الخصائص العامة للبنية المعرفية للمتعلم.. بقلم د/ حسين البسومي
عضو هيئة التدريس بكلية الآداب - جامعة الوادي الجديد
المطلب الأول: البنية المعرفية للمتعلم عند أوزبل:
تتألف عملية التعلم عند ديفيد أوزبل صاحب نظرية التعلم اللفظي ذي المعنى من ثلاثة مكونات أساسية، هي: تجهيز المفاهيم المتعلَّمة، والبنية المعرفية، والتمثيل المعرفي، وفيما يلي توضيح بالمقصود منها:
المكون الأول: تجهيز المفاهيم المتعلَّمة:
يستخلص المتعلم مفاهيمه من الخبرات والمواقف التي يمر بها في حياته، أو التي تقدَّم له في المقررات الدراسية، وتتباين طبيعة هذه المفاهيم تبعا لتباين ماصدقاتها في الواقع ما بين مفاهيم حسية، أو مجردة، ومفاهيم عامة كلية أو مفاهيم خاصة جزئية، وتتباين كذلك المفاهيم تبعا لاختلاف الصورة التي تقدم بها، فهي إما أن تكون ذات طبيعة رمزية كالكلمات والرموز، أو شكلية كالصور والرسوم والأشكال، كما يتصل بهذا المكون بحث كيفية تقديم المفاهيم للمتعلم من حيث الانتظام والترتيب أو العشوائية والاختلاط، وتدرجها بين البساطة والتعقيد. ويبحث علماء النفس في هذا المكون إستراتيجيات تقديم هذه المفاهيم على نحو يُسهِّل إجراء الخطوات العقلية التالية في عملية التعلم لضمان نجاحها، ويهتم أصحاب العلوم الأخرى ذات الصلة- بتطبيق تلك الإستراتيجيات على المفاهيم التي تقع في إطار تخصصاتهم، وقد طور د. نوفاك نموذجا للخريطة الدلالية أو الخريطة المعرفية، بوصفها إطارا تقدَّم من خلاله المفاهيم وما بينها من علاقات، وهذا النموذج يبدأ عنده بالمفاهيم العامة ثم الأقل عمومية حتى يصل إلى المفهوم المميز الذي لا يختلط بغيره من المفاهيم المتقاربة معه.([1])
إن تقديم المفاهيم وفق إستراتيجية الخريطة الدلالية يتطلب محاكاة أداء قدرة التحليل التي زُوِّد بها عقل المتعلم من أجل تحليل المحتوى المعرفي المقدَّم إليه إلى عناصره ووحداته التي ينبني منها، وهي المفاهيم وما تترابط به من علاقات، والتمييز بين الخصائص الجوهرية والثانوية لكل مفهوم وعلاقة. وتتمثل أهمية صياغة المفاهيم وفق الخريطة الدلالية في أنها ترفع كفاءة عملية التعلم في مراحله التالية، وذلك بمساعدة قدرة التحليل عند المتعلم على أن تنهض بدورها في تحليل المحتوى المعرفي المقدَّم إليه، وتنظيمه على نحو يوافق بنيته المعرفية المخزنة في عقله، وهي بذلك تَجْبُر القصور، وتعالج الاضطراب الذي أصاب تلك القدرة، فتقلل من الفاقد المعرفي أثناء عملية تحليل المحتوى وتحويله إلى صورته العقلية، كما أنها تعد تدريبا للمتعلم لرفع كفاءة قدرته التحليلية مع مرور الوقت.
يميز أوزبل بين نوعين رئيسيين من أساليب تقديم المفاهيم إلى المتعلم اعتمادا على دور المتعلم في التلقي من حيث الإيجابية والسلبية، فهناك التعلم بالاستقبال، ويعني أن المتعلم يستقبل المفاهيم جاهزة، ويضيفها إلى بنيته المعرفية السابقة لديه دون بذل جهد في اكتشافها ومعرفة خصائصها وتصنيفها، أما النوع الثاني فهو التعلم بالاكتشاف، ويكون دور المتعلم فيه إيجابيا؛ حيث يبذل جهدا في اكتشاف خصائص المفاهيم الجديدة المقدمة له وتصنيفها بما يناسب بنيته المعرفية السابقة، وهذا الأسلوب يعد مرحلة متقدمة من التعلُّم؛ حيث تُكسِب المتعلم خصائص عقلية إبداعية وناقدة.([2]) غير أنه قد تتفاوت أولوية التعلُّم بالاستقبال أو التعلُّم بالاكتشاف تبعا لتفاوت المواقف التعليمية، واختلاف طبيعة المفاهيم المتعلَّمة، وتباين القدرات العقلية والنفسية للمتعلمين؛ فالمفهوم المتعلَّم إما أن يكون جديدا، فيراعى فيه تقديمه أن يقترن بجميع سماته الدلالية والمعرفية الكاملة؛ حتى يتمكن المتعلم من إرساء بنية معرفية جديدة له، أو أن المفهوم ليس جديدا على المتعلم، وفي هذه الحالة يحتاج المتعلم إلى ربط المفهوم الجديد بما يناسبه من مفاهيم سابقة لديه من خلال معرفة أوجه الشبه بين الجديد والقديم.
=======================
([1] )– تدريس المفاهيم النحوية على وفق استراتيجية خرائط المفاهيم، إبراهيم محمد جوال، دراسات تربوية، العدد السابع، 2009، ص23.
([2] )-فلسفة التفكير، ونظريات في التعلم والتعلم، د. فارس راتب الأشقر، زهران للنشر، الطبعة الأولى، 2011، ص 136، وانظر: الخرائط الذهنية ومهارات التعلم. طريقك إلى بناء الأفكار، د. طارق عبد الرءوف عامر، 2015، ص47.