مقدمة (من ملامح الفكر اللغوي عند بنت الشاطئ) بقلم أ.د/ عصام فاروق

يشيع بين باحثي العربية مقولةٌ مفادها أنَّ المرأة تفوقت أديبةً وشاعرةً وعالمة في تخصصات متعددة خلا أن تكون لغويةً، ولا أعلم كيف تسربتْ هذه المقولةُ إلى أذهاننا – بل وتتردد في كل مناسبة تطرح فيها هذه القضية للنقاش- والفكر اللغوي يكاد يصدح بين ثنايا نتاج كثير من المفكرات والكاتبات.

    ومن هنا قامت فكرة هذا البحث على محاولة تقديم قراءة تستجلي الفكر اللغوي لنتاج رائدة من رائدات التنوير في مصر والعالم العربي، تُظهر مدى عناية هذه المفكرة – وبنات جنسها- بكثير من القضايا اللغوية، ليس هذا فحسب بل وترصد مظاهر الفكر اللغوي لديها، وكيفية توظيف تلك المظاهر في خدمة النص المكتوب، سواءً كان هذا النص هو كتاب الله المعجز أو غيره من النصوص الأدبية أو الفكرية.

    وسيقوم بحثي على نتاج مفكرة وأديبة وأستاذة جامعية، أهلتها قدراتها ومواهبها وعلمها لأن تكون أول امرأة تحاضر في أزهرنا الشريف، هي: الدكتورة عائشة عبد الرحمن، المعروفة بـبنت الشاطئ (1913م- 1999م).. تلكم المرأة التي خلَّفت وراءها أكثر من أربعين كتابًا ودراسةً، لا تحمل معلوماتٍ ونصوصًا متخصصةً في مجالاتها بقدر حَمْلها نتاج عقل امرأة سعتْ إلى تكون في مصاف كبار الكتَّاب والمفكرين، دون النظر إلى كونها امرأةً، فتحقُّقُ هذا الهدف لا يقوم على الجنس ولا الجنسية ولا الديانة ولا العرق ولا الهوية فهو لا يعرف سوى هوية الإبداع والاجتهاد.

    ويسعى البحث إلى قراءة بعض أعمال بنت الشاطئ من ناحية لغوية؛ لاستجلاء أهم ملامح الفكر اللغوي لديها، في ضوء مستويات اللغة، بالإضافة إلى القضايا العامة في علم اللغة وفقهها، ونظرًا لضيق المساحة المتاحة لهذا البحث فسوف أقتصر في مادته على بعض مؤلفاتها ذات الصلة الوثيقة باللغة، ممثلة في كتابيْ: (التفسير البياني للقرآن الكريم- بجزأيه)، و(القرآن وقضايا الإنسان)، وبعض المؤلفات بعيدة الصلة أو كانت فيها غير مباشرة، ممثلة في كتابيْ: (أرض المعجزات)، و(تراجم سيدات بيت النبوة) لبيان مدى توظيف فكرها اللغوي فيما تعالجه من قضايا وأفكار.

    وللوصول إلى ما يسعى إليه البحث فإنه يتناول النقاط التالية:

أولا- الفكر اللغوي عند بنت الشاطئ.

ثانيا- حدود مستويات اللغة ووظائفها عند بنت الشاطئ.

ثالثا- من قضايا علم اللغة وفقهها عند بنت الشاطئ.