مقدمة بحث (اللفظ الأعجمي في مقاييس اللغة) بقلم أ.د/ عصام فاروق
مقدمة اللفظ الأعجمي
الاقتراض بين اللغات ظاهرةٌ عالميَّةٌ فَطِنَ إليها علماءُ العربيةِ القدامى، وتفهَّموا طبيعتها، وأعطوها عنايةً خاصةً، فأفردوا لما دَخَلَ العربيَّة من غيرها من اللُّغات مؤلَّفات مستقلَّة، فضلًا عن الإشارات المتعدِّدة المبثوثة في ثنايا كتبهم، ويظلُّ المعجمُ العربيُّ القديمُ من أهم المصادر الرئيسيَّة لهذه النوعيَّة من الألفاظ، لكن تظلّ هناك إشكاليَّة تتمثَّل في كيفيَّة معالجتهم هذه الألفاظ داخل بنية المعجم العربيِّ الحاوي مواد عربيةً وألفاظًا هي فروعٌ عن هذه المواد.
وتقوم فكرة هذا البحث على دراسة هذه الألفاظ؛ من حيث التعرف على كيفية معالجتها في معجم من أهم معجمات العربيَّة، وهو معجم (مقاييس اللغة)، ليكون عنوان هذا البحث (اللفظ الأعجمي في معجم مقاييس اللغة دراسة وصفية) ([1])
وما دعاني إلى اختيار موضوع هذا البحث أمران: أحدهما عامّ يتَّصل بالمعاجم اللغويَّة كلِّها، وثانيهما خاصّ بالمقاييس نفسه.
فأمَّا الأوَّل فهو التعرُّف على آليَّة دَمْجِ الألفاظِ الأعجميَّةِ في المعاجمِ العربيَّةِ، من حيث ترتيبها، وكيفية معاملتها اشتقاقيا، وعلاقاتها بالمواد المدرجة تحتها.
وأمَّا الثَّاني وهو خاص بـ (المقاييس) حيث إنه يقوم على فكرةِ بيان المعنى العام للمادَّة اللغوية، مع بيان علاقة ما يدخل تحت هذه المادة من ألفاظٍ بهذا المعنى العام، فكيف عالج ابن فارس([2]) الألفاظ الأعجميَّة داخل بنية معجمه؟ وكيف ربطها بالمعنى العام للمادَّة التي تحويها مع أنها ليست ذات صلةٍ بالجذورِ العربيَّةِ؟ ثم كيف عالج الألفاظ القرآنيَّة المشار إلى عجمتها داخل معجمه؟ وهل تنازل تحت سطوة التطبيق عن موقفه المتشدِّد من هذه المسألة الذي يرفض فيه وجود لفظ أعجميّ ضمن ألفاظ القرآن الكريم؟
ويسعى هذا البحثُ إلى فحص مجموعةٍ من الأهدافِ، هي:
أوَّلًا: بيان منزلة الألفاظ الأعجميَّة في المقاييس.
ثانيًا: الوقوف على الفروق بين المصطلحات الدَّالة على اللفظ الأعجميّ عند ابن فارس في المقاييس، كالأعجميّ والدخيل والمعرَّب.
ثالثًا: بيان كيفيَّة ترتيب هذه الألفاظ داخل بنية المعجم، وكيف ردَّها إلى المعنى العام للمادَّة المدرجة تحتها، أم أنه اعتبرها مادةً مستقلةً. وكيف ذكر لها معنى عامًّا على عجمتها؟
رابعًا: بيان موقف ابن فارس من الألفاظ القرآنيَّةِ المشار إلى عجمتها، وكيفية معالجته إياها في معجمة.
ويطمح هذا البحث أنْ يحقق هذه الأهدافَ، من خلال ما يلي:
أولًا: اللَّفظ الأعجميّ في معجم المقاييس (منزلته، ومصطلحاته)، وفيه:
- منزلة اللَّفظ الأعجميّ في المقاييس.
- المصطلحات الدَّالة على اللَّفظ الأعجميّ.
ثانيًا: اللَّفظ الأعجميّ في معجم المقاييس (منهج معالجته)، وفيه:
- ترتيب اللَّفظ الأعجميّ بين مداخل المعجم.
- اللغة التي تنتمي إليها الألفاظ.
- أصل اللفظ الأعجمي في اللغة المقترض منها، ودلالته فيها.
- المظاهر: الصوتية والصرفية والنحوية الطارئة على الألفاظ الأعجمية.
ثالثا: الألفاظ القرآنيَّة المشار إلى عجمتها (كيفية معالجتها في المقاييس)
([1]) اقتبست هذه التسمية من بحث للدكتور إبراهيم بن مراد بعنوان (اللفظ الأعجمي في لسان العرب لابن منظور: منزلته ومنهج معالجته) ورد في كتابه دراسات في المعجم العربي (155)، إبراهيم بن مراد، دار الغرب الإسلامي، ط: أولى 1987م
([2]) يعد ابن فارس من علماء العربية البارزين، ترجم له كثيرون سواء كانوا من مصنفي الطبقات أو مَن حققوا كتبه، ولذا سأكتفي- هنا- بالإشارة إلى بعض هذه المراجع التي ترجمت له، ومنها: إنباه الرواة (1/127)، معجم الأدباء (1/410)، البلغة للفيروزآبادي (28)، النجوم الزاهرة (4/212)، شذرات الذهب (3/132)، وفيات الأعيان (1/118)، نزهة الألباء (235)، يتيمة الدهر (3/400)، الوافي بالوفيات (7/278)، بغية الوعاة (1/352)، الكامل لابن الأثير (8/258)، طبقات ابن شهبة (1/230).