حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

عشر فوائد عن كتاب (المُلَمَّع) للنَّمَرِيّ [أول معجم مستقل للألوان في العربية]

بقلم أ.د/ عصام فاروق

(المُلَمَّع) معجمٌ لغويٌّ صغيرٌ مختصٌ، يعده العلماءُ أولَ معجم للألوان في تراثنا العربي، صنَّفه أبو عبد الله الحسين بن علي النَّمَرِيّ البصريّ (385ه) وهذه عشر فوائد عنه:

الأولى:

ينتمي هذا الكتاب إلى المعجمات المختصة؛ التي تُعنى بجمع ألفاظ حقلٍ دلاليٍّ معينٍ، مع بيان معاني تلك الألفاظ والفروق بينها. والحقل المعرفي الذي يختص به هذا المعجمُ الصغيرُ هو الألوانُ، وقد عُني بهذا الحقلِ كثيرٌ من اللغويين، سواء داخل مُصنَّفاتهم اللغوية، على نحو ما نجد عند أبي عبيد (224ه) في ( الغريب المصنف ) من خلال ( باب الألوان واختلافها )، أو عند ابن قتيبة (276ه) في ( أدب الكاتب ) من خلال (باب ألوان الخيل)، وغيرهما. أو بإعداد رسائل خاصة بهذا الحقل الدلالي المهم، ويعد ( المُلَمَّع) أولَ كتاب عربيّ مستقل يجمع ألفاظ الألوان، ويشرح العلاقات بينها، ويستشهد عليها من عيون الأدب العربي.

الثانية:

صاحب الكتاب هو أبو عبد الله الحسين بن علي النَّمَرِيّ البصريّ (385ه) نشأ وترعرع في البصرة ولذا نُسب إليها، وكانت له صلة قوية بابن العميد، ومن شيوخه ابن رياش وابن لنكك؛ ولذا نجد كثيرا من الآثار التي نقلها في هذا الكتاب عن أبي رياش، كما ذكروا من صفاته أنه كان أخفش العين، سيئ المنظر، إلا أنه لم يكن يأبه لذلك، وكتابه (الملمع) الوحيد الذي وصل إلينا، لكنهم ذكروا له كتبا أخرى مفقودة، منها كتاب في معاني الحماسة وكتاب في الحلي. وقد لبى النَّمَرِيّ نداء ربه في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.

الثالثة:

سمَّى النَّمَرِيُّ كتابَه (المُلَمَّع) وهذه الكلمة على غرابتها إلا أنَّ لها علاقةً بالألوان، فقد أورد ابنُ سيده أنَّ (( كلّ مُتلوِّنٍ بألوانٍ مُختلفةٍ مُلَمَّعٌ )) [المخصص (2/132)] وكأنَّ النَّمَرِيّ يقصد أنه سيتناول في كتابه ألوانًا متعددةً مختلفةً، تقول محققةُ الكتاب:(( ولعل تسمية المؤلف لكتابه بالمُلَمَّع- على غرابتها- تحمل الكثير من الشحنة اللونيَّة. فالتلميع لغة أن يكون في الخيل بقع تخالف سائر لونه. وكأن المؤلِّف قصد إلى تنوع الألوان في كتابه، واستقلال كل لونٍ منها بذاته استقلالًا يجعله مخالفًا للألوان الأخرى في نوعه، ومتوافقًا معها في تكوين لوحةٍ لونيَّةٍ متجانسةٍ.)) [مقدمة تحقيق الملمع (أ)]

ولعل مثل هذه الاجتهادات مقبولة في ضوء عدم تعليل النَّمَرِيّ نفسِه لاختيار هذه التسمية.

الرابعة:

بلغت صفحات الكتاب مائة وسبعا وستين صفحة، اشتملت على:

  • مقدمة المحققة، لم تتجاوز الصفحات الأربعة.
  • ترجمةً للمصنِّف، بلغت حوالي اثنتين وعشرين صفحة.
  • متن الكتاب، واستغرق حوالي مائة وصفحتين اثنتين.
  • الفهارس، التي أوردت الأعلام، وألفاظ الألوان، واللغة، والقوافي، وأنصاف الأبيات، والرجز، والآيات والأحاديث، والأمثال، والمراجع، والتصويبات، والمحتوى.

الخامسة:

أراد النَّمَرِيُّ لكتابه أن يكون موجزًا بغير إخلالٍ، لذا يقول في مقدمته: ((  والكتاب إذا طَالَ أملَّ، وإذا قَصُرَ أخلَّ، فجعلناه بين ذينك، مع استكمال الإفادة، واستغراق الإرادة، ولم نتجاوز غاية علمنا، ونهاية فهمنا..)) [الملمع (1)]

وبنى الكتابَ على بيان الألوان الخمسة: الأبيض، والأسود، والأحمر، والأصفر، والأخضر، وسماها (النَّواصِع الخوالِص) كما بيَّن علاقة هذه الألوان الخمسة بغيرها من الألوان الأخرى المعروفة، كالغُبرة، والسُّمرة، والزُّرقة، (( فإنْ قال قائلٌ: فأين الغبرة، والسمرة، والزرقة، والصحمة، والشقرة وأشكالهن من الألوان؟ قيل: هذه الألوان ليستْ نواصع خوالص. وكلٌّ يُرد إلى نوعه، فالغبرة إلى البياض، والسمرة إلى السواد، والزرقة إلى الخضرة، والصحمة إلى الصفرة، والشقرة إلى الحمرة.)) [الملمع (8)]

كما ذكر أن هناك من الألفاظ ما يدل على هذه الألوان الخمسة ويؤكدها، فيما يعرف بـ(مؤكدات الألوان)، فيقول: (( .. والعربُ عمدتْ إلى نواصع الألوان فأكَّدتْها، فقالتْ: أبيض يَقَق، وأسود حَالِك، وأحمر قَانِئ، وأصفر فَاقِع، وأخضر نَاضِر)) [الملمع (8)] 

ومدار تقسيم الكتاب بحسب هذه الألوان الخمسة، هكذا:

  • ذكر البياض.
  • ذكر السواد.
  • باب الحمرة.
  • باب الصفرة.
  • باب الخضرة.

السادسة:

اعتمد النَّمَرِيّ في تفسير المعنى على طرقٍ متعددةٍ متنوعةٍ، هي:

  • التفسير بالكلمة المقاربة- وأتت هذه الطريقة مناسبة لحجم (المُلَمَّع) وهدفه- مثالها: قوله: (( الحَفَأ: البَرْدي))
  • التفسير بأكثر من كلمة، مثالها: قوله: (( الجُوْءة: لونُ صدأ الحديدِ))
  • التفسير بتحديد المكونات الدلالية، مثالها: وقوله: (( النَّشَاص: السحاب المرتفع.. ولا يقال له نَشاص حتى يكون مرتفعًا))
  • التفسير بذكر السياق، مثالها: بقوله: (( فإذا كانت الخمرة بيضاء فهي صهباء، قال الأصمعي: الصهباء: الخمرة من العنب الأبيض، وقال غيره: من الأبيض وغيره. قال جميل:                                                                       [من الوافر]

وَمَا صَهباءُ صَافِيةٌ كُمَيْتٌ :: كَريحِ المِسكِ مُنجابٌ قَذَاها

فهذا يدل أنها حمراء..))

كما جَمَعَ النَّمَرِيّ في بعض الأحيان بين طريقتين للتفسير، ففسَّر الشيء الواحد بهما، إما في موضع واحدٍ أو في موضعين مختلفين.

كما أنه لم يعتمد على التفسير بالضد، وهو طريقة شهيرة في المعاجم وكتب اللغة؛ لأنه – كما أرى- يتناول حقلًا دلاليًّا مهمًّا، لا يجوز فيه الحمل على الضد، لاحتياج الدرجات اللونية التي تدل عليها الألفاظ الواردة في الكتاب إلى التمييز والإيضاح.

السابعة:

عُني النَّمَرِيُّ ببعض الظواهر اللغوية ومنها علل التسمية، واعتمد في ذلك على ملحظين مُهمِّين من مَلاحِظ التسمية:

الملحظ الأول- تسمية الشَّيء بوصفٍ فيه:

ويُعدُّ هذا الملحظ أوسع الملاحظ التي ذكرها، والسبب في ذلك أنَّ هذا الوصف يتعلق بلون الشيء، الذي هو موضوع (المُلَمَّع)، فاتصاف الشَّمس، والنَّهار، والزُّهرة، والمهاة بالبياض كان مدعاةً – كما ذَكَرَ الرجلُ- إلى إطلاق لفظيْ الجون والزُّهرة عليها، يقول: (( .. وتُسمَّى الشمسُ جونةً؛ لبياضها)) ويقول: (( .. ويُسمَّى النهارُ جونًا؛ لبياضه)) ويقول: (( .. وسُمِّيتْ الزُّهرةُ – فُعْلة- النَّجمُ؛ لبياضها وصفائها، وسُمِّيتْ المَهَاةُ زهراءَ؛ لذلك))

الملحظ الثاني- تسمية الشيء بما يشبهه:

ومن ذلك إيراده في (ذِكر السَّواد): قول أبي عمرو الشيباني ((  فإذا كانت الضَّأن سودًا، فهي لابةٌ، تُشبَّهُ بالحرَّة.)) فعن الأصمعي – فيما أورده الأزهري-: ((اللابة: هي الأرض التي قد ألبستها حجارة سُود))  

فتسمية الضَّأن لابةً جاء بسبب شبه سوادها بالحصى الأسود الذي يغطي اللابة؛ فلشبههما في اللون اتحادَا أيضًا في اللفظ، أي أن هذا الشبه أصبح مسوغًا لذلك الاتحاد.

كما عني ببيان الفروق الدلالية بين بعض الكلمات، وكان على وعي بهذه الفروق وتوظيفها في شرح المفردات وبيان حدودها والفصل بينها. وكذلك أورد بعض ألفاظ المشترك اللفظي ووصف معاني تلك الألفاظ بالتسوية، كما كان على وعي بالتضاد مصطلحا ومفهوما. وأوقفنا الرجلُ على بعض مظاهر التطور الدلالي لبعض الألفاظ، لذا يعد كتابه على صغر حجمه مكنزًا للقصايا اللغوية المتعددة.

الثامنة:

أكْثَرَ النَّمَرِيُّ من الاستشهادات، للدرجة التي لم تخلُ فيها صفحةٌ من صفحات الكتاب من استشهادٍ له، حَرِصَ على نسبةِ كثير منها إلى قائليها، وكانت هذه من إحدى السمات التي مُدح بها، فيصفه أبو منصور الثعالبي  (429ه) بأنه ((  كان من صدور البصرة في الأدب والشعر، وقد جمع الحفظ الكثير الغزير، والعلم القوي القويم، والنظم الظريف المليح)) [يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر(2/421)]

تقول محققة الكتاب عنه: ((غني بالشواهد، وتكاد لا تخلو منها صفحة من صفحاته، وهي معظمها شواهد شعرية، اختار المؤلف أكثرها من أشعار الفحول من شعراء الجاهلية والإسلام، أمثال: زهير والنابغة وامرئ القيس وغيرهم من الجاهليين، وأمثال: حسان بن ثابت.. وجرير والفرزدق وغيرهم من الإسلاميين. وهي شواهد كثيرة.. لأكثر من ثمانين شاعرًا)) [مقدمة تحقيق الكتاب: ب]

كما اعتمد على بعض آيات القرآن الكريم التي تتناول شيئا عن الألوان، كالأصفر واليحموم والغرابيب السود والوردة التي كالدهان، وغيرها، وكذلك بعض الأحاديث النبوية الشريفة، والأمثال العربية التي لها علاقة بالألوان.

التاسعة:

          حققت الدكتورة/ وجيهة أحمد السطل هذا الكتاب ونشره مجمع اللغة العربية بدمشق ضمن مطبوعاته عام 1396ه- 1976م، معتمدة على نسخة فريدة ليس سواها في العالم – بحسب ما ذكرتْ في مقدمة التحقيق- موجودة في مكتبة يني جامع في استانبول تحت رقم 21195/2، وعثرت عليها في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية مصورة بالميكروفيلم عن النسخة الأصلية في تركيا وتحمل رقم 274 لغة. يرجع تاريخ نسخ المخطوط إلى النصف من ربيع الأول سنة خمس وخمسمائة، ولم يذكر الناسخ اسمه على عادة كثرة من النساخ. [مقدمة تحقيق الملمع ف]

وضعت د. وجيهة مقدمة للتحقيق اشتملت على ترجمةٍ للمصنِّف، نبهتْ من خلالها على قلة المعلومات الواردة عنه في كتب التراجم، اللهم إلا بعض الإشارات التي وردت عنه هنا وهناك، وحاولت بصبر ودأب صياغة هذه الإشارات ونسجها لتخرج لنا بتعريف للرجل وحياته وشيوخه وتلاميذه ومكانته العلمية ومؤلفاته وتاريخ وفاته، وكذلك أفردت المصنَّف بحديث غير طويل. 

كما أعادت مكتبة لبنان والشركة المصرية العالمية للنشر- لونجمان، نشر الكتاب عام 2019م

وقد كان كتاب (المُلَمَّع) موضوعًا لبحث لي بعنوان (قَضَايا الدِّلالَةفي كِتابِ (المُلَمَّع) للحُسين بنِ عليٍّ النَّمَرِيّ (385هـ) دراسةٌ تحليليَّةٌ) نشرتُه في حولية كلية اللغة العربية بأسيوط- جامعة الأزهر، المجلد 39، العدد 2، الجزء 1 ديسمبر 2020م

العاشرة:

هذه مواضع متنوعة من الكتاب:

ذكر البياض:

يقال: أبيضُ يَقَقٌ. قال رؤبة بن العجاج:                                           [من الرجز]

وَماجَ غُدرانَ الضَّحاضِيحِ اليَقَقْ :: وافتَرَشَتْ أَبْيَضَ كالصُّبحِ اللَّهَقْ

وأبيضُ لَهَقٌ. قال الأخطل يصف الثور:                                            [من البسيط]

أمَّا السَّراةُ فَمِن دِيباجَةٍ لَهَقٍ :: وبالقَوائِمِ مثلُ الوَشْمِ بالقَارِ

.. وأبيضُ لَياحٌ ولِياحٌ، وكان أبو رياشٍ يختار الفتحَ ويجيز الكسرَ..   [الملمع 9، 10]

ذكر السَّواد:

يقال: أسودُ حالِكٌ وحَانِكٌ، وهو أشد سوادًا من حَنَكِ الغُرابِ، ومِن حَلَكِه. فَحَلَكُه: سَوادُه، وحَنَكُه: منقارُه. قال النابغة الذبياني:                    [من البسيط]

فَظَلَّ يَعْجُمُ أَعلى الرَّوْقِ مُنْقَبِضًا :: في حالِكِ اللَّونِ صَدْقٍ غيرِ ذي أَوَدِ

.. ويقال لليلة السوداء: الحُلَّكَةُ، قالتْ امرأةٌ من قريش تمدح النبي صلى الله عليه وسلم [من المتقارب]

                      وَرَبُّكَ غَشَّاكَ مِن نُورِه :: بنُورٍ تُضيءُ له الحُلَّكَهْ      [الملمع 60، 61]

باب الحُمرة

يقال: أحمرُ قانئٌ، وقد قَنَأَ يَقْنَأُ قَنُؤًا، قال الأفوه الأوْدي:                    [من السريع]

يُغادِرُ الجُبَّةَ مُحْمَرَّةً :: بِقَانِئٍ من دَم جَوفٍ جَميسْ

الجبة: ما دخلت فيه القناة من السنان. وجميس: جامد..                      [الملمع 85]

باب الصُّفرة

يقال: أصفرُ فاقِعٌ وفُقاعِيٌ، قال الله تعالى: ﴿صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ [البقرة من الآية 69]، زعم ابن قتيبة وأبو عبيدة أن الصفراء هاهنا السوداء، وأن الأصفر عندهم الأسود.

قال أبو رياش- رحمه الله- غلط ابن قتيبة وأبو عبيدة، فأين هما من قول ذي الرمة:                                                                                                   [من الطويل]

وَجِيدٍ ولَبَّاتٍ نَواصِعَ وُضَّحٍ :: إذا لم تكنْ من نَضْحِ جَادِيَّهِ صُفْرا

والجَادِيُّ: الزَّعفرانُ، أفَتُرى الزعفرانُ أسودَ؟                                    [الملمع 97]

باب الخُضرة

يقال: أخضر ناضر، وقد نضر ينضر نضارة. قال الراعي:            [من الطويل]

أَوِ الأَثْلِ أثلِ المُنحَنَى فَوقَ وَاسِطٍ :: مِن العِرضِ أوْ دَانٍ من الدَّومِ ناضِرُ

المنحنى وواسط: موضعان بالصحراء. والدوم: شجر المقل..        [الملمع 101]

كتبه الفقيرُ إلى اللهِ تعالى/ عصام فاروق

القليوبية، في 7 من ربيع الآخر 1446ه

الموافق 10 من أكتوبر 2024م

 

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu