حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

ديوان (العبور الأخير).. قراءة في العتبات النصية [الحلقة الأولى] بقلم: أ.د/عصام فاروق

أستاذ أصول اللغة ووكيل كلية العلوم الإسلامية للطلاب الوافدين لشئون الدراسات العليا- جامعة الأزهر

يأتي ديوان (العبور الأخير) للأكاديمي الأستاذ الدكتور عبد الحميد بدران، ضمن حلقات إبداعه الأدبي المتنوع والثري في الآن ذاته، ليجمع فيه صاحبه بين شاعرية فطرية وخلفية أكاديمية، نهضت بموهبته الشعرية وأرفدتها بكثير من أُطُر الصناعة الشعرية المحكمة.

والغرض المؤطِّر لهذا الديوان هو الحديث عن العشق وأحوال العاشقين وهو مجال شعري قديم، يعتبر أثيرا لدى الشعراء، لتناوله مكنونات أساريرهم، ويعبر عن مستودع شعورهم الفياض، ومن الشهير بدأهم به قصائدهم القديمة مهما كان الغرض الشعري للقصيدة. ولعلك تلحظ الرابط الجذري بين كلمتيْ (الشعور) و (الشاعر)؛ لتعلم أن لهذا الغرض المعبر عن الشعور منزلةً كبيرةً لدى الشعراء، الذين لعلهم أكثر الناس تعبيرًا عن شعورهم وأحاسيسهم، وترجمة له في عبارات ساحرة وصور فنية باهرة، وانتقاء الكلمات المعجمية المعبرة عن هذه المشاعر، وصبغها بشحنات دلالية مفعمة من خلال تسييقها، وتحديد معانيها المعجمية أو توسيعها بحسب ما يقتضي المقام.

ولي مع هذا الديوان الماتع عدة وقفات أوجزها فيما يلي:

أوَّلًا- وقفات أمام العتبات:

العتبة الأولى (عنوان الديوان):

إن كان العنوان لا يدل دلالة مباشرة على الغرض الشعري الذي سلك الشاعر في خيطه قصائَده، ولا يحمل مفردة أساسية من مفردات حقله الدلالي؛ لكنّ نظرة إلى الإهداء المصدر به، وعنوانات القصائدة لعلها كفيلة بيبان ما يرمي إليه الشاعر من مقاصد، ولذا استغني بذلك عن التصريح في العنوان ليصبغ عنوانه بنوع من الغموض الداعي إلى التساؤل والتشوق لمعرفة ما بداخل الديوان.

كما أن استخدام النمط الوصفي في هذا العنوان (العبورُ الأخيرُ) في هذا العمل الشعري الخامس لشاعرنا- إضافة إلى ذائقة الشاعر الأدبية؛ كونه متخصصا في هذا المجال الإبداعي- يترجم نزوعه إلى التغيير والتنوع- وهو ما يدل عليه تنوع إبداعه الأدبي ما بين الشعر والقصص..إلخ- حيث يأتي هذا الأسلوب الوصفي، بعد أربعة دواوين سابقة يغلف عنواناتها جميعا النمطُ الإضافيُّ: (شاطئ السلوان- رحى الذكرى- فصل السكون- دفء الحنين)

كما أن استخدام النمط الوصفي في هذا العنوان (العبورُ الأخيرُ) في هذا العمل الشعري الخامس لشاعرنا، بعد أربعة دواوين سابقة يغلف عنواناتها جميعا النمطُ الإضافيُّ: (شاطئ السلوان- رحى الذكرى- فصل السكون- دفء الحنين)

أرى في ذلك ترجمة لنزوع الشاعر الدائمة إلى التغيير والتنوع، خصوصا أنه خطّ لنفسه طريقا أدبيا يأبى التقوقع في مجال أدبي واحد، فأتى إبداعه الأدبي متنوعا ما بين الشعر والقصص.. إلخ.

نعم، قد يعود اختيار العنوان لذائقة الشاعر الأدبية؛ كونه متخصصا في هذا المجال الإبداعي، فيرى في هذا العنوان من الناحية الفنية ما لا يراه غيره، لكنّها رؤيتي من خلال مقارنة عنوانات دوادينه السابقة على كل حال.

العتبة الثانية: (الإهداء):

يمثل الإهداء الذي صدر به الشاعر ديوانه مدخلا مهما له، يوقفنا على المقاصد التي يريد الشاعر إيصالها إلى القارئ، ويفك بها رموز عنوانات القصائد التي يتسم بعضها – كحال عنوان الديوان- بنوع من الغموض المحبب في هذا المجال الأدبي العالي، فأدمج عنوانات بعض الأبوب داخل هذا الإهداء دمجا موفقا لا يلاحظ فيه القارئ تنافرا في الدمج، ثم هو يفاجأ بعد ذلك أن بعض مفردات هذا الإهداء مشكِّلة لبعض عنوانات القصائد.

فقد أهدى شاعرنا ديوانه إلى كل الذين (عبروا بلا مأوى) ونشروا أحلامهم (على جدار الصمت) وإلى كل الذي استأنسوا (بطيف السكون) ووقفوا على (شاطئ القمر) وأريقوا دون (إنذار بالشوق) (على شفة الهيام) عشقا. هذا هو (الخروج الأخير) .. و(العبور الأخير) .. و(والعزاء الأخير)..

… يتبع

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu