حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

المقياس الصوتي النقدي للغات العرب المزهر للسيوطي أنموذجًا [الحلقة الثانية] د/ رجب فوزي إمام

مدرس أصول اللغة بكلية اللغة العربية بأسيوط - جامعة الأزهر

من هذه العيوب الصوتية التي ذكرها السيوطي:

1 ـ  الكشكشة :

        قال السيوطي : «من ذلك الكَشْكَشة، وهي في ربيعة ومضر، يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شِينًا، فيقولون: رَأَيْتكِش، وبكِش، وعَليْكِش، فمنهم من يُثبتُها حالة الوقف فقط، وهو الأشهر، ومنهم من يثبتها في الوصل أيضًا، ومنهم من يَجعلها مكانَ الكاف، ويكسرها في الوصل، ويُسكِّنها في الوقف»([1]).

        يرى السيوطي أن هذه اللهجة من اللهجات المذمومة، وهو في ذلك متابع لعلماء اللغة القدامى، كالخليل الذي قال: «من ترك عنعنة تميم، وكشكشة ربيعة فهم من الفصحاء»([2])، وابن عبد ربه الأندلسي (ت328هـ) الذي عدّها من آفات المنطق([3])، وابن فارس الذي عدّها من اللغات المذمومة([4]).

        وقد جاء على هذه اللهجة قراءة: « قد جعل ربش تحتش سريًا »([5]) في قوله تعالى:  قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ([6])([7])

        على أن أول من حاول إعطاء صورة دقيقة لنطق هذه اللهجة، وسبب عدّها من اللهجات المرغوب عنها هو ابن دريد، حيث قال: « وإذا اضطر هذا الذي هذه لغته، قال: جيدش، وغلامش، بين الجيم والشين، لم يتهيأ له أن يفرده، وكذلك ما أشبه هذا من الحروف المرغوب عنها »([8]).

        وقد أوضح البلوي([9]) سبب عدِّ هذه اللهجة مرغوبًا عنها ، حين قال: «ومن العرب من يلفظ هذه الكاف بين الجيم والشين، وذلك من اللغات المرغوب عنها، لما لم يتهيأ له أن يفرد الجيم، ولا الشين»([10]).

        ومعنى كلامهم كما يرى أحد الباحثين المحدثين أن هذه الكاف المكسورة تتحول في هذه اللهجات إلى صوت مزدوج، وهو «تش» أو «ch»، وهو ما يعرف بالكشكشة، وهذا الصوت يوجد في الإنجليزية في مثل: Children بمعنى: أولاد، وما تزال هذه اللهجة مسموعة في جنوب العراق، والكويت، والبحرين، وبعض قرى محافظة الشرقية في مصر؛ إذ تسمعهم هناك يقولون: « تْشَلْب » في « كلب» ، وعليه فإن القدماء سمعوا الازدواجية في الكاف، ولم يستطيعوا كتابتها بالضبط، فدلوا عليها مرة بالكاف والشين، ومرة بالشين وحدها([11])

        وعليه يكون السبب في عد هذه اللهجة من اللهجات المرغوب عنها هو عدم الاقتصاد العضلي؛ لأن النطق بصوت مفرد «الكاف» أخف بكثير على أعضاء النطق من النطق بصوت مركب أو مزدوج «تش» ch، مع عدم إغفال دور قلة الاستعمال في عدها مذمومة.

2ـ  الكسكسة :

        قال السيوطي: «ومن ذلك الكَسْكَسة، وهي في ربيعة ومُضر، يجعلون بعد الكافِ أو مكانها في المذكر سينًا على ما تقدم، وقصدوا بذلك الفَرْقَ بينهما»([12]).

        يرى السيوطي أن هذه اللهجة من اللهجات المذمومة، شأنه شأن كثير من علماء اللغة القدامى كالجاحظ([13])، وابن عبد ربه الأندلسي- الذي لا يرى فرقًا بينها وبين الكشكشة سوى أن في الكشكشة يبدلون من الكاف شينًا، وفي الكسكسة يبدلون منها سينًا([14])-، وابن فارس([15]).

        وعليه تكون سين الكسكسة للفرق بين خطاب المذكر والمؤنث، فتكون سينًا في المذكر «الكسكسة»، وشينًا في المؤنث «الكشكشة».

        ويرى أحد الباحثين المحدثين أن الكسكسة التي تنسب لربيعة ليست إلا الكشكشة بالشين، وقد رويت مصحفة، وأنه لا يعقل أن كلًا من الكشكشة والكسكسة تنسب إلى قبيلة واحدة، وهي ربيعة([16]).

        وفي كلامه نظر؛ لأنه كما ذكر السيوطي أن اللهجتين مرتبطتان ببعضهما، وأن لها دورًا دلاليًا، وهو التفريق بين المذكر والمؤنث، فمثلًا: «مررت بكَ» تصير «مررت بكس»، و«مررت بكِ» تصير «مررت بكش».

        والأغرب في الأمر أن هذا الباحث ذكر بعد هذا الكلام بسطور أن ما خيل للقدماء أنه «شين» ليس «شينًا» وما ظنوه «سينًا» ليس كالسين التي نألفها.

        وذكر الدكتور رمضان عبد التواب: أن الكاف في الكسكسة تقلب حين تليها الكسرة أو الفتحة المرققة إلى «تس»، وأن لها أثرًا في لهجة نجد، حيث ينقطون كلمة «عسكري»: « عستسري»، و «تسيف حالك؟» في «كيف حالك؟»([17]).

        و«نظير هذا الصوت موجود في اللغة الألمانية، مثل: Leipzig  ليبتسج»([18]).

        ويرى بعض الباحثين المحدثين أن الكسكسة «صوتيًا» مرحلة تالية للكشكشة، حيث يقول: «الأصل في هذه الظاهرة أن تكون الكاف للمؤنث، حتى تجذب الكسرة الكاف إلى الأمام، فتنقلب إلى نظائرها من أصول الثنايا؛ فتصير: «ch» أي شجرية، وبعد ذلك صارت «تس»، وقلب الشين سينًا مطرد في اللغات السامية، فضمير الغائب «شو» في الأكادية، و«سو» في بعض اللهجات العربية الجنوبية»([19]).

        وعليه فلا يختلف سبب عدّ هذه اللهجة من اللهجات المرغوب عنها عما قيل في الكشكشة، وهو عدم الاقتصاد العضلي؛ لأن النطق بصوت مفرد «الكاف» أخف بكثير من النطق بصوت مزدوج «تس»، مع عدم إغفال دور قلة الاستعمال في ذلك.

=========================

([1]المزهر 1/221 .

([2]العين 1/91 (ع ن).

([3])  ينظر: العقد الفريد لابن عبد ربه 2/305 .

([4]ينظر: الصاحبي ص 29 .

([5]قراءة شاذة نسبت لقيس، ولم ترد في كتب شواذ القراءات.ينظر: والجامع لأحكام القرآن «تفسير القرطبي» 1/45، والبرهان في علوم القرآن 1/220 .

([6]مريم من الآية (24) .

([7]ينظر : فقه اللغة وسر العربية للثعالبي ص 90.

([8]جمهرة اللغة 1/43 .

([9]هو: أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي، المالقي، المعروف بابن الشيخ،الإمام، القدوة، المجاب الدعوة، حمل القراءات عن ابن الفخار، تلا السبع، وأقرأ وأفاد، وتوفى بمالقة عام 604هـ . ينظر : سير أعلام النبلاء 21/479، وأعلام مالقة لابن عسكر ص 373 – 379 .

([10]ألف با للبلوي 2/432 .

([11]ينظر : فصول في فقه العربية ص 146، 148 .

([12]المزهر 1/221 .

([13])  ينظر : البيان والتبيين 3/145 .

([14]ينظر : الصاحبي ص 29 .

([15]ينظر : في اللهجات العربية للدكتور إبراهيم أنيس ص 107 .

([16]ينظر : المصدر السابق ص 107،  109 .

([17]ينظر : فصول في فقه العربية ص 146 .

([18]المرجع السابق، الصفحة نفسها .

([19]اللهجات العربية في التراث 1/364 .

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu