الحلقة الرابعة: مخارج الأصوات وصفاتها وتعليم العربية للناطقين بغيرها
بقلم أ.د/ عصام فاروق
بناء على دراسة المخارج والصفات في المحاضرة السابقة فإن الدارس الآن يستطيع تحديد مخرج كل صوت وصفاته، التي تشكل جناحي شخصيته، والإخلال بواحد منها لغير علةٍ صوتية([1]) يؤدي إلى نطقه نطقًا غير صحيح. فيصف العين – على سبيل المثال – بأن مخرجها من الحلق، وأنها صوت مجهور، رخو، منفتح، مستفل. وهكذا يصف بقية الأصوات.
كما يستطيع التمييز ولو بشكل نظري بين الأصوات المتشابهة في العربية والتي لا يفرق بينها غير صفة من الصفات، الفرق بين الطاء المطبقة والتاء المنفتحة بين الصاد المطبقة والسين المنفتحة، وغيرها من الصفات التمييزية للأصوات.
وعندما ننزل إلى أرض التجارب الميدانية في هذا المجال نجد أن من النتائج الصوتية التي رصدتها بعض تلك الدراسات التطبيقية([2]):
أولا- أن الأصوات التي يصعب نطقها على الناطقين بغير العربية مفردة دون وجودها في كلمات، أو ضمن كلمات، (الثاء، والحاء، والذال، والسين، والضاد، والطاء، والظاء، والعين).
والأمر الذي سنقف أمامه هنا على وجه التحديد هو تعليل مجري الدراسة للخطأ في نطق بعض الأصوات داخل كلمات رغم إتقان الدراسين لها بشكل مفرد بأن ليس (( عن عجز في نطق هذه الفونيمات في حد ذاتها وإنما عن عجز عن الإدراك البصري الصحيح للكلمة المقروءة، وعجز عن تعرف حروفها، فضلا عن حقيقة هامة أخرى، هي أن نطق الكلمة ذاتها يتأثر بالسياق الذي ترد فيه )) ([3])
وفي ضوء مبادئ الدراسات الصوتية الحديثة يمكن القول إن السبب وراء عدم إتقان الدارسين هذه الأصوات داخل الكلمات مع إتقانهم إياها مفردة لا يعود إلى عجز الإدراك البصري أو التعرف على هذه الأصوات أو السياق وإنما يتمثل السبب الرئيس من وراء ذلك من الصعوبة في تهيئة الجهاز الصوتي للانتقال من صوت إلى آخر، ويمكن التغلب على تلك الصعوبة بالتدريب المستمر على نطق هذه الأصوات، ويمكن الاستدلال على السبب السابق ذكره، من خلال فحص الإجابة عن سؤال: هل يخطئ هؤلاء الدارسون في نطق هذه الكلمات عينها إن لم يكن الاختبار مقروءا، بمعنى إذا أتينا بصورة تعبر عن الكلمة المنطوقة، وطلبنا من الدارس الإتيان بالكلمة المعبرة عن الصورة، فهل سيخطئ أيضا أو لا؟
إن كانت الإجابة نعم، يسلم لنا هذا السبب الرئيس حيث لا إدراك بصري للكلمات التي تحوي هذه الأصوات ولا صعوبة في التعرف على الشكل الكتابي لها، ولا السياق الواردة فيه، وإنما ملاك الأمر هو الصعوبة في التهيئة التي أشرنا إليها.
ثانيا- ارتفاع النسبة المئوية للدارسين الذين عجزوا عن التمييز بين الواحدات الصوتية المتشابهة في أربعة مواضع، وهي بالترتيب:
- التمييز بين الدال والضاد، وقد بلغت نسبة الذين عجزوا عن ذلك 44,8%، وفي ذلك عدم مراعاة اختلاف الصفات بين الصوتين، فالضاد مطبق على سبيل المثال بينما يتصف الدال بصفة الانفتاح، بينما اتفقا في المخرج بحسب ما ذكرنا أنهما صوتان لثويان أسنانيان.
- التمييز بين الذال والظاء، وقد بلغت نسبة الذين عجزوا عن ذلك 25,6% فالظاء مطبق على سبيل المثال بينما يتصف الذال بصفة الانفتاح، بينما اتفقا في المخرج بحسب ما ذكرنا أنهما صوتان بين أسنانيين.
- التمييز بين الحاء والهاء، وقد بلغت نسبة الذين عجزوا عن ذلك 24,8%، ويمكن القول إن الاختلاف هنا ناشئ عن اختلاف مخرجي الصوتين، مع تقارب هذين المخرجين.
- التمييز بين السين والصاد، وقد بلغت نسبة الذين عجزوا عن ذلك 21,6% فالصاد مطبق على سبيل المثال بينما يتصف السين بصفة الانفتاح، بينما اتفقا في المخرج بحسب ما ذكرنا أنهما صوتان لثويان.
النظائر الصوتية بين اللغات وأهميتها:
قلنا من قبل إن ما يفيد في دراسة اللغات الثانية أن نعتمد على النظائر الصوتية الموجودة في اللغة الأم للدارس، ومحاولة المقارنة بين هذه النظائر، للإفادة منها في نطق نظيرتها العربية، ولتفادي الخطأ فيما ليس له نظائر في لغتهم، وهذا مما يمكن أن يحسمه الدارس نفسه من وضع الأصوات العربية في مقابل أصوات لغته لرصد هذه التشابهات وتلك الاختلافات للبناء عليها في عملية تعلُّمه.
وسأضع بين يدي القارئ الآن بعض هذه الاختلاف متخيرا بعض اللغات معتمدا على المعيار الجغرافي، لآتي بممثل للجانب الأفريقي، والآسيوي، وفي منتصفهما الجانب التركي، وذلك من خلال الدراسات التي أجراها أ.د/ البدراوي زهران على مجموعات من الطلاب.([4])
أولا- بين اللغة العربية ولغة اليوربا([5]) (إحدى اللغات الموجوة في غرب النيجر):
وجد بعض الطلاب صعوبة في نطق بعض الأصوات العربية غير الموجودة في لغة اليوربا، (الهمزة، والغين، والقاف، والضاد، والطاء) وأضاف بعض الطلاب أن الأصوات في لغة اليوربا تخرج كلها مما بين وسط اللسان والشفتين، فلا يوجد هناك صوت يخرج من الحلق أو من اللهاه.
فإذا أضفنا أصوات هذين المخرجين إلى الأصوات السابق ذكرها، خرجنا ببعض الأصوات العربية التي لابد أن يراعيها الدارس ويبذل الجهد في تعلمها ويوليها عناية أكبر من غيرها.
وبالطبع فإن الدارس يلجأ في بعض الأحيان إلى بعض الاستبدالات الصوتية لهذه الأصوات بطريقة إرادية يبتغي فيها الاستسهال، أو لا إرادية بانتقال مخرج هذه الأصوات إلى مخرج قريب يسهل على الدارس إخراج الصوت منه، ومن ذلك اعتمادهم بشكل أساس على صوت السين لنطقه بديلا عن مجموعة من الأصوات هي: ( الثاء، والذال، والزاي، والصاد، والظاء، والشين).
ثانيا- بين العربية والإندونيسية:
كما أن هناك أصواتا في العربية لا توجد في اللغة الإندونيسية، كذلك فإن هناك من الأصوات الأندونيسية التي لا تجدها في العربية، وما يعنينا في هذا المقام النوع الأول من الأصوات؛ لكونه يسبب مشكلة في تعلم العربية لدى الإندونيسيين، ومن هذه الأصوات:
(الثاء، والحاء، والخاء، والذال، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والعين، والغين)
ومن ثم يستعملون طريقة الاستبدال الصوتي أيضا، فالثاء تنطق سينا، والحاء والخاء هاءً، والذال تنطق دالا أو جيما، والشين والصاد تنطق سينا، والضاد والظاء دالًا، الطاء تاءً، والعين همزةً، والغين جيما، والقاف كافا.
ثالثا- بين العربية والتركية:
يختلف النظام الصوتي للغة التركية عن نظيره العربي على مستوييْ: الصوائت والصوامت، فالصوائت في التركية ثمانية تعرف عندهم بالحروف الصوتية، وتنطق هذه الحروف وحدها، كما تنطق مع الصوامت، بخلاف نظام العربية التي لابد فيها من تحريك الصوامت بالصوائت، ولذلك يحاول بعض الدارسين للعربية من الأتراك قراءة الحركات وحدها منفصلة عن الحروف؛ تأثرا بلغته.
وبالنسبة للصوامت فإن هناك عددا من الصوامت العربية غير موجود في اللغة التركية، فالأتراك ينطقون الحاء والخاء هاءً، والعين همزةً، والذال والظاء زايًا، والصاد والثاء سينًا، والطاء تاءً.. إلخ
تعقيب على هذه التقابلات:
أوَّلًا– من الواضح أن نطق المتعلمين للأصوات السابقة واستعمال نظام الاستبدال الصوتي ليس مطردا بين النطق العربي ونطق هذه الأمم لهذه الأصوات، فقد يختلف دارس عن آخر مع انتمائهم إلى اللغة نفسها في إتقان نطق صوت من الأصوات، وكذلك قد يعمد دارس إلى استبدال صوت عربي بصوت عربي آخر، بينما يعمد دارس آخر إلى استبداله بصوت ثالث، ولذا لابد الانطلاق من الدارس نفسه وطريقة نطقه واستبدالاته وعاداته ليتم تصحيحها أو تعديلها، أو بمعنى آخر عدم التعميم كركن أساس في العملية التعليمية للغة للناطقين بغيرها.
ثانيًا– يبدو اتفاق النماذج الثلاثة السابق ذكرها في أمرين:
الأول: عدم وجود أصوات عربية بعينها في ثلاثتها، منها: (الثاء- الذال- الظاء- الصاد ).
الثاني: اعتمادهم على طريقة استبدالية واحدة لبعض الأصوات، كاعتمادهم على السين بدلا عن الثاء والشين، والصاد، وكذلك إبدال الطاء تاء، والعين همزةً..إلخ
ومن الواضح وجود علاقة بشكل أو آخر بين السين وهذه الأصوات المستبدلَة، كالاتفاق في المخرج وصفة الصفير. وكذلك فإن التاء النظير لصوت الطاء المطبق، ومن المعروف أن الإطباق من الصفات الصوتية الصعبة على الدارسين للعربية.
ذكرنا فيما سبق أن الأصوات الحلقية من الأصوات الصعبة على كثير من المتعلمين، ومن ثم تكثر الأخطاء الخاصة بأصوات هذا المخرج، ويلجأ الدارس إلى تقنية الاستبدال لأقرب الأصوات التي يستطيع النطق بها، وهو ما يتطلب رعاية وعناية من المعلم أثناء عملية التعليم.
وقد ذكرت الدراسات أن الصعوبة في هذا النوع من الأصوات الحلقية تكمن في ميكانيكية نطقها بمنطقة الحلق، وهي منطقة تكاد تكون غير نشطة في كثير من لغات العالم.. هذا جانب أما الجانب الآخر فالحلق يعد من المناطق النطقية المعقدة عضويا، وميكانيكية تحرك العضلات المشتركة تزامنيا في إنتاج هذه الصوامت مركبة للغاية.([6])
========================
[1])) كتأثير الأصوات التالية للنون الساكنة فيها، فيما هو معروف في علم التجويد بأحكام النون الساكنة والتنوين (الإدغام، والإخفاء، والإقلاب) على وجه الخصوص؛ مما يفقدها مخرجها أو بعض صفاتها.
[2])) ينظر: المهارات اللغوية (246وما بعدها).
[3])) ينظر: المهارات اللغوية (250).
[4])) وذلك في كتابه (في علم اللغة التقابلي- دراسات نظرية على دعائم تطبيقية للغات مختلفة استمدت مادة الدراسة من رواة متعددين)، ط 2004م.
[5])) ذكر أن بلاد اليوربا تقع جنوب نهر النيجر، وتمتد من حدود هذا النهر شمالا وشرقا إلى المحيط الأطلسي جنوبا، وهي لقبائل في هذه المنطقة يعود تاريخها إلى نحو ألف عام، وقد انتشر الإسلام فيها على أيدي بعض التجار. ينظر حديثه عن هذه اللغة ص 62-71
[6])) ينظر: الأصوات الصعبة في نطقها وإدراكها لمتعلمي العربية من الناطقين بغيرها، مفاهيم صوتية وتقنيات تعليمية لتدريس الأصوات الحلقية والمحلقة، د. ابتسام حسين جميل، مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الإنسانية) المجلد الثامن عشر، العدد الثاني ( ص 760) يونيو 2010.