الفروق الدلالية عند ابن القيم [15] الفقـه والتـأويل: .. بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع
أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم بكلية الدراسات العليا ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة السابق
الفقـه والتـأويل:
يبين ابن القيم أن الفقه أعم من التأويل, وليس كل فقيه مُؤَوِّلاً, بل يختص بالتأويل الراسخون في العلم من الناس, فالفقه – عنده – هو فهم المعنى المراد، والتأويل: إدراك الحقيقة التي يؤول إليها المعنى التي هي أخيَّتُةَُ وأصله[1].
والباحث في أصل كلا اللفظين يرى أن أصل الفقه هو إدراك الشيء والعلم به[2]. يُقال: فَقُه الرجل – بالضم – وفَقِه الشيء – بالكسر – إذا فهم[3]، أو عَلِم، وكل عالم بالشيء فهو فقيه[4]، والفقه: هو العلم بالشيء والفهم له والفطنة، وهو في العرف: الوقوف على المعنى الخفيّ يتعلق به الحكم[5]، وقريب منه ما قاله الراغب، حيث فسره بأنه التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد[6]، أو العلم بمقتضى الكلام على تأمله[7]. وتفسير اللفظ بهذه المعاني المتقاربة في عرف الفقهاء يوحي بتضييق دلالة اللفظ, حيث خصوه بعلم الشريعة, فصار كل عالم بالحلال والحرام فقيهاً[8]. أما التأويل فهو مصدر أَوَّلَ المضعف, تقول أوَّلَ الكلام وتأوله: أي دبره وقدّره … وقيل فَسَّره[9]، وقيل التأويل: مشتق من الأَوْل, أي الرجوع إلى الأصل, ومنه الموئل, للموضع الذي يرجع إليه, وحقيقته: رَدُّ الشيء إلى الغاية المرادة منه، علماً كان أو فعلاً, ففي العلم نحو (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ) [10] وفي الفعل كقول الشاعر[من البسيط]:
وفي النوى قبل يوم البين تأويل[11].
وقيل أصله من أُلْتُ إلى الشيء أؤوَل: إذ أَصرت إليه[12], وعلى هذا فسّر الجوهري التأويل بأنه تفسير ما يؤوَل إليه الشيء[13]، ولما كان هذا النوع من الكلام يحتاج إلى فكر وتأمل وإعادة نظر سُمِّي تأويلاً، ويقول الخليل: “التأول والتأويل تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إلا ببيان غير لفظه”[14]، ويقول ابن منظور: “والمراد بالتأويل: نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ”[15]، وقيل: “استخراج معنى الكلام على غير ظاهره, بل على وجه يحتمل حقيقة أو مجازاً, ومنه يقال تأويل المتشابه”[16]
ويتضح مما سبق أن الفقه له ملامح دلالية أهمها:
1- أنه أعم من التأويل.
2- يراد به العلم والفطنة والإدراك.
3- الوقوف على المعنى الذي يتعلق به بالحكم.
4- العلم بمقتضى الكلام.
5- التوصل بعلم غائب إلى علم شاهد.
وأن أهم ملامح التأويل ما يلي:
1- أنه مشتق من الأول بمعنى الرجوع أو الصيرورة.
2- يحتاج إلى فكر وتأمل.
3- نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي.
4- لا يصح إلا ببيان غير لفظه.
5- أن معناه يحتمل الحقيقة والمجاز.
6- أنه يكون في المتشابه والملبس.
=========================
[1] الضوء المنير 2/341
[2] المقاييس 4/442
[3] العين 3/370
[4] اللسان “فقه”
[5] الكليات ص 690
[6] المفردات ص 385
[7] الفروق اللغوية ص 89
[8] المقاييس 4/442
[9] اللسان “أول”
[10] آل عمران آية 7
[11] المفردات للراغب ص
[12] الفروق الفردية ص 56 والتهذيب “أول”
[13] الصحاح “أول”
[14] العين 8/369 “أول”
[15] اللسان “أول”
[16] الفروق اللغوية ص 56