حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

نتائج وتوصيات المؤتمر الخامس لكلية اللغة العربية بأسيوط

عقدت كلية اللغة العربية بأسيوط مؤتمرها الدولي الخامس في المدة من 8-9 ربيع الآخر 14-15 نوفمبر 2021م، بعنوان: “الأصول الفلسفية للعلوم الإنسانية قديمًا وحديثًا (الخلفيات– النظريات- المشكلات)، وذلك بالتعاون مع مجمع البحوث الإسلامية، برئاسة كل من: أ.د/ رفعت علي السيد (عميد كلية اللغة العربية بأسيوط)، وأ.د/ نظير محمد عياد، (الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية)، وقد تمخض المؤتمر عن نتائج وتوصيات نوردها فيما يلي:

أولًا- نتائج المؤتمر:

برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد محمد الطيب – شيخ الأزهر (حفظه الله) استمرت جلسات المؤتمر لمدة يومين شارك فيها قيادات الأزهر الشريف وعلماء جامعة الأزهر وأساتذتها ولفيفٌ من الباحثين المختصين من عدة دول مع متابعة واهتمام من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وقد انتهى المؤتمر إلى النتائج الآتية:

أولًا– يؤكد الباحثون المشاركون في المؤتمر تعدد المواقف من ثنائية – جدل التراث والحداثة – بين فريق محافظٍ على التراث يعمل على إحيائه، ويدعو إلى الحياةِ به، وينقم على الحداثة ويرفضُ كلَّ وافدٍ غازٍ، وبين فريق ثانٍ داعٍ للحداثة ناقلٍ إياها ويرى التراث سببَ ضعفِنا ورجعيّتنا، وبين فريق ثالثٍ يمثل الرؤية الوسطية التوفيقية أو التلفيقية تأخذ من التراث ما يناسب العصر ويفيده وتأخذ من الحداثة ما يناسب هويتنا، ومن ثَمّ اعتدال الباحثين جميعًا أمر مطلوب؛ إذ الواقع شاهد أن العلاقة بين الحاضر والموروث علاقة تفاعلٍ لا تنافر، وامتداد لجهود مخلصة قد سلَفت، فمن عزل نفسه عن متابعة المستجدات دراسة وتأصيلًا ونقدًا فما قدّم للغته صرفًا ولا عدلًا، ومن سار على غير أساس كانت عاقبته الإفلاس.

ثانيًا– لا يمكن لدعوات التجديد ومظاهره المزعومة أن تُؤْتِي ثمارَها إلا إذا كان انطلاقها من فهم التراث فهمًا جيدًا، يكشف الخفاء عن مواطن الجمال وآيات الجلال وينشر لطائف الإشارات فيأتي الجديد المنطلق منه مثمرًا بنّاءً نافعًا يحقق الغاية المنشودة فلا حاضر بلا موروث ولا لاحق بلا سابق ولا خلف بلا سلف.

ثالثًا– سبق علماء القرآن النصيين جميعًا إلى بيان معايير نصيةِ القرآن بتناولهم أسباب النزول ومناسبة السور والآيات لما قبلها وأهدافَ السورة ومقاصدها، وكلامهم عن الوسائل التي ساعدت على اتساق السورة والآيات وعوامل الترابط فيها وأمارات الانسجام الدلالي والحبك فقد وقفوا على حقيقة النظام اللغوي المكوِّن للسور الكريمة خيرَ وقوفٍ وكانوا أعمق نظرًا من النصيين المحدَثين وأقدر على خدمة النص المعجِز، والاقتراب من الدلالة المناسبة بمراعاة النظرة الكلية إلى النص.

رابعًا– مشروعيةُ الإفادة من الدراسات النصية الحديثة وتوظيفُها بما يسمح لها بملامسةِ المقاصدِ التي يُصرِّحُ بها النص ويقوم عليها وما يعين على وضع اليد على أهمية المقاربةِ النصيةِ اللسانيةِ في معالجة دلالات النصوص حتى يبلغَ بهذا المنهج اللسانيِّ النصِّيِّ درجة من الدقة في فهم النصوص ويجنّب المزالق في الفهم ومواطن الخلل فيه كمزالق إخراج النص عن مواضعه ومقاصده.

خامسًا– للنص العربي عامة وللنص الإسلامي خاصة طبيعته التي لا تجعله مهدًا لبعضٍ من النظريات النقدية الحديثة لارتباط المنهج النقدي الغربي بخلفياته المعرفية الفلسفية التي كانت سببًا في نشأته مع أنّ النقد العربيَّ المعاصر يعتقد أن المناهجَ النقدية المعاصرةَ لا تعدو أن تكون مجرد أدواتٍ إجرائيةٍ لمقاربة النصوص ليس إلا متناسيًا أن هذه المناهج تحمل في ثناياها خلفياتٍ فلسفيةً تتماشى وخصوصيةَ الحضارة الغربية التي انبثقت منها والبعيدةُ كلّ البعد عن الخصوصية أو الذائقةِ العربية فبينهما برزخ لا يبغيان.

سادسًا– إن المصطلحات التي يستخدمها النقاد مثل: الداخل والخارج، الشك واليقين، التأويل، الظاهراتية، الميتانقد، الميتالُغة، اللغة الواصفة، الذات، والموضوع، النصية التناص، الانتشار، الخطاب، المكتوب، المنطوق، مأخوذة من حقل الفلسفة لا سابق عهد للنقد بها، فقد كان المتداول مثلًا: المضمون، الشكل، الوحدة العضوية، المعادل الموضوعي، الذاتية، الموضوعية، المحاكاة، التقليد، الواقعية، الرمزية وهكذا.

سابعًا– أن نظرية النحو التحويلي عند تشومسكي رغم نجاحها وكثرة المشيدين بها والمتبعين لها لم تخل من العيوب العلمية خاصة تلك التي لا تتفق وطبيعة اللغة العربية كمساواتها بين الفصحى والعامية وعدم اهتمامها بالصواب والخطأ، كما أنها لا تصلح أن تكون بديلًا عن نظرية العامل من حيث السهولةُ والشمولُ.

ثامنًا– التعميم في بعض الأحكام التي يؤكدها نحاة النص حين يذهبون أن كل نص له ظروفه وسياقه، وأن أحكامه من داخله، وأن قواعد النص يعطيها النص عن طريق التعامل معه بسياق، وهذا وإن كان مفيدًا مع التعامل مع النص وفهمه بدقةٍ إلا أنه سوف يحكم لكل نص بنحوٍ خاص به، وهنا ستجد مجموعة من الأنحاء بعدد النصوص.

تاسعًا– جميعُ ما ينتجه العقل البشري هو مناط مدارسة علمية موضوعية جادة تكشف عما فيه إنْ خيرًا وإنْ غيره، وتُبين عن معالم الخلل أو الخطأ أو الخطر، وتضعُ اليد عليها وتعدها واحدة واحدة، وتسميها شيئًا فشيئًا، وتُبين عن الأسباب في استقراءٍ تامٍّ وموضوعيةٍ كاملة.

عاشرًا– يقينيةُ ما نبَّه إليه المحققون العقلاء منذ زمن أن ما وفد إلينا من مذاهب ومدارس ومناهجها نتاجُ مذاهب فلسفات أوروبية قديمة ومتوسطة، اختلف روادها وأتباعها اختلافًا شديدًا واصطرعوا وتهالكوا وتوارثوا فلا بد للعاقل الحريص أن يقوم بتحليل هذا كله واختيار ما يصلح وطرح ما عداه.

حادي عشر– إذا كانت هذه المذاهب والمدارس ولائد فلسفات فيجب على كل عاقل اصطفاء ما يوافق تقاليده وعقيدته وتراثه مع الإفادة الراشدة من كل ما يقرأ.

ثاني عشر– لا يرتاب عاقل واع منصف في أن محور أهداف النقد وعالميته في كل العصور والأماكن هو النص إنشاءً ونقدًا، وكل هذا اصطرعت حوله الفلسفات الأوروبية، ولم ترسُ فيه إلى مرفأ الاتفاق.

ثالث عشر– إذا كان من المتفق عليه أن المذاهب النقدية والمدارس الألسنية فروع فلسفات تولدت في بيئات أوروبية توارثت عداء الدين والصراعَ معه عقيب قرون تَسَلُّطٍ من رجاله على الفكر ورجاله، فإن هذه الملابسات وسياقاتها لم تكن في بيئات تاريخ الإسلام لا على سبيل الأفراد ولا على سبيل الحكومات بل إن المفكرين والعلماء التجريبيين كانوا محل تعظيم من طبقات المجتمع، ومحل تشجيع وإكرام من الأمراء والزعماء

رابع عشر– من المحقق علميًّا أن العقل والذوق لا يحسنان الاختيار والاصطفاء في أوقات الاعتراك الصاخبة، بسبب ما تثيره من عواصف تشوش على السمع والبصر والعقل، وبعد هدوء العواصف تتحتم المراجعة وإعادة التقييم الهادئ المتّزن، ونحن لم ندرك عواصف قرون الصراع الأوروبي، فالواجب علينا أن نفكر ونختار بعد تروٍّ وتمحيص .

خامس عشر– إن لنا – معشر المسلمين – خاصية انفردنا بها وهي أن كتاب عقيدتنا منزل على سَنن بيان لغتنا العربية، وهذا قد حوّل الصراع مع أعداء ديننا إلى محاولاتهم المتطاولة عبر القرون إلى النفوذ إلى هذا الكتاب المحوري في ديننا بغية إفساد محتواه بالتشويش على لغته وضوابطها، وللاستشراق وتلاميذه المستغربين أدوار متعددة الأساليب والحيل في تحقيق هذا.

ثانيًا- توصيات المؤتمر:

أولًا– البحث في خلفيات ومنطلقات المناهج اللسانية والنقدية الحديثة المعرفية والحضارية لإبراز خطورة ومنافع تطبيقها على النص العربي عمومًا والنص الإسلامي خصوصًا – القرآن الكريم – والحديث النبوي.

ثانيًا– تقييم الدراسات العلمية التي سعت إلى دراسة القرآن الكريم باعتماد هذه المناهج اللسانية النقدية الحديثة، واختبارُ مدى ضررها ونفعها وتأثيرِها في واقع المسلمين وحالهم في الدنيا والآخرة وتناولُ هذه الدراسات في مشاريعَ علميةٍ وندوات ذات طابع نقدي.

ثالثًا– معاودة التأمل في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي الشريف باعتبارهما مصدرًا للمعرفة وسبيلًا لمعرفة أسرار الله في الكون والإنسان.

رابعًا– يجب على من ابتلى بصناعة العقول السليمة أن يكون بصيرًا بكل المذاهب والمناهج خبيرًا بأصولها الفلسفية والعقدية، وموقعِ كلٍّ من الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقًا، كما يجب عليه أن يدارس طلابَ العلم الأصولَ العقديةَ والفلسفيةَ لكل المذاهب والمناهج المراد مدارستُها في موضوعية وإتقان ومصابرة وتَطَهُّرٍ من داء العجلة والاستهانة.

خامسًا– إن عربيتنا تواجه خطرًا حقيقيًّا يتمثل في الغزو الثقافي الأجنبي من خلال تلك النظريات الألسنية الحديثة والثنائيةِ اللغوية وشيوع العلمية وتفشي الأخطاء اللغوية الأمر الذي يدعونا إلى ضرورة الاعتناء بخلفيات وأسس هذه النظريات والوعي بخطورة هذه التحديات على الهوية والثقافة.

سادسًا– دعوة الجامعات العربية في العالم الإسلامي والعربي إلى أن تجعل في مساقات التعليم والتعلم والتدريب في مرحلة الدراسات العليا بدرجتيها التخصص – الماجستير- والعالمية – الدكتوراه – في الدراسات الإنسانية جمعاء مدارسةَ كافة المذاهب الفلسفية المناوئة والمعادية للعقل المسلم وعلومه وحضارته.

سابعًا– وجوب مدارسة اللغات التي تنشأ في حضارتها تلك النظرية الألسنية النقدية الحديثة وتنشر بها في الناس.

ثامنًا– وجوب الربط بين ما أقرته الفلسفةُ الغربية من آراء حول الحقيقة/ المعنى وصراع الثنائيات الداخل/الخارج، اليقين/ الشك، الذات/ الموضوع، المادية/ المثالية، وبين المقولات التي يقوم على أساسها خطابُ نقد الحداثة في الغرب.

تاسعًا– وجوب دراسة عوامل التطور المتجدد داخلَ هذه العلوم ومفاهيمها ومدارسها واتجاهاتها حتى يمكننا الإفادةَ منها في تجديد دراستنا اللغوية والأدبية والنقدية واللسانية وفروع علم اللغة لكي نفيدَ منها الإفادةَ المثلى الملائمةَ للغتنا وتراثنا.

عاشرًا– تحقيق الوعي بالأسس التي بنيت عليها العلوم الإنسانية إبان نشأتها وما تضمنته من مذاهب ومدارس واتجاهات لكي يحسن التعامل معها والانتفاع الإيجابي بها والمشاركة في ضبط توجهاتها بين الذاتية والموضوعية وبين المثالية والواقعية وبين مراعاة خصائص النفس ومقومات المجتمع وبين الالتزام المنضبط والانقلاب المنقلب.

حادي عشر- الدعوة إلى تقديم أعمال فنية هادفة تؤكد على الوظيفة التربوية والأخلاقية للأدب.

ثاني عشر- الدعوة إلى تقديم معالجة أدبية للقيم التي احتواها القرآن الكريم والسنة المطهرة ووقائع وأحداث تاريخنا ومعطيات عقيدتنا وجعلُها محاورَ لأعمال فنية مبدعة.

ثالث عشر- الدعوة إلى تقديم أعمال إبداعية تقدم القدوة ومن لا يتناقض معتقده مع ممارسته ومن يضع قدمه في عالم اليوم المتقدم دون أن يتنازل عن دينه.

واللجنة المنظمة للمؤتمر تشكر السادة الحضور والمشاركين في المؤتمر،،،،

 

 

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu