(العربيــة فخــــر اللغــات وأسمـــاها) [الحلقة السابعة] بقلم أ.د/ عبد التواب الأكرت
أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم السابق بكلية اللغة العربية بالقاهرة ومقرر اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر
ثانيا – اللغة الفارسية :
اللغة الفارسية إحدى اللغات الآرية، وهي لذلك تختلف من حيث الأصل عن اللغة العربية التي هي إحدى اللغات السامية ، ولكن اللغة العربية أثرت في اللغة الفارسية تأثيرا كبيرا حتى أصبح التشابه بينهما قويا ، فصارا كأنهما تنتميان إلى أصل واحد ، واللغة الفارسية لغة أهل إيران وأفغانستان وبخارى ، كما أنها كانت لغة الثقافة في شبه القارة الهندية منذ القرن الخامس إلى القرن الثاني عشر للهجرة ، وتحتل اللغة الفارسية من حيث الأهمية والانتشار المكانة الثانية بعد اللغة العربية بين اللغات الإسلامية ، وتليها اللغة التركية العثمانية ثم اللغة الأردية الباكستانية واللغة الإندونيسية وغيرها ، واللغة الفارسية المتأثرة باللغة العربية أثرت بدورها في اللغات الشرقية الإسلامية الأخرى كالتركية والأردية ، بحيث نجد فيهما كلمات فارسية كثيرة ، بل دخل معظم الكلمات العربية في هاتين اللغتين عن طريق اللغة الفارسية الحديثة ، واللغة الفارسية تعتبر أسهل اللغات الشرقية الإسلامية من ناحية الكتابة والقراءة والنطق ، ومن الناحية النحوية والأدبية ، أما من ناحية الكتابة والقراءة والنطق ، فإنها تكتب وتقرأ وتنطق كالعربية ، وأما من الناحية النحوية فلا يوجد فيها مثلا المثنى والمؤنث وألف ولام التعريف وغير ذلك ، وقواعدها بسيطة وإن أدبها متأثر بالأدب العربي ، فكل ذلك جعلها سهلة للتعلم والتحدث بالنسبة للعرب ([1]) .
دخل العرب بلاد فارس سنة [ 30 هـ – 651 م ] بعد مقتل يزدجر الثالث في موقعة [ نهاوند ] التي سميت فتح الفتوح ، وقد انتشر الإسلام في ربوع إيران انتشارا سريعا ، وأسلم كثير من الفرس في مدة وجيزة ، وبانتشار الإسلام انتشرت العربية في أنحاء إيران ، وأصبحت اللغة البهلوية وخطها مهجورين ؛ لأن البهلوية ارتبطت في أذهان الفرس المسلمين بالديانة الزرادشتية فنفروا منها ، كما أن الكتابة البهلوية لم تكن شائعة بين الفرس ، بل كانت محصورة في طبقة خاصة منهم هي طبقة الكتّاب ، وهذا العامل سهّل على الفرس هجرها واستعمال الكتابة العربية الجديدة ، كما أن البهلوية هي لغة المناطق المتاخمة للبلاد العربية ، وكانت هذه المناطق دائما في طريق الغزوات والهجمات العربية المختلفة نحو المشرق ، ونتيجة لذلك كان أثر الفتوح العربية الإسلامية شديدا في هذه اللغة، ولهذه الأسباب زالت اللغة البهلوية من جراء الفتح العربي ، وقد سادت العربية في بلاد فارس ، وكان الدافع الأول لإقبال الفرس على تعلمها هو الإيمان الصادق بالإسلام ، وأن اللغة العربية لغة الدين الإسلامي ومنبعيه الأساسيين – القرآن الكريم والحديث النبوي – كما أن اللغة العربية لغة أصحاب السلطان ولغة التدريس في المدارس ، ولذلك أقبل الناس على تعلمها ، وبعد زوال اللغة البهلوية من جراء الفتح العربي ، جاءت اللغة الفارسية الحديثة التي ظهرت بعد انتهاء عهد السيطرة العربية ، واتخذتها الدولة الفارسية المستقلة لغة لها ، حيث كانت بالمشرق اللغة الدرية التي كانت تستخدم في بلاد الحكام ببخارى وفيما يحيط بها من المناطق ، كما أنها كانت منتشرة في خراسان أيضـًا ، ومن حسن حظ اللغة الدرية أنها كانت بالمشرق حين قامت الدولة الفارسية المستقلة عن الدولة العباسية ، وهذه الدولة هي التي ساعدت على بعث النهضة الأدبية الفارسية ، وطبيعي أن تتخذ هذه النهضة التي قامت في المشرق لغة المشرق في كل ما يكتب أو يُؤلف ، وقد اتخذت الدولة الفارسية المستقلة التي قامت بالمشرق لغة قومية بديلة للغة العرب لبعد المناطق الشرقية عن مركز الخلافة العربية وضعف قبضة هذه الخلافة عليها ، وهكذا أظهرت اللغة الفارسية الإسلامية التي اشتد ساعدها بعد ذلك ، وكتب بها شعراء تزعموا النهضة الفارسية الأدبية بعد الإسلام كالرودكي ، وظهرت حركة التأليف والترجمات بهذه اللغة ، ولا يُفهم من هذا أن الفرس هجروا اللغة العربية بعد أن أصبحت لهم لغة قومية ؛ لأنهم في الحقيقة لم ينصرفوا عنها في أدبهم وتأليفهم ، وفي الدولة السامانية التي اتخذت بخارى عاصمة لها ، والتي ظهر فيها أول شعراء الفرس الكبار بعد الإسلام وهو الرودكي ، راج الشعر العربي رواجا كبيرا ، ومع أن الدولة السامانية فارسية إلا أنها لم تحرم الأدب العربي من الرعاية ، كما نالت العربية في عهد أحمد بن إسماعيل شيئا من مكانتها القديمة حتى صارت لغة الوثائق الرسمية ، وكانت بخارى مجمع العلم والفضل يسعون إليها من أنحاء العالم الإسلامي وبها يلتقون ، وهذا كله يدل على أن العربية ظلت محتفظة بمكانتها وانتشارها حتى بعد أن أصبح للفرس لغة قومية وأدب قومي .
إن اللغة الفارسية الجديدة وإن أصبحت لغة الفرس القومية إلا أنها مع ذلك عاشت مع العربية جنبا إلى جنب في تآلف وتعاون وتفاعل ، وقد أثرت كل منهما في الأخرى وتفاعلت معها ، وقد أدت هذه العلاقات الواسعة بين العرب والفرس إلى انتشار لغتيهما وتبادل التأثير فيما بينهم ([2]) .
ولنقرأ معا النصوص التالية ، ثم نسجل ملاحظاتنا على أهم ما يميز اللغة الفارسية من حيث حروفها وكيفية رسمها ونطقها ومخارجها وصفاتها من حيث الجهر والهمس والشدة والرخاوة …. الخ ، ” تستعمل الفارسية الحديثة أو الفارسية الإسلامية الحروف التالية : [ ا ء ب پ ت ث ج چ ح خ د ذ ر ز ژ س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك گ ل م ن و هـ ي ] ، تستخدم فيها كل الحروف العربية بالإضافة إلى أربعة حروف لا تعرفها العربية وهي :
پ : الباء المثلثة أو الباء الفارسية وتنطق PE
چ : الجيم المثلثة أو الجيم الفارسية وتنطق CHE
ژ : الزاي المثلثة أو الزاي الفارسية وتنطق JE
گ : الكاف الفارسية وتنطق GAF
ونجد الكثير من الحروف العربية في الأبجدية الفارسية يختلف نطقها في الفارسية عن العربية وهي :
[ ث ] وتنطق [ س ]
[ ح ] وتنطق [ هـ ]
[ ذ ] وتنطق [ ز ]
[ ص ] وتنطق [ س ]
[ ض ] وتنطق [ ز ]
[ ط ] وتنطق [ ت ]
[ ظ ] وتنطق [ ز ]
[ ع ] وتنطق [ همزة ]
[ ق ] وتنطق [ غ ]
[ و ] وتنطق كحرف [ V ] في اللغات الأوربية إذا كانت متحركة ، ولا تنطق إذا وقعت بين حرفي الخاء والألف أو الخاء والياء .
[ هـ ] تلفظ الهاء إذا وقعت في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها ، وهي ما تسمى الهاء الملفوظة ، ولا تنطق إذا وقعت في نهاية الكلمة ، ويُكتفى بكسرة خفيفة أو فتحة خفيفة [ تبعا للهجات ] توضع تحت الحرف السابق عليها ، وهي ما تسمى بالهاء غير الملفوظة .
والفرق بين الألف والهمزة أن الهمزة تقبل الحركات [ الفتحة والضمة والكسرة ] ، أما الألف فساكنة دائما ، وهي في هذه الحالة مفخمة النطق في الفارسية كما في الحرف [ a ] في اللغة الفرنسية ، ويمكن أن ترد الألف في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها ، بينما لا ترد الهمزة إلا في أول الكلمة ، وإذا وردت في وسطها أو آخرها فهي كلمة عربية وليست فارسية الأصل ، وعادة ما تخفف الهمزة إلى ياء في النطق الفارسي ، كما في : بأيس بدلا من بائس ، وباري بدلا من بارئ .
وتستعمل اللغة الفارسية نفس الحركات التي تستعملها اللغة العربية :
أ ـ الحركات القصيرة وهي عبارة عن : الفتحة والكسرة والضمة .
ب ـ الحركات الطويلة وهي عبارة عن : الألف والواو والياء .
وتستعمل الفارسية التشديد والمد ، ولكنها لا تعرف التنوين إلا في الألفاظ العربية التي دخلتها ، وخاصة في حالة الفتح مثل : جهارًا ، ويميل أهل الفارسية إلى فك التنوين غالبا ، كما في كلمة حالاً التي تنطق حالا بدون تنوين ، وتكتب التاء المربوطة في نهاية الكلمات العربية تاء مفتوحة كما هو الحال في كلمة : جمهوريت ، صفت ، صناعت ، أو تحول التاء المربوطة إلى هاء صامتة كما في : صله ، توسعه . ([3]) .
” ظهرت اللغة الإيرانية في أواخر القرن الثاني وبداية الثالث الهجريين على أثر الفتح الإسلامي لبلاد فارس ، حيث تشكلت أبجديتها من مجموعة رموز جمعت بين الرموز العربية والبهلوية القديمة ، واصطلح على تسميتها بـ [ ألفباى زبان ] ، وتكتب رموز هذه اللغة من جهة اليمين إلى اليسار، وتأخذ معظمها هيئة رموز الألفباء العربية ، وخصائصها المرئية ، وهي كالتالي :
[ ء ~ ا ب پ ت ث ج چ ح خ د ذ ر ز ژ س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك گ ل م ن و هـ ي ] ، وترد هذه الرموز إما في بداية المفردات ، أو في وسطها ، أو في آخرها متصلة ومنفصلة عن الرموز المجاورة لها عدا رمز الهمزة الذي يرد شكله الأول [ ء ] في وسط الكلمة ، أو آخرها هكذا [ ـئـ ، ؤ ، أ ، ء مثل : مسئول ، مسئله ، مسأله ، سؤال ، شاء ] ، أما إذا وقع هذا الرمز في بداية المفردة فإنه ينطق ولا يكتب مثل همزة الوصل العربية ، ولهذا الرمز شكل ثان يرد مقرونا برمز الألف هكذا [ آ ] ، ولا نراه إلا في بداية المفردة ، وأحيانا بعد سابقة الاستمرار [ مى ] شريطة ألا يتصل بها ([4]) .
تتضمن رموز الألفباء الفارسية تسعة وعشرين صوتا ، منها ثلاثة وعشرون صوتا صامتا [ همخوان ] ، وستة أصوات صائتة [ واكه ] مقسمة إلى ثلاثة طويلة [ واكه هاى كشيده ] ، هي الألف[ ã ] والواو[ u ] والياء[ i ] ، وأخرى قصيرة [ واكه هاى كوتاه ] هي [ الفتحة والكسرة والضمة ] ، كما تضم أصوات الفارسية صوتين مركبين هما : [ ou ] مثل [ نو nou ]
و[ ei ] مثل كلمة [ پی pei ] مما يعني أن جميع الرموز الفارسية أصوات صامتة ما عدا رموز الألف والواو والياء .
====================
([1]) المختصر في قواعد اللغة الفارسية . د . عبدالله مبشر الطرازي . جدة . ط . الأولى 1983 م . ص 5 ـ 6 بتصرف .
([2]) شبكة المعلومات . منتدى الألوكة : أثر اللغة العربية في اللغة الفارسية . د. أنور محمود زناتي .
([3]) معجم الألفاظ العربية في اللغة الفارسية . محمد نور الدين عبدالمنعم . الجزء الأول 2005م . ط . الأولى . ص 55 ـ 57 بتصرف .
([4]) قواعد اللغة الفارسية المعاصرة . د . حمدي إبراهيم حسن . كلية اللغات والترجمة . ص 25 ـ 29 بتصرف .