حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

ديوان (العبور الأخير).. قراءة في العتبات النصية [الحلقة الثالثة] بقلم: أ.د/عصام فاروق

أستاذ أصول اللغة ووكيل كلية العلوم الإسلامية للطلاب الوافدين لشئون الدراسات العليا- جامعة الأزهر

ثانيا- الحقول الدلالية في الديوان وإيحاءاتها:

من المعروف أن الألفاظ تدل دلالة حقيقية على نفسية المتكلم، وتنبؤنا عن مكنونات نفسه، فنتاج الألسن يدل على ما يعتمل القلوب وما يهيمن على العقول من مشاعر وأفكار؛ ولذا نجد للملتزم دينيًّا مفرداته التي لها دلالاتها الدينية ولها صفتها التكرارية كما تتسم بالترابط الدلالي فيما بينهما، تختلف تلك المفردات عن نظيراتها عند الماجن– على سبيل المثال- وما تحمل من أفكار طائشة وخيالات جامحة.  

ويبدو أن الكلمة الرئيسة في الحقل الدلالي الرئيس لهذا الديوان هي (العشق)، فنجد الشاعر يكثر من تكرارية الكلمة في ديوانه، بالإضافة إلى خلوده إلى مشتقاتها: (عاشق- عَشِقَ..إلخ

وكذلك الكلمات المتقاربة منها دلاليا، والتي تشكل درجات الحب ومراحله، ومنها:

(الغرام- الحب- المحب- الحبيب- الهوى- الجوى- الصبوة- الوجد- المتيم- الهيام- موجدة- محبة- صبٌ.. إلخ)

ثم نلاحظ تحت هذا الحقل الرئيس حقولا فرعية أخرى تشتمل بدورها على كلمات منطوية تحت رايتها. وسأقف عند حقلين أراهما من أهم هذه الحقول؛ لقيام حالة العشق عليهما قياما لا يكاد يبرح واحدًا ممن أصيب به، وعانى آلامه. وهذا الحقلان هما:

حقل الشوق، ونلاحظ تكرار هذه الكلمة ومشتقاتها في الديوان كله، وكذلك مشتقاتها: يشتاق- اشتياق- أشتاق.. إلخ

ومما يشتمل عليه هذا الحقل من ألفاظ ما يلي: (الشجون- نجوم الليل- القمر- المساء- التوق- القلب- نبضا- جوانح- بين جنبيك- هائم- اللقاء- الموعد- الرجاء- التلهف- لهفتي- المشتهي- الحنين- شغف- لهفة.. إلخ)

كل هذه الكلمات وغيرها تصور تنوع المعجم الشعري فيما يخص هذا الحقل، الذي يتقلب في شاعرنا بين درجات ومراحل ورموزه، كارتباطه بـ(الليل) و(نجومه)، و(المساء) وفيه (القمر).

يقترب فيه (اللقاء) فـ(ينبض) له (القلب نبضا) وتتحرك له (الجوانج) التي (بين جنبي) الشاعر، ويظل (هائما) (يتوق) إلى القرب والوصال، ويظل المحب حتى في حضرة محبوبه إلى الاشتياق الذي تجلبه مجرد التفكير في الترك بعد الوصال:

(أشتاق أن ألقاك ما أحلاهما :: ليل يطول وجفن عينك حُلَّه) [سارق الوله]

ويبتعد المحبوب فتتحرك (الشجون) ويجثم (التلهف) بحمله على صدر (المشتهي)، ويأتي (الحنين) حاملا بين طياته (الرجاء) بتكرار اللقاء.  

حقل الألم، وهذه اللفظة منسربة في داخل الديوان انسرابا واضحا. وكذلك ما يشتمل عليه هذا الحقل من ألفاظ كـ:(الأرق- الدمع/ الدموع- العين- مؤق العين- الجفون- بكى- غمضا- ذل- مسكنة- موجدة- سهد- يسهر- اللوم- العازلين- العوازل- اللائمات- النوى- أجهش القلب- الغمام- الصدود-  الواشين- الأحداق- البين- أنين- الأسى – وجعا – مضجعه – السلوان – نيران – المصطلون – سهدي- وسواسي)

كما يحمل قلب العاشق شوقا لمحبوبه يتلذذ به، يأتي (السهر) و(السهاد) يحمل (الأرق) الذي يقض (مضجعه) ولا يبرح (الجفون)، وتسيطر (الوساوس) خوفا من حقد (العازلين) ومتابعة (اللائمات)، وإصرار (الواشين) على إفساد ما يربط المحبين، وقد لا يملك الإنسان نفسه وحالة (الوجع) هذه من السيطرة على (الدموع) التي تملأ (العيون)، لعلها تطفئ (النيران) التي تحرق شغاف قلبه، بينما يصطلى عليها البعض فرحا وسرورا:

(معي كل الذين مضوا

ومن يدري بأن الوجد

شف القلب ما أخفى.

وأن مضاجع العشاق

لم تهنأ بدف الجوف

               لم تعرف لنبض المشتهي حرفا)  [من قصيدة تمائم الذكرى]

إن تردد الشاعر العاشق بين الشوق والألم يخلف لنا شبكتين دلاليتن، ينتظم في كل منهما  عددا لا بأس من الألفاظ متقاربة المعاني، لتكونا بذلك ترجمة صادقة لما تحمله نفسيته من تناقضات، تتزاحم بداخله؛ تزاحما يظهر أثره بين سطور الديوان.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu