الآثار القاسية المترتبة على ” إنكار المجاز ” [2] .. بقلم أ.د/ محمود مخلوف
أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بأسيوط- جامعة الأزهر
إن الإسلام وعظمته أكبر من أن يختزل في تراث شيخ أو شيخين من أهل العلم، وقد صرح بهذا الشيخ محمد الغزالي ناصحاً محبي الشيخين ابن تيمية وابن القيم مع عظيم إجلاله لهما ولتراثيهما ..
وأعتقد أن كلامه هذا يشمل كل مجموعات التلاميذ المحبين المعظمين لشيوخهم .. وكأن بالشيخ تقي الدين ــ رحمه الله ــ قد استشعر من بعض تلاميذه هذا فنصح لهم , ولأشباههم بقوله في “التسعينية ” منتقداً بعض العلماء المتعصبين :
فإنه دائماً يقول : “قال أهل الحق” وإنما يعني أصحابه , فإن أهل الحق الذين لا ريب فيهم هم المؤمنون الذين لا يجتمعون على ضلالة , فأما أن يفرد الإنسان طائفة منتسبة إلى متبوع من الأمة , ويسميها أهل الحق , ويشعر بأن كل من خالفها في شئ فهو من أهل الباطل , فهذا حال أهل الأهواء والبدع … فليس الحق لازماً لشخص بعينه دائراً معه حيث دار , لا يفارقه قط إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (1)
ولو طبقتَ ميزان هذه الفقرة وحدها على المتشيعين لابن تيمية ــ رحمه الله ــ قديماً وحديثاً لقضيت فيهم بحكم قاسٍ , لا أحب أن أسيئهم به .. وعليهم أن يفطنوا إلى كل مقررات الشيخ تقي الدين وأحكامه , وليس إلى مقرر واحد فقط , يوافق أهواءهم !!
وإن الذي يبحث في كلام الأئمة عن علاج لحال المسلمين اليوم يتمسك بمثل هذه المقولة التي تعالج أدواءهم , ويتغاضى عن المقولات التي تزيد الفرقة وتلهب الفتنة ..
فإن قال محبو ابن تيمية ــ رحمه الله ــ إنا نجتهد في الدفاع عن الشيخ ضد من يرميه بسوء،, ناظراً إلى مقولاتٍ لشيوخ من معاصريه وخالفيه , تصفه بصفات شنيعة فإني أقول لإخواني هؤلاء : تنبهوا .. وأنتم في صف الدفاع عن الشيخ إلى أن هناك مخالفين للشيخ في كبرى فتاواه التي خالف بها جمهرة أهل العلم قد أنصفوا الشيخ تقي الدين , وأثنوا عليه , وشهدوا له بالفضل والإمامة ومشيخة الإسلام , مع تنبيههم إلى خطأ قوله في بعض المسائل .. وهذا ــ لعمري ــ هو ميزان أهل الحق والفضل والإنصاف , وإن كان لا يتوفر إلا لأولي الألباب والحجى الراشدة ..
فقد ألف ابن ناصر الدين كتابه ” الرد الوافر على من زعم أن ابن تيمية شيخ الإسلام كافر ” , وذكر أسماء عشرات من المعاصرين لابن تيمية وغيرهم ، ممن أطلق على الشيخ تقي الدين لقب ” شيخ الإسلام ” , وفيهم أشاعرة , وغير أشاعرة ..
المهم أن جلَّهم له مخالفات عديدة للشيخ تقي الدين في مسائل بذاتها , أمثال التقي السبكي 756 هـ , وابن الزملكاني 727 هـ ..
وقد قرَّظ الحافظ أمير المؤمنين في علم الحديث ابن حجر العسقلاني الأشعري على الكتاب، وأطنب في الثناء على الشيخ تقي الدين , مع تنبيهه إلى خطئه في بعض المسائل , وهذا هو القسطاس العدل .. استمع بإنصات إليه وهو يقول: ” وشهرة إمامة الشيخ تقي الدين أشهر من الشمس , وتلقيبه بشيخ الإسلام في عصره باق إلى الآن على الألسنة الزكية , ويستمر غدا كما كان بالأمس , ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره أو تجنب الإنصاف ..
ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً ، بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع , وعُقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة وبدمشق , ولا يُحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته , ولا حكم بسفك دمه ..
والمسائل التي أُنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي , ولا يُصرّ على القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداً .. وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه ..
ومع ذلك فهو بشرٌ يخطئ ويصيب .. فالذي أصاب فيه ــ هو الأكثر ــ يستفاد منه , ويترحم عليه بسببه .. والذي أخطأ فيه لا يقلَّد فيه .. بل هو معذور لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه …
=========
ينظر: التسعينية 245