الترادف عند القدماء بين الإثبات والإنكار
بين الإثبات والإنكار
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد،،
فيعد الترادف من القضايا التي اختلف حول إثباتها كثيرٌ من اللغويين قديما وحديثا، وهذا طرف من هذا الاختلاف بينهم، يُظهر أنهم انقسموا إلى فريقين على النحو التالي:
أولا- المثبتون:
أثبت كثير من العلماء وقوع الترادف، ومن هؤلاء: سيبويه (180ه): لعل من أولى الإشارات التي وردت عن الترادف ما ذكره سيبويه في باب اللفظ للمعاني، بقوله:” اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين.. واختلاف اللفظين والمعنى واحد، نحو: ذهب وانطلق”([1]) أبو زيد الأنصاري (215ه) ([2]) والأصمعي(216ه)([3])، وابن خالويه (370 ه)([4]) والفيروزآبادي (817ه)([5]) وغيرهم كثيرون.
ثانيا- المنكرون:
أنكر فريق من العلماء وقوع الترادف، من بينهم: ابن الأعرابي (231ه)، وثعلب (291ه) ، وابن فارس(395) ([6]). وابن درستويه (347 ه) ([7]) وابن الأنباري (328ه)([8]) وتشمل قائمة منكري الترادف – كذلك- العلماء الذين ألفوا في الفروق أو الفرق كقطرب وأبي هلال العسكري، وغيرهما.
ومن الحقيق بالذكر هنا أن مِن هؤلاء الذين أنكروا الترادف عندما تتبَّع بعض الباحثين مؤلفاتِهم فبدا في بعضها أنهم يستعينون بالترادف ويخلدون إليه، يقول حاكم الزيادي: “وإذ ينكر هؤلاء الترادف نجدهم يروون طائفة من الألفاظ المختلفة ويذكرون أنها بمعنى واحد([9]).
وهو أمر يدعو إلى العجب والغرابة؛ لأنه يخالف في الظاهر ما ذهبوا إليه. ويدل دلالة واضحة على عجزهم عن بيان الفروق، وذكرها في مثل هذه الألفاظ التي يسوقونها بمعنى واحد..وفي مسلك هؤلاء –كما نرى- تسليم بالواقع اللغوي، وهو مما يعزز مذهب القائلين بالترادف إلى حد كبير..” ([10])
ويوجه أحد الباحثين المعاصرين ما يبدو تناقضًا في مذهب هؤلاء العلماء من حيث إنكار الترادف، بقوله: “ولعلنا لا نبعد عن الحقيقة إن قلنا إن هؤلاء المنكرين توصلوا ببعد نظرهم إلى ما توصل إليه علم اللغة الحديث الذي أمعن النظر في هذه المسألة، ففرَّق بين الترادف الكامل وأشباه الترادف، فأنكر الأول وأقر الثاني، ولا يعد ذلك تناقضًا بين إثبات وإنكار، وإنما هي النظرة الموضوعية التي تدرس الظاهرة بمختلف مستوياتها. وكذلك كان شأن المنكرين فيما نظن، فهم من نظرتهم التأريخية ينكرون الترادف الكامل بين اللفظين بما يحملانه من معنى عام ومعانٍ فرعية خاصة.. أما أن يجتمع اللفظان على معنى عام، أو معنيين متقاربين، أو متداخلين، لا يُكترث بالدقة الدلالية بينهما في التخاطب فلا ينكرون ذلك.”([11]) 0
([1]) الكتاب (1/24)، سيبويه، تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط ثالثة 1408ه – 1988م
([2]) ينظر: المزهر (1/413)، وله في المترادفات: كتاب الغرائز ذكره صاحب بغية الوعاة (1/583).
([3]) له في المترادفات: أسماء الخمر، أسماء القداح، ما اختلف لفظه واتفق معناه.
([4]) له في المترادفات: أسماء الأسد، أسماء الحية، ينظر: نزهة الألباء في طبقات الأدباء (271) لأبي البركات الأنباري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي 1418ه- 1998م وفيات الأعيان (2/179)،
([5]) من كتبه في المترادفات: الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف.
([6]) ينظر كتابه: الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها (باب الأسماء كيف تقع على المسميات) ص 59، علق عليه ووضع حواشيه أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية- بيروت، ط أولى 1418 ه- 1997م.
([7]) ينظر: المزهر (1/385، 386) .
([8]) ينظر: كتابه الأضداد في اللغة(7، 8) المكتبة الأزهرية 1325ه، والمزهر(1/400، 401).
([9]) في إشارة إلى قول ابن الأعرابي – على سبيل المثال- (زلعته وسلقته ودثثته وعصوته وهروته وفأوته بمعنى واحد) اللسان مادة (ز. ل.ع) وقوله: (يقال للعمامة، هي: العمامة، والمشْوَذ، والسِّب، والمقطعة، والعصابة، والعصاب، والتاج، والمِكْوَرة) المزهر (1/410) كما في المزهر أمثلة مشابهة أوردها ثعلب. كما أن لأبي هلال كتاب (التلخيص في معرفة أسماء الأشياء) وقد ذكر فيه من المترادفات الشيء الكثير، بل ذكر ألفاظا من المترادفات فرّق بينها في كتابه الآخر (الفروق) ينظر: الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (49 وما بعدها).
([10]) الترادف في اللغة (208). د. حاكم مالك الزيادي، دار الحرية للطباعة بغداد، 1400 ه- 1980م.
([11]) الترادف في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق (52) محمد نور الدين المنجد، دار الفكر المعاصر- بيروت، دار الفكر- دمشق، ط أولى 1417ه – 1997م.