الحلقة العاشرة: الأصوات داخل السياق وأثرها في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها
إعداد أ.د/ عصام فاروق
إن تدريب متعلم اللغة الثانية على نطق الأصوات المفردة والاستماع إليها لابد أن يكون مرحلة مبدئية تفضي إلى مرحلة تالية تتمثل في تسييق تلك الأصوات إما داخل كلماتٍ أو جملٍ، مع التدرب على الاستماع إليها في هذه الحالة مرارًا، ومحاكاتها نطقًا تكرارًا.
ذلك أن الصوت الواحد قد يختلف نطقه من خلال وجوده في سياقٍ معينٍ عنه في سياق آخر وهكذا. ومن مظاهر الاختلافات الناتجة عن السياقات المتعددة: التفخيم والترقيق، وسكون الحرف وتشديده، وكذا الحالات المتعددة للنون والميم الساكنتين والتنوين. مما هو معروف في الأداء القرآني على سبيل المثال.
وهو ما يدعونا بدءًا إلى التحدث عن نظرية الفونيم بشكل مجمل يناسب مقام حديثنا عن تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها،
الفونيم The Phoneme
ولنا أن نستعين في هذا المقام بالأحكام التجويدية لصوتي النون الساكنة والتنوين، فعندما نستمع إلى نطق (النون) في السياقات الصوتية التالية: (من عند)، (من ربكم)، (إن يشأ)، (أن بورك)، (من كان) نلاحظ أن هناك اختلافا واضحا بين نطق النون في تلك الأمثلة.
فقد احتفظت في المثال الأول بمخرجها (الأسناني اللثوي) حيث يلتصق مقدم اللسان بسقف الحنك، وكذلك بصفتها وهي (الغنة)؛ وذلك بتأثير السياق التالي لها، والمتمثل في وجود صوت حلقي هو (العين). وهذا الحكم المعروف في التجويد بـ(الإظهار).
في حين أنها في المثال الثاني (من ربكم) فنيت تماما، فضاع مخرجها وضاعت صفتها، بحيث تحولت – في النطق- إلى راء، وأدغمت في الراء التالية لها، ومن ثم لم تظهر غنتها أيضا، وهو ما يعرف بـ(الإدغام بغير غنة).
وفي المثال الثالث (إن يشأ) نجد تغيرا في مخرجها المعتاد، يتمثل في أن اللسان لا يلتصق بسقف الحنك، وإنما يظل في وضعه العادي، وتبقى الصفة الملازمة للنون، وهي (الغنة) معها، وهو ما يعرف بـ(الإدغام بغنة).
وفي المثال الرابع (أن بورك) نجد أن النون – هنا- قُلبت ميمًا؛ وذلك لتأثرها بمجاورة الباء بعدها مع بقاء غنتها. وهو ما يعرف بـ(الإقلاب).
وفي المثال الخامس (من كان) وجدنا أن اللسان لا يصل إلى سقف الحنك، كما هو المفترض في نطقها، بل يقترب منه فحسب، وبذلك تُخفى النون وتبقى غنتها وهو ما يُعرف بـ(الإخفاء).
وبعد هذه الوقفة مع النون واختلافاتها المتعددة باختلاف سياقاتها، تطرق إذهانَنا بعضُ الأسئلة، منها:
أولا- هل هذه نونات متعددة أم كلها نون واحدة؟
والإجابة: إن هذه الأمثلة تحوي صورا متعددة للنون ” وإن كل صورة من هذه النونات تختلف عن أختها في موضع النطق، ولكنها جميعا – على الرغم من ذلك- لا تزال تكوِّن حزمة واحدة تمثل كلا أو وحدة صوتية واحدة، اصطلح على تسميتها (صوت النون)”([1])
ولاختلاف هذه الصور للصوت الواحد أطلق علماء الأصوات على هذه الصور المتعددة للصوت الواحد – والتي تختلف باختلاف سياقاته- مصطلح (الصور الصوتية= ألفون Allophone ) بينما يطلقون على الحزمة التي تضمها جميعا أو الصوت الواحد الذي تتفرع عنه مصطلح (الوحدة الصوتية= فونيم Phoneme).
ثانيا- “متى يمكن لنا أن نعد (النون) مثلا صوتا واحدا؟ ومتى يجوز لنا أن نحسبها عدة أصوات؟
الإجابة عن هذا السؤال تختلف باختلاف وجهة نظر الدارس إلى الموضوع. النون صوت واحد إذا نظرت إليها من الناحية الوظيفية، أي إذا نظرت إليها من حيث كونها قادرة على تغيير معاني الكلمات أو عدم قدرتها على ذلك. ولكنها عدة أصوات إذا نظرت إليها من الناحية النطقية الصرفة فقط، أي: من حيث واقعها في النطق الفعلي في الكلام، ومن حيث تأثيرها على السمع.”([2])
ويعني ذلك أن مصطلح (الصوت) ” قد يؤخذ بمعنيين:
المعنى الأول:
معنى تجريدي يقصد به النوع أو الأسرة لا الأفراد والأمثلة الجزئية المتنوعة، وذلك كصوت النون أو الراء أو اللام إلخ، بوصف كل منها وحدة صوتية phonetic unit أو كلا ذا كيان خاص، وإن تعددت أفراده وأعضاؤه في حالات معينة.
المعنى الثاني:
معنى خاص يطلق على الصوت المفرد أو المثال النوعي، مع مراعاة صفاته النطقية والسمعية. وذلك كأنواع النون وأعضائها المختلفة التي تلاحظ في النطق في السياقات الصوتية المتنوعة بتنوع الموقع.
ثالثا- هل لهذه الصور الصوتية شكل كتابيٌّ واحد أو لا؟
نعم، تُكتب الصور الصوتية بشكل موحد، يتمثل في شكل الوحدة الصوتية أو الفونيم، وهو ما نتبينه من خلال الأمثلة الذي بدأنا بها حديثنا عن الفونيم، وهي: (من عند)، (من ربكم)، (إن يشأ)، (أن بورك)، (من كان) ؛ إذًا فالوحدة الصوتية لها رمز كتابي يدخل ضمن الألفبائية، أما الصورة الصوتية فلا رمز كتابي لها.
رابعا- هل اختلف المعنى في هذه الصور تبعًا لاختلاف النطق؟
الإجابة: لا، فعلى سبيل المثال (مِن) في المثال الأول والثاني والرابع اتحد المعنى فيها جميعًا لأننا أبدلنا صورةً صوتيةً بصورةٍ صوتيةٍ أخرى.
ولكن: ماذا لو أبدلنا من هذه النون صوتًا آخر؛ لتكون الحرف (مِن): عن، لن.. إلخ
لو فعلنا ذلك لتغير المعنى تمامًا؛ لماذا؟
لأننا أبدلنا وحدةً صوتيةً بوحدةٍ صوتيةٍ أخرى.
إذا يمكننا القول: إن تغير الصورة الصوتية بصورة صوتية مثلها لا يؤدي إلى تغير المعنى. أما تغيير الوحدة الصوتية بوحدة صوتية أخرى يؤدي إلى تغير في المعني.
من خلال تطوافنا حول الوحدة الصوتية وتفريعاتها المسماة (الصور الصوتية) نستطيع الخروج بعدة فروق مهمة تبيانها على النحو التالي:
الاعتبار | الوحدة الصوتية (الفونيم) | الصورة الصوتية (الفون) |
الأصالة والفرعية | أصل | فرع |
تغير المعنى بتغيرها | يتغير المعنى إذا أبدلنا بها وحدة صوتية أخرى. | لا يتغير المعنى إذا أبدلنا بها صورة أخرى. |
الرمز الكتابي | لها رمز كتابي. | لا رمز كتابي لها. |
أهمية الفونيم في تعليم اللغة العربية:
ظهر من خلال دراسة د. رشدي طعيمة([3]) أن:
- التاء من أكثر الأصوات التي يمثل نطقها مشكلة عند الدارسين، خصوصا عند وروده في كلمة في سياق معين، في مثل التاء في (خضرتها)، ولعل ترتيب هذه الأصوات (الخاء والضاد والراء والتاء) جعل نطق الدارسين لصوت التاء أقرب إلى الطاء.
- ومثل هذا يقال في الحاء في مثل (المحيطة)، والسين في (أسرة)، والزاي في زيارة، والقاف في (الحقول).
من خلال التركيز على إعطاء مساحة أكبر لمهارة التحدث، والتأثير السلبي على مهارة الاستماع من خلال شهوة التحدث من قبل المعلم أمام المتعلم، فكما ينبغي أن يكون المعلم متحدثا جيدا يجب بالقدر ذاته أن يكون مستمعا جيدا، وكذلك لابد من التركيز الشديد على مهارة القراءة الجهرية حيث إنها تكشف بوضوح كثيرا من الأخطاء النطقية لدى المتعلم (( والمعلم الناجح هو الذي تتوفر لديه حساسية يستطيع بها التقاط أخطاء الدارسين في نطق بعض الأصوات الواردة في النص المقروء، والتي يرتكبها الدارس عادة بسبب السرعة في القراءة وبشكل لا إرادي، حيث لا يشعر الدارس عادة بحاجة إلى التركيز على كلمات أو أصوات بذاتها.))([4])
قد يفيد في هذه الحالة (الإكثار من تدريبات التمييز الصوتي بين الأصوات المتشابهة عن طريق استخدام الثنائيات الصغرى (Minimal Pairs) مثل: سيف وصيف، وسد وصد، حد وحض، أعداء وأعضاء، نذر ونظر، تل وطل، أمل وعمل، خبير وكبير، سرور وشرور، همزة وحمزة، حارس وحارث.
الاهتمام بالفروق الوظيفية الفونيمية التي تؤدي إلى تغيير في المعنى، مثل: (عمل) التي تتحول إلى (أمل) و(صار) التي تتحول إلى (سار)، ثم يتم معالجة الأخطاء الألوفونية بعد ذلك؛ لأنها أخطاء لا تغير المعنى مثل نطق الفاء، وتحويلها إلى (V) وهكذا.) همام 39
(ومن الأساليب التي تستخدم لقياس هذا التعرف تقديم الثنائيات الصغرى Minimal Pairs تتفق في جميع الأصوات باستثناء صوتين يتشابهان (ولا يتماثلان) نطقا وإن كانا يختلفان كتابةً) المهارات اللغوية 226
==================
[3])) ينظر: المهارات اللغوية : مستوياتها، تدريسها، صعوباتها (258) د. رشدي طعيمة.
[4])) المهارات اللغوية : مستوياتها، تدريسها، صعوباتها (223) د. رشدي طعيمة.