حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

تأملات في وظيفة الصوامت في اللفظة القرآنية.. بقلم د/ عبد الفتاح محمد محمد علي الشبل

حاصل على الدكتوراه في اللغة العربية قسم أصول اللغة في جامعة الأزهر .

إن القرآن هو كلام الله عز وجل , وهو متفرد في ألفاظه وتراكيبه ومستواه اللغوي , ولما كانت هذه سماته كان للمتأمل فيه أن يخرج بمعاني جليلة هذه المعاني نابعة من تفرده .

وإن إمعان النظر فيه يقول إن من بين سماته – التي تفرد بها – أن لا يمكن بحال من الأحوال الإتيان بلفظة مكان أخرى , وذلك لما تحمله من معان لغوية وبلاغية , وهذا من مسلمات لغة القرآن.

كذلك للصوامت دورها وظيفتها في اللفظة القرآنية , وقد وردت في سورة “يوسف” كلمات وجدت فيها الهمزة المكسورة في وسط الكلمة , وهي ثمان كلمات هي :

مالآية رقمهااللفظة
1{لَّقَدۡ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخۡوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٞ لِّلسَّآئِلِينَ } [يوسف: 7] لِّلسَّائِلِينَ 
2{قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ لَا تَقۡتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلۡقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّ } [يوسف: 10] قَآئِلٞ
3{وَٱسۡتَغۡفِرِي لِذَنۢبِكِۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلۡخَاطِـِٔينَ } [يوسف: 29] ٱلۡخَاطِـِٔينَ
4{ذَٰلِكَ لِيَعۡلَمَ أَنِّي لَمۡ أَخُنۡهُ بِٱلۡغَيۡبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي كَيۡدَ ٱلۡخَآئِنِينَ} [يوسف: 52] ٱلۡخَآئِنِينَ
5{قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ} [يوسف: 55] خَزَآئِنِ
6{قَالَ إِنِّيٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} [يوسف: 69] تَبۡتَئِسۡ
7{قَالُواْ تَٱللَّهِ لَقَدۡ ءَاثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا وَإِن كُنَّا لَخَٰطِـِٔينَ } [يوسف: 91] لَخَٰطِـِٔينَ
8{قَالُواْ يَٰٓأَبَانَا ٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِـِٔينَ ٩٧}[يوسف: 97] خَٰطِـِٔينَ

وقد تنوعت هذه الألفاظ ما بين الإسمية والفعلية .

وكان الاهتمام بهذه الكلمات وسر استخدام الهمزة فيها هو ما فيها من معان لغوية كثيرة , مرجعها إلى الانكسار والتسفل والدنو في الرتبة أو الأخلاق .

ففي الموضع الأول ورد لفظ :”السائلين” , والسائل إما أنا يكون لحاجة مادية أو معنوية كسؤال عن شيء مجهول بالنسبة لها فيسأل عنه لكي يتعلمه , فمرتبة السائل أقل وأدنى من مرتبة المسئول , فلهذا ناسبت الهمزة المكسورة هذا المعنى.

وفي الموضع الثاني :”قائل” لما كان هذا القائل مجاريا لإخوته فيما يريدونه من إلحاق الأذى بأخيهم , ولكنه أشار بعدم القتل , وأشار لشيء أخف منه هو إلقاؤه في “ غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّتخلصا منه , وإبعادا له عن أبيه , فلما وافقهم على ما أرادوا , ناسبه التعبير بالهمزة المكسورة .

في الموضع الثالث :” ٱلۡخَاطِـِٔينَ” لما كانت هذه الحادثة وهي إرادة امرأة العزيز الفاحشة من نبي الله يوسف – عليه السلام- , ثم ظهرت براءته , طُلِبَ من امرأة العزيز الاستغفار لذنبها , لأنها تدنت في أخلاقها , وتبين خطؤها , لأجل ذلك كان التعبير بالهمزة المكسورة مناسبا لتدنيها هي ومن على شاكلتها.

في الموضع الرابع :” ٱلۡخَآئِنِينَ ” لما كانت الخيانة من أعظم الذنوب , وهي تدني وانحدار أخلاقي , فما كان لنبي أن تكون هذه صفة له .

والذي عليه أكثر المفسرين أن هذا من كلام سيدنا يوسف -عليه السلام- فقد ظهرت براءته باعتراف النسوة , وباعتراف امرأة العزيز .

فلما كانت الخيانة انحدار أخلاقي ناسبها الهمزة المكسورة .

الموضع الخامس :” خَزَآئِنِ” لما كانت مصر هي أرض الخيرات , وكما وصفها القرآن بأنها خزائن الأرض , والسبب في ذلك هو سريان نهر النيل فيها ,والماء هو سبب الخير والأرزاق , ودائما يأتي من الأعلى إلى الأسفل , وهذا ما تحقق في جغرافية المكان .

فمصر بانخفاض أرضها وجريان النيل – الذي يأتي من أعلى إلى أدنى- صارت بما فيها من خيرات خزائن الأرض , ولما كانت منخفضة الأرض ناسبها في التعبير عنها خزائن المكسورة الهمزة . 

 الموضع السادس :” تَبۡتَئِسۡ”  أي فلا تحزن والحزن هو كسرة نفس المحزون فلا يكون له أمل في شيء , لأجل ذلك نهاه عن أن يبأس بسبب ما يقوم سيدنا يوسف – عليه السلام – من مكيدة كي يستبقي أخاه معه .

ولما كان الحزن كسر للنفس ناسبه الهمزة المكسورة .

الموضع السابع والثامن :” لَخَٰطِـِٔينَ” و ” خَٰطِـِٔينَ” فإخوة يوسف وصفوا حالهم حينما فعلوا ما فعلوا بـ يوسف – عليه السلام- كان هذا خطأ منهم , وهذا تدني في أخلاقهم لذلك عبروا عن أنفسهم حينما ارتكبوا هذه الجريمة بأنهم كانوا خاطئين , وناسب هذا التدني في الأخلاق الهمزة المكسورة .

ملاحظة لغوية أخرى

لماذا كان التعبير بالهمزة دون غيرها ؟ .

الهمزة هي أول الحروف مخرجا , والبداية في هذه الألفاظ جميعا تكون من الشخص الذي سأل , والذي قال – “قائل”- فهذا بداية للرأي الذي جاء على لسانه منه , والخاطئ تكون بداية الخطأ أو الجرم منه , والخائن هو أيضا من تكون البدية عنده , والخزائن تكون أيضا بدايتها في أرض مصر , والتباؤس – الحزن- يكون عند الشحص يبدأ من نفسه.

فهذه بعض الاستفادات من التعبير بالهمزة المكسورة عن الانخفاض والكسر والدنو المادي والمعنوي .

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى