حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

عرض كتاب: الكتاب لسيبويه بقلم أ.د/ عصام فاروق

عرض كتاب: الكتاب لسيبويه بقلم أ.د/ عصام فاروق

عنوان الكتاب:

يذكر علماؤنا أن سيبويه لم يضع لكتابه اسمًا؛ لأنه كانتْ من عادة المؤلفين أن يسلكوا في ذلك أحد طريقين:

أن يبدأ المؤلِّف بوضع العنونة قبل التأليف، وبالتالي فهو يعمل في إطار عنوانٍ محدد الملامح، أو يبدأ بالكتابة قبل العنونة، فيصبح العنوانُ خلاصةَ أفكاره التي طرحها في الكتاب.

وأعتقد أن سيبويه كان من النوع الثاني الذي أجَّل عنونة الكتاب وكذلك المقدمة والخاتمة لما بعد الانتهاء منه، ثم لم يُمهل إلى ذلك، فاختُضر شابًا.

وربُّ ضارة نافعة فعدم تسمية الكتاب على  يد صاحبه جعل الأمة من بعده تسميه تسمية شهيرة خالدة خلود الدهر، وذلك مثل تلقيب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالفاروق، فإذا قيل الفاروق لا ينصرف الذهن إلا إليه، ولا يتحدد إلا بوصف أو إضافة.

تاريخ تأليف الكتاب:

تاريخ تأليف الكتاب غامض، ويبدو من ترحم سيبويه على الخليل – رحمه الله- في مواضع من كتابه-  إن كان هذا من كتابته هو لا من النساخ- أنه كتب بعض الكتاب في حياة الخليل وبعضه بعد وفاته، أي بعد سنة 170 هـ

منزلة الكتاب في التراث العربي:

ومن القرون الهجرية المتلاحقة نجد عنه هذه الأخبار:

ومن تعظيم العلماء له وإكبارهم إياه أنه ((  كان محمد بن يزيد المبرد إذا أراد مريدٌ أن يقرأ عليه كتابَ سيبويه، يقول له: هل ركبتَ البحرَ؟ تعظيمًا له، واستصعابًا لما فيه.))([1])

وكان من قدر الكتاب ما رواه الجاحظ (255ه) من قوله: (( أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك، ففكرتُ في شيء أهديه له فلم أجد شيئًا أشرف من كتاب سيبويه، فقلت له: أردت أن أهدي لك شيئًا ففكرت، فإذا كل شيء عندك، فلم أرَ أشرف من هذا الكتاب، فقال: والله ما أهديت إليّ شيئا أحب إليّ منه.))([2])

ما روي من أن أبا عثمان بكر بن محمد المازني (249ه) قال: ((من أراد أن يعمل كتابًا كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي.)) ([3])

ويقول أبو الطيب اللغوي (351ه): ((  وهو أعلم الناس بالنحو بعد الخليل، وألف كتابه الذي سماه الناس قرآن النحو. )) ([4])

ومن طريف ما يروى بمناسبة هذه التسمية أن أحد نحاة الأندلس وهو عبد الله بن محمد بن عيسى (( كان يختم كتاب سيبويه في كل خمسة عشر يومًا.)) ([5]) كأنما يتلوه تلاوة القرآن.

وإن كنت أرى أن إطلاق لفظ (قرآن) في هذه التسمية ليس كما يتبادر إلى ذهن الكثيرين من كونه الكتاب ذا القدسية في النحو، وإنما يقرب عندي أن يكون بالمعنى الأصلي لكلمة (قراءة) وهو الجمع، أي: جامع النحو.

يقول أبو إسحاق الزجاج (311ه):((  إذا تأملتَ الأمثلةَ من كتاب سيبويه تبينتَ أنه أعلم الناس باللغة.)) ([6]) ويقول أبو الطيب اللغوي (351ه): ((  وهو أعلم الناس بالنحو بعد الخليل، وألف كتابه الذي سماه الناس قرآن النحو. )) ([7])

ويقول أبو سعيد السيرافي (368ه) عن الكتاب: (( وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله ولم يلحق به من بعده.))([8])

وتستطيع من خلال البحث في مصنفات القرون التالية العثور على مثل هذه الأقوال، وذلك المدح من العلماء في حق سيبويه وكتابه، ومثل هذه المهابة والإجلال نراه – أيضًا- في عيون المحدثين من العلماء على تباعد الزمن بينهم وبين سيبويه وكتابه، ومن ذلك: قول محقق المقتضب عن المبرد (( وفي رأيي أن أثر كتاب سيبويه في نفس المبرد، وثقافته أعمق من كل أثر))([9])

وكذلك قول محمد المختار ولد أباه بعد حديثه عن الخليل بن أحمد: ((… لكن الفضل الأكبر يعود إلى تلميذه سيبويه الذي جمع هذه الأفكار ورتبها في مدونة تعارف عليها أهل الفن بتسميتها بالكتاب، والنحاة حينما يشيرون إلى الكتاب، فإنهم ينظرون إليه، وكأنه المعجزة النحوية التي ليس لأحد أن يأتي بمثلها.))([10])

ويتعدى ذلكم الأثر الحضارةَ العربية إلى مثيلتها الغربية، فقد جعل المستشرق شاده ما وصل إلينا من علم الأصوات عند العرب خصوصا ما ورد عن سيبويه (( مفخرًا من أعظم مفاخر العرب )) ([11])

تلك العبارة التي يمكن فهمها بصورة أوضح من خلال ما أورده صاعد بن أحمد الأندلسي (462ه)، حينما قال: ((  ولا أعرف كتابًا أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم، وأحاط بجميع أجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب: أحدها المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني كتاب أرسططاليس في علم المنطق، والثالث كتاب سيبويه البصري النحوي، فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شيء إلا ما لا خطر له. )) ([12])

خلاصة القول في منزلة الكتاب:

مما سبق من حديث العلماء عن منزلة (الكتاب) – ومن ثم بيان فضل صاحبه- يمكن بيان ما امتاز به في النقاط التالية:

  • أمانة سيبويه في النقل عن شيوخه، فقد أثبت له يونس ذلك فيما رواه عنه، ومن ثم فيما رواه عن شيوخه أجمعين، وفي صدارتهم الخليل.
  • أولية الكتاب في علم النحو، مع عدم استطاعة منافسته والإتيان بمثله، يشهد لذلك حديث المازني وأبي سعيد السيرافي عنه.
  • صعوبة خوض غماره؛ نظرًا لعمق معالجته، لذلك لا يستطيع المبتدئون إدراك أسراره والوقوف على مراميه، وهو ما رمى إليه المبرد في حديثه عنه.
  • يوقفنا (الكتاب) على مدى علم سيبويه، فقد أوتي علما غزيرًا وعزيزًا في الوقت ذاته، للدرجة التي يصفه بها الزجاج بأنه أعلم الناس باللغة، أو أعلم الناس بالنحو بعد الخليل كما ذكر أبو الطيب اللغوي.
  • لسيبويه أثر كبير في الخالفين من بعده، سواءً منهم علماؤنا القدامى أم المحدثون.

دراسات وكتب حول الكتاب:

لعل نظرة على المؤلفات والأبحاث والرسائل العلمية التي كان (الكتاب) محورَها تؤكد ما له من أثرٍ كبيرٍ على مرّ تلك القرون، شرحًا، واختصارًا، واستدراكًا، ودرسًا، ونذكر منها على سبيل التمثيل فحسب:

  • شرح الكتاب([13]) لأبي سعيد حسن بن المرزبان السيرافي (368ه).
  • اختصره الجرمي صالح بن إسحاق (225ه)، يقول عن ذلك: (( أنا لم أضع كتابًا في النحو، إنما اختصرت كتاب سيبويه )) ([14]) وكأنه يرى في اختصاره فضلًا عن التأليف في العلم نفسه، ولعل ذلك من باب إكباره وتعظيمه في نفسه.
  • (الرد على سيبويه) ([15]) لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد (285ه) وكما هو واضح فإنه اعتراض على بعض ما جاء في الكتاب.
  • (المقدمات على الكتاب) ([16]) لابن الطراوة، سليمان بن محمد المالقي (528ه) ذكرت المراجع له اعتراضات على الكتاب لعلها ضمنها مقدماته.
  • لابن الضائع على بن محمد الإشبيلي (680ه) ([17]) ردٌ على اعتراضات ابن الطرواة.
  • فهارس كتاب سيبويه ودراسة له، للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة- القاهرة، ط أولى، 1395، 1975م.
  • دراسات في كتاب سيبويه، للدكتورة/ خديجة الحديثي، بيروت، 1980م

======================

(1) أخبار النحويين البصريين (39).

(2) نزهة الألباء (55).

(1) الفهرست (57)، النديم تح: رضا تجدّد، 1391ه-1971م، ص 57، نزهة الألباء في طبقات الأدباء (56)، أخبار النحويين البصريين (39)، أبو سعيد السيرافي تح: طه محمد الزيني، محمد عبد المنعم الخفاجي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط أولى 1374ه- 1955م

(2) مراتب النحويين (73)، أبو الطيب اللغوي، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، أولى 1413ه-2002م.

(3) بغية الوعاة (2/59)، وينظر: مقدمة محقق الكتاب (1/24)

(4) طبقات النحويين واللغويين (72)

(5) مراتب النحويين (73)، أبو الطيب اللغوي، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، أولى 1413ه-2002م.

(6) أخبار النحويين البصريين (48).

(1) المقتضب (1/26) المبرد، تح: محمد عبد الخالق عضيمة، ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1415ه- 1994م

(2) تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب (80)، د. محمد المختار ولد أباه، دار الكتب العلمية، ط ثانية 1429ه- 2008م.

(3) علم الأصوات عند سيبويه وعندنا، للمستشرق الألماني أرتو شاده، محاضرة برؤية استشراقية ومراجعة حديثة، د.صبيح حمود التميمي، بحث منشور بآداب الرافدين، العدد 58، لعام 1432ه-2010م، ص 66

(4) ينظر: طبقات الأمم (31)، صاعد بن أحمد الأندلسي، نشره الأب لويس شيخو اليسوعي، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين- بيروت 1912م.

(1) حققه: أحمد حسن مهدلي، وعلي سيد علي، ونشرته دار الكتب العلمية- لبنان، ط أولى، 2008م

(2) طبقات النحويين واللغويين (74)

(3) إنباه الرواه (3/251)

(4) بغية الوعاة (1/602) وينظر: مقدمة عبد السلام هارون للكتاب (1/43).

(5) بغية الوعاة (2/204)

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu