أساليب العرب والأعراب في الدعاء على الإنسان دراسة في ضوء علم اللغة الاجتماعي [الحلقة الثانية عشرة].. بقلم أ.د/ فاطمة رجب
أستاذة أصول اللغة ووكيلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالقاهرة
الدعاء بموت الولد ، أو ولادة أنثى
“والعرب مثل غيرهم من الشعوب القديمة كانوا يفرحون بميلاد ولد ذكر، ويغتمون إذا ولدت لهم أنثى، ويقيمون وليمة لميلاده، وكثرة البنين من المفاخر التي يفتخر بها أهل الجاهلية. إن كثرتهم نعمة وعزة. والبنون والمال زينة الحياة الدنيا”[1]
ولعل السبب في حبهم للبنين لأنهم يعتمدون عليهم في شئون حياتهم بخلاف البنات ، فمن فوائد البنين : أن بهم ” يدافع الرجل عن نفسه وعن بيته، وبهم ينال المال والحق والأخذ بالثأر، فهم الحماية ورأس المال. ونقرأ في أهل الأخبار افتخار الآباء والأمهات بكثرة ما أنجبوا من أولاد، ولا سيما إذا كان الأولاد حازوا شهرة بالجود أو بالشجاعة أو بأمثال ذلك، أو سادوا قومهم ورأسوهم. ورد في القرآن: ﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅﱠ [2]“[3]
ولذلك ورد ” عن الفرّاء: أنّ أعرابيًّا بُشِّر بابنةٍ وُلِدت له، فقيل له: نِعْم الولدُ هي ! فقال: واللهِ ما هي بِنِعْمَ الولدُ، نَصْرُها بُكاءٌ، وبِرُّهَا سَرِقَةٌ”[4].
لذلك نجدهم يدعون على المرأة بأن تلد أنثى فيقولون : (أعسرت وأنثت )[5]
وفي ضد ذلك يدعون للمرأة باليسر والولد : ” وفي الدعاء للمطلوقة :
( أيسرت وأذكرت ) أي يسر عليها وولدت ذكرا”[6].
ويدعون على المرأة بموت الولد فيقولون : ( جف حجرك وطاب نشرك ) أي : يموتون صغاراً ، أي لا كان لك ولد “[7]
وقد أنكر الإسلام هذه العادات الجاهلية ، وجعل الذكر والأنثى سواء، وقدمها على الذكر في القرآن الكريم فقال تعالى : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) [8]
فأعطى الإسلام للأنثى مكانتها ، مما جعل العرب يصححون أفكارهم التي ذكرناها في هذه الأساليب ووصل بهم الأمر إلى أن قال : ” وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ: إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَبْكِيرَهَا بِالْأُنْثَى قَبْلَ الذَّكَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا) فَبَدَأَ بِالْإِنَاثِ”[9]
ولحبهم لتخليد ذكراهم ، وبقاء نسلهم دعوا على غيرهم بانقطاع النسل ،
فقالوا : ” ( قطع الله بذارتهم ) ، والبذارة من البذر ، كأنه أراد النسل “[10]
وقالوا : ” ( عليه العفاء ) أي : محو الأثر “[11]
====================
[1] ـ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام د/ جواد علي ج / 8 ص 241
[2] ـ سورة الكهف من آية 46
[3] ـ السابق ج 8 ص 241
[4] ـ أمالي ابن الشجري لضياء الدين أبي السعادات هبة الله بن علي بن حمزة، المعروف بابن الشجري (ت 542هـ) تح : د/ محمود محمد الطناحي ج 2 ص 405 { مكتبة الخانجي، القاهرة .ط الأولى، 1413 هـ – 1991 م }
[5] ـ العين ( ع س ر )
[6] ـ أساس البلاغة للزمخشري ( ذ ك ر )
[7] ـ المزهر ج 2 ص 269
[8] ـ سورة الشورى أية 49
[9] ـ تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (ت 671هـ) ج 16 ص 48
{ تح: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش . دار الكتب المصرية – القاهرة .ط: الثانية، 1384هـ – 1964م } .
[10] ـ ذيل الأمالي والنوادر ص 68
[11] ـ السابق ص 65