مفهومُ النَّصِّ في اصطلاح علماء النَّصِّ الغربيين..بقلم أ.د/ صالح أحمد عبد الوهاب
أستاذ البلاغة والنقد في كلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان ووكيل كلية العلوم الإسلامية لشئون التعليم والطلاب
تعددتْ تعريفاتُ علمِ النَّصِّ في الدراسات المعاصرة؛ نظرًا لتعددِ الحقولِ المعرفيّةِ التي ينتمي إليها هذا العلمُ، فهو ضاربٌ بجذوره في ثقافاتٍ عدة؛ ما بين القديمِ والحديثِ، ونظرًا لتعدد مجالاتِ هذه العلومِ تعددتْ رؤى أصحابها بتعدد اختصاصاتهم واتجاهاتهم حول وضع تصورٍ لـ” علمِ النَّصّ” فمنهم مَنْ نظر في تعريفه إلى الناحية البنائية الشكلية، أو ما يُعرفُ ببنية النَّصِّ ووسائل التماسك بينها، ومنهم منْ اتجه نحو الناحية الوظيفيةِ التواصليةِ، ومنهم من اعتنى في التعريف بعملية التأثير والتأثر، أو ما يعرف بالتناص، حتى قيل: كلُ نصٍ متناص؛ أي: متأثرٌ بغيره.
ولذا… يشكِّلُ اتصالُ علمِ النَّصِّ بعلم الاجتماع وعلمِ الأجناس البشرية وعلمِ الوراثة وعلمِ الحياة العام وعلمِ وظائف الأحياء…وغيرها حاجزًا يحول في الاتفاق على تعريف محدد؛ يقول الدكتور/ عبده الراحجي:… ولقد كان الاتصالُ بين علمِ النَّصِّ وهذه العلوم سببًا من أسباب صعوبة تحديد مفهوم هذا العلم، فقد شكلتْ تلك السمةُ الجوهريةُ حاجزًا مانعًا يصعب اختراقُه، فلم يستقر بعد حول مفاهيمه وتصوراته أو مناهجه” ([1])
وممَّا أسهم في صعوبةِ تحديدِ مفهومِ علمِ النَّصِّ أنَّ اتجاهاتِ البحثِ في هذا العلمِ قد أخذت أشكالًا عدّة، وذلك تبعًا للأسس التي يستند إليها علماءُ اللغة النصيون، فنجد مثلًا اتجاهًا يعتمد على رصيد علم اللغة الوصفي… ونجد اتجاهًا آخر: يستند إلى رصيد علم اللغة الوظيفي، وثالثًا: يقوم على رصيد علم اللغة التركيبي أو البنائي، ورابعًا: يقوم على رصيد علم اللغة التحويلي”([2])
ويبدو أنَّ تعدد مجالات الدراسة في علم النَّصِّ وصعوبة البحث فيه حالتْ دون وضع تعريفٍ محدَّدٍ معترفٍ به من قِبل علماء النصِّ، فحتى الآن لم يستقر علماءُ النصِّ على تعريف محدّد للنَّصِّ على الرُّغم من كثرة التعريفات التي يعتمد بعضها على مكوِّنات الجملة وتتابعها، وبعضها يزيد على تلك الجمل الترابط، والانسجام والاتساق، وبعض آخر يعتمد على التواصل النصِّي التداولي، والسياق والمخاطب. ([3])
غير أنَّ التعريفَ الأكثرَ ذيوعًا وانتشارًا الذي راعى كل المحاولات السابقة الاجتماعية والوظيفية والبنائية للنصّ هو تعريف (ربورت دي بوجراند) من خلال المعايير السبعة التي وضعها؛ لتحديد النصّ فالنص عنده ” حدثٌ تواصلي يلزَم من كونه نصَّاً أنْ تتوافر له سبعة معايير مجتمعة، وهذه المعايير هي:
- التماسك (الاتساق، أو السبك، أو التضام أو الربط) (cohesion)، 2- الانسجام، (الحبك، أو الالتحام، أو التقارن) (coherence) 3-القصد (Intentionality) 4- المقامية، أو الموقفية (Situationality)5- الإعلامية (Informativity) 6- المقبولية (Acceptability) 7- التناص (Inter****uality).
وهذه المعايير السبعة التي هي معايير نصِّية، لا بدَّ من توافرها مجتمعةً في أيِّ نصٍّ لكي يتسم بالنصِّية، وإذا فُقِد أحدها في النصِّ خرج عن حدود النصِّية، الذي استقرَّ عليه علماء النصِّ مؤخراً. ([4])
وبالتأمل في هذه المعايير ندركُ سرّ ذيوع هذا التعريف وانتشاره، ونتعرفُ –كذلك- سببَ قبولِ علماء النَّصّ له؛ فهو لم يهمل أحدَ العناصر المكوِّنة للنَّصّ سواء كان ملفوظًا أم مكتوبًا؛ فقد راعى عناصر التماسك في النَّصِّ؛ وذلك في المعيارين (الأول والثاني) وهما ما يعرفان: بـ(السبك) ويكون في الألفاظ، و(الحبك) ويكون في المعاني، كما راعى في المعيار الثالث: (القصد) أي: مقصدية مرسلِ النَّصِّ، بحيث يكون قاصدًا لما يبثّه من رسائل في نصِّه، وأمَّا المعيارُ الرابعُ: (المقامية أو الموقفية) فقد راعى فيه المقامَ والحالَ والظروفَ الملابسةَ للنَّصِّ، وأمَّا المعيارُ الخامسُ: (الإعلامية) فقد راعى الآلة التواصلية وأثر المعلومات الواردة في النصّ، وأمّا المعيارُ السادسُ: (المقبولية) فقد راعى فيه (المُتلقي) بحيث يكون قابلًا للرسالة المفادة من النَّصّ أو رافضًا لها، وأمّا المعيارُ السابع: (التناص) فقد راعى فيه النصوص المؤثرة في النص.
والذي أراه في تعريف(دي بوجراند) أنَّه يستوعب كلَ التعريفات المذكورة في هامش الصفحة؛ ذلك أنَّه لا يلغي أحدَ أطراف الحدثِ التواصلي في التحليل، فهو يجمع بين المتكلم، والمخاطب، والسياق، وأدوات الربط اللغوية الشكلية والدلالية.
ومن هنا يتضح أنَّ المدخلَ السليمَ للتحليل النصِّي هو التحليل المبني على رؤية شاملة؛ تتوافر فيها كلُ عناصرِ النَّصِّيّة من متكلم، ومخاطب، وسياق، وعناصر الربط اللغوي ووضعها تحت مجهر التحليل النصِّي “([5])
ومن ثم فلا مناص – ونحن نحاول التعرفَ على مفهوم”النَّصِ”- إلَّا أنْ نتجاوزَ الحديثَ عن جهود النصيين العرب أمثال: عبد الملك مرتاض، ونور الدين السيد، ومحمد مفتاح… وغيرهم([6])، فكلها – في مجملها- تدور في فلك ما قاله علماء النص من الغرب أمثال (هيلمسليف)(وتـودوروف) و(رولان بارث) و(كريستيفا) و(ربورت دي بوجراند) و(فان دايك) و(هاليداي) و(رقية حسن).
يتبع…
أ.د صالح أحمد عبد الوهاب
أستاذ البلاغة والنقد
https://www.youtube.com/channel/UCSUJyz_yZLfFHnc9wyFoKiQ
https://www.facebook.com/saleh.ahmedabdelwahab.5
الهوامش:
([1]) النحو العربي والدرس الحديث – تأليف د/ عبده الراجحي – 161
([2]) علم لغة النص – تأليف دكتور/ سعيد بحيري ص2.
- مفهوم النص عند هيلمسليف: يستعمل العالم اللساني(هيلمـسليف) مصطلح”النص” بمعنى واسع؛ فيطلقه على أي ملفوظ؛ منفَّد؛ قديما أو حديثا؛ مكتوبا أو محكيا؛ طويلا أو قصيرا، فكلمة: قِفْ؛ مثلا؛ هي في نظر هيلمـسليف نص كامل، كما أنّ جماع المادة اللغوية لرواية بكاملها هي أيضا نص كامل
- مفهوم النص عند تـودوروف: في مؤلفه”القاموس الموسوعي لعلوم اللغة”، يرى تودوروف أن اللسانيات تبدأ بحثها بدراسة(الجملة)…ولكن مفهوم(النص) لايقف على نفس المستوى الذي يقف عليه مفهوم (الجملة)، أو التركيب، وكذلك هو متميز عن الفقرة التي هي وحدة منظمة من عدة جمل.
ويرى تودوروف أيضا أن النص يمكن أن يكون جملة، كما يمكن أن يكون كتابا بكامله، وعليه يحدد النص أساس استقلاليته وانغلاقيته؛ فهو يؤلف نظاما خاصا به، لا يجوز تسويته مع النظام الذي يتم على أساسه تركيب الجمل….
- مفهوم النص عند رولان بارث:
النص عند بارث: نسيج من كلمات منسقة في تأليف معين، بحيث يفرض شكلا وحيدا وثابتا قدر المستطاع، والنص من حيث هو نسيج فهو مرتبط بالكتابة، لأنه رسم بالحروف؛ وللنص هالته الروحية كذلك من حيث وحي كلماته.
والكتابة هي السمة الأساسية للنص عند بارث؛ فالكتابة ضمانة للشيء المكتوب، وصيانة له؛ وذلك باكتسابه صفة”الاستمرارية.
- مفهوم النص عند كريستيفا:
تحدد جوليا كريستيفا النص، بأنّه”جهاز عبر لساني يعيد توزيع نظام اللسان بالربط بين كلام تواصلي يهدف إلى الإخبار المباشر وبين أنماط عديدة من الملفوظات السابقة عليه أو المتزامنة معه، فالنص إذن، إنتاجية.
يضاف إلى تلك التعريفات تعريف هاليداي وفان دايك وربورت دي بوجراد، وشبلنر وبرنكر…
ينظر في ذلك الاتساق النصي في التراث العربي- تأليف دكتورة/ نعمية سعدية – مجلة الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية- جامعة محمد خضير – بسكرة – الجزائر- العدد الخامس – 200، وينظر كذلك التماسك النصي بين التراث والغرب- تأليف/ تارا فرهاد شاكر- جامعة صلاح الدين بأربيل- كلية اللغات، وينظر كذلك ينظر ” نحو لسانيات =نصية عربية” للدكتور/ رشيد عمران – شبكة التواصل الاجتماعي- تاريخ الدخول 26/8/2016. وينظر كذلك” في اللسانيات ونحو النص ” تأليف دكتور / إبراهيم خليل – جامعة الأسكندرية-
([4]) ينظر ” نحو لسانيات نصية عربية” للدكتور/ رشيد عمران – شبكة التواصل الاجتماعي- تاريخ الدخول 26/8/2016.
([5]) ينظر ” نحو لسانيات نصية عربية” للدكتور/ رشيد عمران – شبكة التواصل الاجتماعي- تاريخ الدخول 26/8/2016.
([6]) ينظر في ذلك الاتساق النصي في التراث العربي- تأليف دكتورة/ نعمية سعدية – مجلة الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية- جامعة محمد خضير – بسكرة – الجزائر- العدد الخامس – 200، وينظر كذلك التماسك النصي بين التراث والغرب- تأليف/ تارا فرهاد شاكر- جامعة صلاح الدين بأربيل- كلية اللغات، وينظر كذلك ينظر ” نحو لسانيات نصية عربية” للدكتور/ رشيد عمران – شبكة التواصل الاجتماعي- تاريخ الدخول 26/8/2016. وينظر كذلك” في السانيات ونحو النص “.