الفروق الدلالية عند ابن القيم [18] الجبن والبخل.. بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع
أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم بكلية الدراسات العليا ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة السابق
جعلهما ابن القيمِّ قرينين يجمعهما معنى عام هو عدم النفع, فإنه كان عدم النفع بالبدن فهو الجبن, وإن كان بالمال فهو البخل[1]. فالبخل في حقيقته مَنْعٌ وإمساك, وجعله الكفويّ نَفْسَ الْمَنْع ويعدى فعله بـ “عن” و “على” أيضاً لتضمنه معنى الإمساك[2]. لكنهم قصروه على منع المال والمقتنيات خاصة، يقول الراغب: “البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه، ويقابله الجود”[3] وهو ضد الكرم عند بعضهم[4].
وفسره ابن عاشور بأنه الانقباض عن إعطاء المال بدون عوض, ولا يطلق على منع صاحب شيء غير مال أن ينتفع غيره بشيئه بدون مضرة عليه إلا مجازاً[5]. وقد توسعوا فيه حتى قالوا بخلت عينه بالدموع, وجاء في الأثر “البخيل من ذكرت أمامه ولم يُصَلّ عَلَىّ” وقال أبو هلال: “البخل منع الحق, فلا يقال لمن يؤدي حقوق الله تعالى بخيل”[6] وهذا يدخل أيضاً ضمن المنع أو الإمساك عما ينتفع به الإنسان. وتفسير ابن القيمِّ بعدم النفع هو تفسير باللازم ليربط بذلك بين معنى اللفظين, لكن المنع أو الإمساك أدق في هذه الحال، فهذا ممسك ماله, وهذا ممسك بدنه أو مانعه من المواجهة لأنه لا يقوى على ذلك. ويرى الراغب أن الجبن “ضعف القلب عما يحق أن يقوى عليه”[7]. والجبان من الرجال الهيوب للأشياء, أي الذي لا يتقدم على شيء ليلاً كان أو نهاراً[8], ومن هنا يتبين أن البخل إمساك ومنع وانقباض عن إعطاء المال، وأن الجبن ضعف في القلب وتهيب للأشياء وامتناع عن التقدم، كلاهما يلزم عنه عدم النفع كما رأى ابن القيمِّ.
===================
[1] روضة المحبين ص 72
[2] الكليات ص 242
[3] المفردات ص 48
[4] اللسان “بخل”
[5] التحرير والتنوير 4/182
[6] الفروق ص 186
[7] المفردات ص 94
[8] اللسان والقاموس “جبن”