لمحاتٌ من التوجيه اللغوي للقراءات السبع في سورة المنافقين
اللغوي للقراءات السبع في سورة المنافقين
في هذه السطور لمحات من توجيه القراءات السبع الواردة في سورة المنافقين، مع محاولة ربطها بالمستوى اللغوي الذي تنتمي إليه:
- قال تعالى: )وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ( [الآية: 4]
قرأ قنبل عن ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ) خُشْبٌ ( بسكون الشين. وقرأ الباقون ) خُشُبٌ ( بضم الشين. (1)
التوجيه:
من قرأ )خُشُبٌ( فعلى أنه الأصل في الجمع، فهو جمع (خَشَبة)، مثل أَسَد وأُسُد، والضم لغة أهل الحجاز.
ومن قرأ )خُشْبٌ( فقد استثقل توالي ضمتين فسكن تخفيفًا؛ فهما لغتان بمعنى واحد.
يدخل هذا الاختلاف تحت (المستوى الصوتي) وعلى وجه التحديد (حذف الصائت).
- قال تعالى: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ( [الآية: 5]
قرأ نافع ) لَوَوْا ( بتخفيف الواو الأولى. وقرأ الباقون ) لَوَّوْا ( بتشديد الواو. ([1])
التوجيه:
قرأ نافع ) لَوَوْا ( بتخفيف الواو، فيصلح للتقليل والتكثير، ويقوي هذه القراءة قولُه تعالى في آل عمران: )إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ([من الآية: 153] وفي سورة النساء ) وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ ( [من الآية: 46]، فـ(اللّي) مصدر (لوى). ومثله
ومن قرأ ) لَوَّوْا ( بتشديد الواو، على معنى التكثير، أي: لووها مرة بعد مرة،
يدخل هذا الاختلاف تحت (المستوى الصوتي) وعلى وجه التحديد (بين الأفعال المجردة والمزيدة ).
- قال تعالى: ) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ( [الآية: 10]
قرأ أبو عمرو ) وأكُونَ ( بالواو بعد الكاف، ونصب النون.
وقرأ الباقون ) وَأَكُنْ ( بغير واو وجزم النون. ([2])
التوجيه:
من قرأ ) وأكُونَ ( بالنصب، عطفه على لفظ (فأصدقَ) فكلاهما منصوب بأن مضمرة؛ والتقدير: فأن أصدقَ وأن أكونَ.
ومن قرأ ) وَأَكُنْ ( بالجزم، عطفه على موضع (فأصدقَ) قبل دخول الفاء، فجواب التمني إذا كان بغير فاء ولا واو فهو مجزوم، فالموضع نفسه يُجزم؛ وذلك مثل قولك: أخِّرني أصدقْ. فلما كان (أصدق) في موضع جزم، عُطف (أكن) على موضعه.
والاختلاف هنا ينتمي إلى المستوى النحوي: (الاختلاف في علامات الإعراب).
- قال تعالى: )وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( [الآية: 11]
قرأ أبو بكر عن عاصم ) يَعْمَلُونَ ( بالياء. وقرأ الباقون ) تَعْمَلُونَ ( بالتاء. ([3])
التوجيه:
من قرأ ) تَعْمَلُونَ ( فعلى الخطاب لجميع الخلق، فالله عز وجل خبير بما يعمل الناس جميعا.
ومن قرأ ) يَعْمَلُونَ ( فعلى الغيبة، ويؤيد قوله في الآية نفسها )وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا( “لأن النفس، وإن كان واحدًا في اللفظ، فالمراد به الكثرة، فحمل على المعنى.” ([4])
([1]) ينظر: التيسير في القراءات السبع (171)
([2]) ينظر: التيسير في القراءات السبع (171)