديث)، د. شعبان عبد العظيم بكتابه (شذرات من علم اللغة)، وغيرهم كثيرون.

ولعل هناك إشارة إلى هذا المصطلح في عنوان كتاب (المزهر في علوم اللغة وأنواعها) للإمام السيوطي، لكنه أراد بمعظم مادة الكتاب لغةً واحدةً، هي اللغة العربية.

بينما يفضل لغويو المغرب العربي استخدام مصطلح علم اللسان، أو اللسانيات، أو الألسنية، مثلما فعل د. عبد السلام المسدي في كتابه (مباحث تأسيسية في اللسانيات).

([2]) علم اللغة مقدمة للقارئ العربي (49) د. محمود السعران، دار النهضة العربية- بيروت.

([3]) علم اللغة (49، 50) د. السعران

([4]) السابق (51)

([5])السابق (51)

([6]) مدخل إلى علم اللغة (17) د. محمود فهمي حجازي، طبعة دار قباء.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu