تتابع الأصوات في الكلمة القرآنية بقلم أ.د/ عصام فاروق
تتابع الأصوات
تقومُ فكرةُ هذا البحثِ على ملاحظة تتابعات الأصواتِ اللُّغويَّة داخل الكلمة الواحدة في القرآنِ الكريمِ، وبيانِ مدى أثر هذا التتابعِ على سهولة الكلمة القرآنية من جانبٍ، ومدى إسهام هذه التتابعات في تحقيقِ الجذب السمعيِّ لمتلقّي النَّصِّ القرآنيِّ؛ لتتكامل الموسيقى الداخليةُ لأصواتِ الكلمة جميعِها مع الموسيقى الجزئية المتمثِّلة في الفواصل وإيقاعاتها التتابعية، أو الموسيقى الخارجية المتمثلة في تتابُع الكلمات داخل الآيات والسور.
وقد تولَّد الباعثُ على البحثِ في هذا الموضوعِ من توقُّفي أمام صورةٍ لتتابع لم يَرِد في القرآنِ الكريم، حينما أردتُ أن أبحثَ عن مثالٍ لحـُكم إخفاءِ الميم الساكنة مع الباء في كلمةٍ واحدة، فلم أجدْ؛ من هنا توقفتُ لأسأل نفسي عدةَ أسئلة، يتمثل أهمُّها فيما يأتي:
- ما سببُ عدم ورود الميم الساكنة مع الباء في كلمة واحدة؟
- ما صورُ تتابُع الأصواتِ في القرآن الكريم؟
- ما صورُ عدم تتابُع أصواتٍ في القرآن الكريم؟ وما أسبابُ ذلك؟
- ما مدى علاقة تتابُع أصوات معينة- في هيئات معينة- بسهولة الكلمة القرآنية ويسرها؛ تحقيقًا لقوله تعالى: )وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ(؟
- ما مدى إسهام هذه التتابعاتِ في تحقيق الجذبِ السمعي لمتلقي النَّصِّ القرآنيِّ؟
والهدفُ من هذه الدراسة – وما سأُتْبعها من دراسات تطبيقية على أصوات كلمات القرآن الكريم كلِّها – هو محاولةُ التوصل للملامح الأساسية للقواعد العامة لتتابع الأصوات في القرآن الكريم؛ لتكون مصباحًا منيرًا للباحثين عن خصائص الكلمات القرآنية، والوقوف على أسباب صفائها ونصاعتها، بالتكامل مع أنواع الموسيقى المختلفة التي أفاضَ في الحديث عنها علماءُ البلاغة وغيرهم.
ويقوم هذا البحثُ على عدة أُطرٍ، تحدد ملامحَه، وتبرز حدودَه؛ بغيةَ الوصول إلى دراسةٍ أعمق، ورؤيةٍ أوضح لهذه القضية الصوتيَّة المهمة، وهذه الأطر تمثلت فيما يلي:
أوَّلًا– حددتُ ميدانَ هذا التتابع بأصوات الكلمات القرآنية؛ كونها الأعلى بلاغةً، والأفصح بيانًا، والأنقي صوتًا من غيرها؛ مما يضع أمامنا تصورًا واضحًا لبعض أسرارِ نقاء الكلمة القرآنية وصفائها، وسوف أقتصرُ على رواية واحدة هي التي لحفص عن عاصم، إشارةً إلى أن التتابع قد يختلف تبعًا لاختلاف القراءات القرآنية.
ثانيًا– تناولتُ التتابعَ في الكلمة القرآنية الواحدة مستقلةً عمَّا بعدها، ومعنى ذلك أنني لن أتناول تتابُع الصوت الأخير في كلمة مع الصوت الأول في الكلمة التالية لها.
ثالثًا– المراد بالكلمة هنا هو الكلمة الصرفية، دون الدخول في أيِّ علاقاتٍ تركيبية، وهو ما يُخرِج من إطار دراستنا ألفاظًا من مثل: (بِجَالُوتَ), (يَكْذِبُونَ)، (غَلَبَتْ)؛ فهي وإن اشتملت على صوت الباء، لكنَّ العلاقة بينه وبين ما يتلوه علاقةٌ تركيبية.
رابعًا– اعتمدتُ على نموذج واحدٍ لصوت متبوع بغيره من الأصوات؛ هو الباء المتلوة بأصوات أخرى داخل الكلمة الواحدة، وذلك يعني أن الباء المتطرفة لا تدخل في إطار دراستي هذه؛ لكونها غيرَ متبوعةٍ بأصوات أخرى داخل الكلمة.
وقد أحصيتُ أولًا الكلمات الداخلة في إطار بحثي، ثم تناولتُ بالوصف تتابعاتِ الباء وما يليها في جداول يشتمل كلٌّ منها على تتابُع صوت واحد في حالاته المختلفة: (ساكنًا، مفتوحًا، مكسورًا، مضمومًا) بعد صوت الباء في حالاته المختلفة أيضًا: (ساكنًا، مفتوحًا، مكسورًا، مضمومًا)، ثم حلَّلتُ هذه الجداول، واستخرجتُ منها ملاحظاتي، ثم قمتُ باستنتاج وتحليل ما ورد في هذه الملاحظات.
وقد اقتضت طبيعة هذا البحث أن يكون في تمهيد ومبحثين. وذيلت البحث بملحق يشمل الكلمات الداخلة في إطار هذا البحث.