حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الفروق الدلالية عند ابن القيم [3] الحمد والمجد بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع

أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم بكلية الدراسات العليا ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة السابق

فرق ابن القيم بين الحمد والمجد، حيث إن بين الألفاظ التي يجمعها معنى عام واحد أربعة، وهي الحمد والمدح والمجد والثناء، فمعناها العام هو الإخبار عن محاسن الغير، لكن هذا المعنى له اعتبارات ثلاثة:

1- اعتبار من حيث المخبر به.

2- اعتبار من حيث الإخبار عنه بالخبر.

3- اعتبار من حيث حال المخبر.

فمن حيث الاعتبار الأول ينشأ التقسيم إلى الحمد والمجد، فإذا كان المخبر به من أوصاف العظمة والجلال والسعة وتوابعها فهو المجد، وإذا كان من أوصاف الجمال والإحسان وتوابعها فهو الحمد[1].

فكأن المجد – عنده – الإخبار عن محاسن المحمود، وهو الوصف بالعظمة والجلال والسعة، أما الحمد فهو الإخبار عن محاسن المحمود بالجمال والإحسان.

وعلل ابن القيم اختيار أوصاف العظمة والجلال والسعة للمجد تعليلاً اشتقاقياً، حيث تدور مادة “م ج د” على معنى الاتساع والكثرة، فمنه أمجد الدابة: أي أوسعها علفاً، ومنه مَجُد الرجل فهو ماجد: إذا كثر خيره وإحسانه إلى الناس … ومنه قولهم: في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي كثرت النار فيهما[2], والمرخ والعفار شجرتان يكثر قدح النار من زندهما.

ولعل ابن القيم قد استفاد من الراغب هذا المعنى العام الذي تدور حوله المادة، فالمجد – عنده – “السعة في الكرم والجلال، وأصله من قولهم  مَجَدَتِ الإبِلُ: إذا حَضْلَت في مرعى كثير واسع”[3].

وقصره الخليل على نيل الشرف[4]، وعنه أخذ ابن سيده، غير أنه زاد: “وقيل لا يكون إلا بالآباء”[5].

وعقد ابن فارس للمادة أصلاً واحداً، وهو بلوغ النهاية، يقول: “الميم والجيم والدال أصل صحيح يدل على بلوغ النهاية ولا يكون إلا في محمود، منه المجد، بلوغ النهاية في الكرم”[6]، لكنك تجد صاحب اللسان يجمع للفظ عدة معان، فالمجد: المروءة والسخاء، والمجد: الكرم والشرف، والمجد: نيل الشرف ولا يكون إلا في الآباء، والمجد: كرم الآباء خاصة، والمجد: الأخذ من الشرف والسؤدد ما يكفي، والمجد: الشرف الواسع[7].

والمتأمل لمعاني المجد المتعددة يرى أن ابن فارس قد أصاب المعنى الذي تدور حوله كل هذه المعاني، فالميم والجيم والدال تدل على بلوغ الغاية في كل أمر محمود, سواء كان كرماً أو شرفاً، أو جلالاً أو مهابةً أو عظمةً … أما الحمد فلا يبتعد كثيراً عن هذا؛ فهو بلوغ الغاية في الثناء المصحوب بالحب والجمال والإحسان. كما يلاحظ أن عدداً من العلماء منهم ابن القيم قد راعى في تحديد المعنى ما تدل عليه مشتقات المادة، مثل أمجد الدابة، ومجدت الإبل، واستمجد الفرخ والعفارُ … الخ.

============================

[1] بدائع الفوائد 2/95 والضوء المنير 1/33

[2] بدائع الفوائد 2/95 والضوء المنير 1/33

[3] المفردات ص 466

[4] العين 6/89

[5] اللسان “مجد” وانظر القاموس المحيط ص 301 “م ج د” والكليات للكفوي ص 780

[6] مقاييس اللغة 5/297

[7] اللسان “م ج د”

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu