المصوتات ومناسبتها للدلالة الإفرادية في شرح المثلثات اللغوية (10) [الخــرق].. بقلم أ.د/ منى عبد الظاهر الشامي
أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية البنات الإسلامية بأسيوط جامعة الأزهر
الخــرق
*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: الخَرق ـ بالفتح ـ: الصحراء الواسعة البعيدة الأطراف([1])، وزيد في نسخة المدينة: «الشقَّ, والكذب, والقفر, وقطعه بالشفر, والأرض الواسعة تتخرَّق فيها الرياح, ونبت يشبه القُسْط, وموضع بنيسابور»([2]). وقيل: «الخرق: بفتح الخاء وسكون الراء: وهو اسم ما ينخرق فيه الربيع, وهي الصحراء البعيدة الأطراف»([3]).
تتسم الصحاري بالأطراف المترامية الواسعة لا حدود فيها ولا فواصل, وذلك يتناسب مع مصوت الفتح فمخرجه متسع لا إعاقة فيه أثناء النطق به. ومما يؤكد مناسبة اتساع مصوت الفتح ودلالة الخرق ــ بالفتح ـــ استخدامها في معرض الحديث عن جمال عيون الجؤزر لما فيها من اتساع, فيقول الشاعر: (الوافر) :
وعينا جؤذرٍ خرقٍ، وثغرٌ | كَمِثْلِ الأُقْحُوَانِ، وَجِيدُ رِيمِ ([4]) |
فعيون الجؤزر تمتاز بالاتساع وذلك موطن الجمال فيها, ومن هنا حدث التناسب بين عيون الجؤزر ولفظة خَرق ــ بالفتح ــ وهو الاتساع, وذلك يناسب اتساع مصوت الفتح في لفظة خَرق.
وقيل إنها تعني : الشدة، وقيل: الصيحة، وقيل: الغبار([5])، وكل ذلك يحمل معنى الاتساع والانتشار فيتناسب مع مصوت الفتح.
*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: والخِرق ــ بالكسر ــ: الشاب الظريف السمح([6])، وقيل: «الخِرق: بكسر الخاء, أي: الرجل السخي الكريم»([7]).
بالبحث عن أصل السخاء تجدها مأخوذة من التوسيع والانفراج, حيث قيل في تاج العروس: «ومَسْخَى النارِ: محلُّ سَخْيها، وهو المَوْضِعُ الذي يُوسَّعُ تَحْتَ القِدْر؛ِ ليتمكَّنَ مِن الوقودِ. وقيلَ: السَّخاءُ بمعْنَى الجُودِ مَأْخوذٌ منه؛ لأنَّ الصَّدْرَ يَتَّسِعُ للعطية»([8])، فهي مأخوذة من التوسيع, وذلك التوسيع والانفراج يتناسب مع انفراج الشفتين وانفتاحهما عند النطق بمصوت الكسر. وأيضًا التمسك بالصفات الحسنة من الأمور التي تحتاج لمحاربة هوى النفس, فناسبت هنا مصوت الكسر الثقيل؛ لكونها تتعلق بأمور بشرية تحتاج لجهاد النفس للقيام بها.
*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: والخُرق ـ بالضم ـ: الجهل والحمق([9]). وزيد في نسخة المدينة: «وبالضم: ضد الرفق كالخَرَق, وجمع الخريق للمطمئن من الأرض, وللريح الباردة الشديدة الهبوب»([10]).
وبالبحث عن أصل دلالة الجهل تجد فيها ثقل يتناسب مع مصوت الضم لكونه يزرع في النفوس عدم الطمأنينة, يقول ابن فارس فيها: «الْجِيمُ وَالْهَاءُ وَاللَّامُ أَصْلَانِ: أَحَدُهُمَا خِلَافُ الْعِلْمِ، وَالْآخَرُ الْخِفَّةُ وَخِلَافُ الطُّمَأْنِينَةِ.»([11]) والجهل ما هو إلا ضيق في العقل, ومحدودية للآفاق البشرية في التجارب والمعلومات المفيدة, فلقد ضاقت عليه آفاقه كما يحدث من استدارة الشفتين ليضيق مجرى الهواء بينهما فهذا ضاق عقله ونضب فهمه وضعف إدراكه, وذلك يتناسب مع ضيق مصوت الضم, فضلًا عما يورثه لأصحابه من مشقة وصعوبة في العيش, وذلك يشبه طبيعة مصوت الضم من ناحية الثقل. وكذا الريح الباردة الشديدة الهبوب تتناسب مع ثقل الضم.
===========================
([1]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب, ص24, 68, 137.
([2]) كتاب الغرر المثلثة والدرر المبثثة, ص420.
([4]) ديوان عمرو بن أبي ربيعة, عمرو بن عبد الله بن أبي ربيعة, ص188, جمع/أحمد أكرم الطباع, دار القلم, بيروت, لبنان.
([5]) شرح القصائِد العشر, يحيى بن علي بن محمد الشيبانيّ التبريزي، ص45, الناشر: عنيت بتصحيحها وضبطها والتعليق عليها للمرة الثانية: إدارة الطباعة المنيرية, 1352 هـ.
([6]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب, ص24, 68, 137.
([8])تاج العروس من جواهر القاموس, محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي, (س خ ى) تح. مجموعة من المحققين, دار الهداية.
([9])ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب, ص24, 68, 137.