شبهات لغوية حول القرآن [5]. بقلم أ.د/ إبراهيم عوض
المفكر الإسلامي وأستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب- جامعة عين شمس. (تم النشر بإذن من سيادته))
الشبهة الخامسة:
من سخافاته الطفولية أيضاً توهمه أن من الواجب تغيير قوله تعالى في الآية 19 من سورة “الحج”: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ليصبح “هذان خصمان اختصما في ربهم” (ص 107) . وهو في هذا يشبه صبياً صغيراً يمسك بمسطرة صغيرة في يده يريد أن يقيس بها جبل الهيملايا. ألا فليعلم وليتعلم هو ومن صدًروه لتخطئة القرآن وطبعوا له كتابه وأطلقوه لينبح الإسلام أن كلماتٍ مثل “خَصْم” و”طائفة” و”حِزْب” و”فريق”، وإن اتخذت صيغة الإفراد، تدل على جماعة من الناس. وقد وردت الضمائر العائدة على هذه الكلمات في القرآن بصيغة جمع المذكر بناءً على هذا الاعتبار. قال تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواالْمِحْرَابَ} (ص/ 21) ، {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} (آل عمران/ 69) ، {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} (آل عمران/ 154) ، {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} (النساء/ 102) ، {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} (التوبة/ 122) ، {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة/ 56) ، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم/ 32) ، {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (المجادلة/ 22) ، {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (فاطر/ 6) ، {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة/ 75) ، {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (البقرة/ 101) ، {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} (الأحزاب/ 13) ، {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (آل عمران/ 100) .
هذه واحدة، والثانية أنه إذا ثُنَّىَ “الخصم” أو”الطائفة” أو”الفريق: في القرآن. فإنه يستعمل لها ضمير جمع الذكور إذا كانت العلاقة بين الخصمين أو الطائفتين أو الفريقين علاقة خلاف مثل: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} (الحج/ 19) ، “إذا دخلوا على داود ففزع منهم قالوا: لا تخف، خصمان بَغَى بعضنا على بعض” (ص/ 22) ، {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات/ 9) ، {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} (النمل/ 45) . ويبدو لي أن الحكمة من وراء ذلك هي الإيماء ما تستتبعه الخصومة من اشتباك وتداخل بحيث يموج بعضهم في بعض ولا يعودان منفصلَيْن أو متمايزين. وهذا كله مما لا يقدر أمثال هذا الجاهل أن يدركوه من تلقاء أنفسهم. ولعله بعد يد المساعدة التي مُدَّت له يكون قد استوعب الدرس، وإن كنت أشك كثراً في ذلك لما يبدو من بلادة ذهنه سواد قلبه تجاه وسيًده رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.