المكتبة الشاملة والبحث العلمي (بين الاستثمار وسوء الاستخدام) [1] بقلم أ.د/ عصام فاروق
أستاذ أصول اللغة ووكيل كلية العلوم الإسلامية الأزهرية للطلاب الوافدين لشئون الدراسات العليا- جامعة الأزهر
لا أعني بـ (الشاملة) الواردة في عنوان هذا المقال، وصفًا لمكتبةٍ عامةٍ أو شخصيةٍ يتمناها كلُّ باحث؛ لاشتمالها على الكثير من الكتب التي يحتاج إليها، وإنما أقصد بها ما أصبح عَلَمًا على البرنامج الحاسوبي الحامل لآلاف الكتب والمعروف في أوساط الباحثين بالاسم نفسه (المكتبة الشاملة).
هذه المكتبة التي أحدثت ثورة في البحث العلمي لا تقل بحال عن ثورة تطوير نُظُم الطباعة في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، لتنتقل الكتب من النسخ اليدوي والآلات البدائية إلى النظام الممنهج لإخراج النسخ المطبوعة, كما لا تقل عن ثورة استخدام الحاسوب في خدمة البحث العلمي في القرن العشرين.
نشأت فكرة المكتبة وتم تدشينها في بداية القرن الحادي والعشرين وما زالت تحديثاتها مستمرة، لتشكل قفزة كبيرة في البحث العلمي، حيث تتيح هذا الكم الكبير من الكتب، بالإضافة إلى سهولة البحث والانتقال السريع بين خياراته، فما كان يُجمع يدويا في ستة أشهر- على سبيل المثال- أو أكثر، أصبح بإمكان الباحث في ساعات معدودة أن يحصيه من مئات الكتب بضغطة واحدة على زر البحث في المكتبة الشاملة.
ولذلك لا أعتقد أن هناك باحثًا في العلوم الشرعية أو اللغوية – على وجه التحديد- لا يسمع عن هذه المكتبة فضلا عن أن يستعملها في البحث والتنقيب والتوثيق، حتى صارت عَلَمًا بينهم توارت أمامه أسماء كثير من المكتبات العامة التي كانت ملاذ الباحثين والعلماء.
وفي الحقيقة فإن اسم ( المكتبة الشاملة ) ورد بكثرة في المناقشات العلمية لرسائل التخصص (الماجستير) أو العالمية (الدكتوراه) وأحدث فيها جانبا من الجدل والنقاش المستمر حولها، إنْ بخير، وإن بغيره وهو الأعم الأغلب.
وفي السطور التالية سأتناول بعض النقاط المتعلقة بموضوعنا، وهي: (تعريفها- إصداراتها- خصائص الكتب فيها- فوائدها ودورها في البحث العلمي- ثالثًا- سوء استخدام الباحثين لها)
أولا- تعريفها:
ورد تعريف هذه المكتبة في موقعها الرسمي بأنها: ((برنامج مجاني ضخم يهدف – كما هو واضح من اسمه- ليكون شاملا لكل ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث.)) ([1])
وقد ورد عنها أيضا في هذا الموقع أن (( المكتبة تعمل حاليا على نظام الويندوز، وهو صالح لاستقبال ملفات النصوص المختلفة وترتيبها في إطار واحد مع إمكانية البحث فيها أو في بعضها، كما يقدم موقع البرنامج الكثير من الكتب في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة[كعلوم اللغة وغيرها].. والبرنامج حاصل على براءة اختراع وكافة حقوق الملكية الفكرية مسجلة رسميا باسم مُبرمِجِه.))([2])
ولا يمكن تجاهل وجود محاولات عديدة قبل ظهور الشاملة لوضع مكتبات تحوى الكثير من الكتب على القرص الصلب (CD) تلقفناها في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي بسعادة غامرة، وكنا مشدوهين لها، منبهرين بها؛ كونها تضع بين أيدينا عشرات الكتب في المجال الواحد، كالدواوين والتفاسير وغيرها.
وقد اتصفت الشاملة بالكثير من المميزات – سأعمل على توضيحها فيما يلي من سطور – جعلتها بحق وسيلة من أهم وسائل البحث العلمي الحديث، وحققت من الأهداف ما جعل البعض يصفها بأنها ” إنجاز بمواصفات غربية.. عجزت عن تحقيقه الدول العربية والإسلامية، بميزانياتها الضخمة وجامعاتها التي تقبع في ذيل تراتيب الجامعات على مستوى العالم “([3])
يتبع…..
([1]) الموقع الرسمي للمكتبة الشاملة، ورد هذا التعريف على الرابط التالي: https://shamela.ws/index.php/page/about-shamela
(2) من مقال (المكتبة الشاملة إنجاز عجزت عنه الدول العربية) جريدة الرياض، العدد 14452، الصادر في 9 من المحرم 1429هـ- 18 من يناير 2008م. ويمكن الاطلاع على المقال على الرابط التالي: http://www.alriyadh.com/309892