حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الخطاب القصدي وآلياته التواصلية في أسلوب العطف (نموذج الإمتاع والمؤانسة) [الحلقة الأولى] بقلم أ.د/ حسين كتانة

أستاذ البلاغة العربية في جامعة آل البيت - الأردن [تم النشر بإذن من سيادته]

المقدمة:

        يرجع الخطاب القصدي في اللغة، إلى طبيعة المناسبات المختلفة التي يتواصل بها المتكلم العربي ، في شكل استلزام تخاطبي حسب تعبير بول غرايس Paul Grice . وهذا النوع من الخطاب يحمل من الدلالات ما يجعله قصديا في تعبيره عن الأغراض اللغوية والبلاغية التي نحتاج إليها في المجال التخاطبي . وقد أشار السكاكي إلى هذا الغرض في أسلوب العطف بقوله:”..إن العطف في باب البلاغة يعتمد أصولا ثلاثة: أحدها: الموضع الصالح له حيث الوضع، وثانيها: فائدته، وثالثها: وجه كونه مقبولا لامردودا. وأنت إذا أتقنت معاني الفاء، وثم، وبل، وحتى، ولا، ولكن، وأو، وأم، وأما، وأي على قولي، حصلت لك الثلاثة، لدلالة كل منها على معنى محصل، مستدع من الجمل، بينا مخصوصا مشتملا على فائدته، وكونه مقبولا هناك”[1].

وقد أشار اللغويون إلى غرض القصد في أسلوب العطف،انطلاقا من  تعريفهم له بأنه البيان، والنسق، وهم يقصدون بدلالة هذا المصطلح؛ موضوع الغرض الذي يعني الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه[2]. ثم ربطوه بآلياته التواصلية، التي تعبر عن قصد المتكلم، فقالوا هو:”أن تقيـم الأسماء الصريحة غير المأخوذة من الفعل مقام الأوصاف المأخوذة من الفعل”[3]. ثم فصلوا الكلام في هذه الأغراض التي منها البيان و الكناية والمجاز فقالوا: “هو اسم غير صفة يكشف عن المراد كشفها، وينزل من المتبوع منزلة الكلمة المستعملة من الغريبة إذا ترجمت بها. وذلك نحو قوله:

أقسمَ باللهِ أبو حَفصٍ عمر       ما مسَّها من نَقَب ولا دَبَر

أراد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حيث أجراه مجرى الترجمة وذلك بكشفه عن الكنية لقيامه بالشهرة دونها[4].

فأغراض العطف حين ينظر إلى طريقة استعمالها في اللغة، يتضح أنها تؤسس خطابا قصديا معرفيا، بواسطة الوضعية التواصلية لخطابه، والطبيعة المتميزة لحروفه التي تفيد المعاني النسقية في ربط الكلام وترتيبه. وهنا نجد الكاتب والأديب المستعمل لمعاني العطف  في خطابه أو أسلوبه، يعتمد تعلق المعاني؛ وهو توقف جزء من الكلام على جزء آخر يتمم فائدته بواسطة مجموعة من المعاني التي تؤديها الحروف حسب المواضيع التواصلية المناسبة؛ كالاستثناء، والشرط، والصفة، والعطف، والبدل… فيكون إرجاع الكلام إلى الكلام، أو إخراجه منه، موطنا لرصد عدد من الاصطلاحات المتصلة بظواهر التعلق المعنوي في البلاغة العربية.

        فقد ساهم موضوع الخطاب القصدي للعطف في التأثير التواصلي كما عبر عن ذلك التوحيدي بقوله : “ولا تعشق اللفظ دون المعنى، ولا تهو المعنى دون اللفظ”[5]، “فاللفظ طبيعي والمعنى عقلي، ولهذا كان اللفظ بائدا على الزمان، لأن الزمان يقفو أثر الطبيعة بأثر آخر من الطبيعة”[6]. وهي إشارة إلى التعبير المنهجي التواصلي وأهمية المعنى في تركيب الألفاظ، وصياغة المباني حسب الأوجه والمناسبات اللغوية الخاصة قصد تأسيس خطاب القصد.

        فاختيارنا لموضوع الخطاب القصدي في العطف انطلاقا من موضوع الإمتاع والمؤانسة لدى أبي حيان التوحيدي ، ينطلق من أبعاد تصورية للتعلق المعنوي في أسلوب العطف، الذي يعبر عن نظرية بلاغية تداولية في الفكر اللغوي العربي.

==========================

[1]– مفتاح العلوم، للسكاكي، دار الكتب العلمية، بيروت -لبنان، 1987م، ص.249.

[2]-شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام، المكتبة العصرية، صيدا-بيروت، 1988م، ص. 324.

[3]-اللمع في العربية لابن جني ، مكتبة النهضة العربية، بيروت، 1985م، ص. 148.

[4]-انظر المفصل للزمخشري، دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة، بيروت- لبنان، 1323هـ، ص. 122-123.

[5]-الإمتاع والمؤانسة، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت -لبنان، 1997م، /10

[6]-نفسه، 1/115

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu