التَّنَاصّ فى ميزان النّقد [الحلقة الثامنة: التناصّ فى الميزان ].. بقلم أ.د/ إبراهيم الهدهد
أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بالقاهرة ورئيس جامعة الأزهر الأسبق.
التناصّ فى الميزان
1ـ رأينا التناصّ يجعل دور القارئ أكثر من دور الكاتب ، وأن تكون عناية القارئ بما حول النصّ أكثر من عنايته بالنصّ ذاته ، ولذا يجعل ( امبرتوايكو) القارئ يتحمل العبء الأكبر فى فك رموز النصّ ، واستحضار تناصاته الغائبة ، وفك الشيفرات ليصبح النصّ تراكما ، أو خليطا من نصوص وتناصات كثيرة ومتنوعة تفوق حجم النص الأصلى أضعاف أضعاف ، ومن هنا رأينا ( رولان بارت) يكتب بحثا فى أكثر من مائتى صفحة عن قصة (بلزاك) وهى لا تتجاوز ثلاثين صفحة(1)
2ـ التناصّ يهدر جهد صاحب النص ، وهذا واضح من تعريف بعضهم بأن النص الأدبى ليس سوى مجموعة من نصوص سابقة عليه.
3ـ أن هذا المصطلح قد حظى باهتمام وتركيز بالغين من جانب نقاد الحداثة المشهورين مما أدىّ إلى شيوعه وتضخيمه ، وهذا ما حدث لمصطلحات كثيرة سبقت مصطلح التناص مثل البنيوية والأسلوبية والسيميائية والتفكيكية وغيرها حيث شاعت شيوعا مذهلا ، ثم خبت شيئا فشيئاً فى مواجهة البحث عن قيم نقدية جديدة ومعان وآفاق ومصطلحات أكثر حداثة وجدة(2) ، وباختصار يمكن أن نطلق عليه مصطلح ( الموضة ) .
4ـ أن هذا المنهج يحتّم أن كل نص متناص، ولا وجود لنص ليس متداخلاً مع نصوص أخرى ، أو لاوجود لكلمة عذراء لا يسكنها صوت الآخر ما عدا كلمة ( آدم) كما يرى باختين ، وأن التناصّ قانون النصوص جميعها(3) وخطورة هذا المنهج تجعل القرآن الكريم متناصاً مع غيره ، وهو ما ينفى عنه أنه كلام الله،وكأن هذا المسلك المستورد من الغرب بحمولاته الثقافية، التي لاترتكز على ثوابت من دين أو عقيدة، يراد منه إيهام شداة الدارسين بجدته وطرافته، مما يجعل الأجيال المتعاقبة تستسيغه، بل، ولاترى غضاضة في تطبيقه على القرآن الكريم،وكذلك التوراة والإنجيل، وجعل نصوص الوحي متناصة مع أحداث التاريخ والتراث الإنساني السابق على تنزيله، وهو اعتداء أثيم فاجر على نصوص الوحي، وإطفاء أنواره في قلوب الأجيال،ومحو قداسته من صدور الأمم، وهو من أفظع ما يتصور الوصول بأبناء الأمة إليه، وبإذن الله لن يكون.
5ـ التناصّ يجنى على النصّ لأنه لا يولى عناية بالنص ، وليس هذا المنهج خادمه ولا كاشفه ، وإنما هو يعتنى بردّ كل فكرة وكل تركيب وبناء إلى مبدعه الأول فهو إلى توزيع ما فى النص من جهد على من سبق ألصق من الكشف عن مجال النصّ ، وإن اصطناع هذا المسلك في معالجة النصوص يعلن موت قائل النص ومبدعه.
6ـ أن التناص مصطلح نبت في الغرب في مدارس التحليل النفسي، ثم انتقل إلى الدرس اللغوي؛ لذا جاء مولودا كثير الضلالات والتهويمات.
7ـ ربما يكون من محاسنه أنه يدعونا إلى اعتبار هذه النصوص الغائبة مكونات لشفرة خاصة نستطيع بإدراكها فهم النص الذى نتعامل معه وفض مغاليق نظامه الإشارى(4)
=====================
(1) التناص ص 13 د. الزغبى
(2) التناص للزغبي 11
(3) التناص د/ خليل الموسى الأسبوع الأدبى
(4) التناصّ ص 14 د. الزغبى