حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

شبهات لغوية حول القرآن [1]. بقلم أ.د/ إبراهيم عوض

المفكر الإسلامي وأستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب- جامعة عين شمس. (تم النشر بإذن من سيادته))

فنَّدَ الأستاذ الدكتور/ إبراهيم عوض الشبهات([1]) التي أوردها (عبد الله عبد الفادي) في كتابه التافه الذي صدر بعنوان “هل القرآن معصوم؟ ” في النمسا سنة 1994م، وهذا جانب من الشبهات والردود:

الشبهـــــــــة:

يقول (ص 107) إن “الصابئون” في قوله تعالى في الآية 69 من سورة “المائدة” {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا، فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} كان يجب أن تُنْصَب لأنها معطوفة على {الَّذِينَ آمَنُوا} الواقعة اسماً لـ “إنّ”.

الـــــــــــــــــرد:

قد كان كلامه يكون صحيحاً لو أنها معطوفة فعلاً على {الَّذِينَ آمَنُوا} ولم يكن إعراب آخر يهدف إلى نكتة بلاغية لا تتوفر في الإعراب الذي وَهِمَه.

وهذا الإعراب الآخر قد أومأت إليه إيماءً بالطريقة التي استعملتُ بها علامات الترقيم في الآية، حيث وضعتُ عبارة “والذين هادوا…. وعمل صالحاً” بين فاصلتين بما يدل على أنها عبارة اعتراضية، ويكون تقدير الكلام هكذا: “إن الذين آمنوا لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وكذلك الذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً”. أي أن {الَّذِينَ هَادُوا} مبتدأ خبره كلمة “كذلك”، فهو إذن مرفوع وكذلك المعطوفان عليه: {الصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} . وقد حُذفت كلمة “كذلك”، وانتقلت جملة المبتدأ والخبر لتحتل المكان الذي يفصل بين اسم “إنّ” وخبرها. أما النكتة البلاغية في الآية فهي الإشارة إلى أن اليهود والصابئين والنصارى هم أيضاً ممن يستطيعون النجاة يوم القيامة إذا دخلوا فيما دخل فيه المسلمون من الإيمان بالله واليوم الآخر وعملوا الصالحات، بمعنى أن الجنة في الإسلام ليست مقصورة على العرب وحدهم بل هي مفتحة الأبواب حتى لليهود والصابئين والنصارى وأمثالهم. أي أن الإسلام ليس كاليهودية مثلاً المقصورة على بني إسرائيل فلا يمكن أن يشاركهم غيرهم في الهداية والنجاة لأن ربّ الكون إله خاصّ بهم، والنجاة نجاتهم وحدهم وهكذا، فهذا ما أراده القرآن بصياغة الآية على ذلك النحو الموجز البليغ الذي لا يستطيع الجهلاء أن يدركوا مراميه؛ لأن القرآن لم ينزل على أمة من الجهلاء المتحذلقين من أمثال هذا الأحمق بل نزل بالأسلوب الذي يفهمه العرب، ومن ثم لم يجدوا في هذا الإعراب ما يمكن أن يؤخذ عليه، وإلا لملأوا الدنيا صراخاً واعتراضاً، وهم الذين اتهموا الرسول، كما ذكرنا، بكل نقيصة مما هو بعيد عنه بعد السماء عن الأرض، إلا أنهم لم يحوَّموا حول اتهام لغته بالخطأ، وهناك من يوجّهون “الصابئون” على أنها منصوبة رغم ذلك، ولكن على لغة قبيلة بلحارث بن كعب، الذين يعربون جمع لمذكر السالم بالواو في كل الأحوال رفعاً ونصباً وجراً مثلما يعربون المثنى بالألف دائماً في هذه الحالات الثلاث جميعاً، كما أن هناك توجيهات أخرى لا نقف عندها.

ومن الشواهد على الإعراب الذي اخترناه بيت ضابئٍ البُرْجُمي المشهور الذي يتحدث فيه عن غربته بالمدنية هو وقيًارٍ فَرَسِه:

فمن يَكُ أًمْسَى بالمدينة رَحْلُهُ فإني، وقياَّر، بها لَغَريبُ

وكذلك بيت بشر بن أبي حازم:

وإلا فاعملوا أنّا، وأنتم، بُغَاَّة ما بِقينا في شِقاق

حيث أتى بضمير الرفع “أنتم” بعد الواو، التي لو كانت واو عطف كما وهم الأحمق الجهول لقال: “فاعملوا أنّا وإياكم “، بل “أنتم” مبتدأ، وخبره محذوف، وجملة المبتدأ والخبر جملة اعتراضية. ومما يجري من الشعر أيضاً على هذه الصورة البيت التالي، وهو من إنشاد ثعلب:

خليلَّي، هل طِبَّ؟ فإني، وأنتما، وإن لم تبوحا بالهوى، دِنَفان

وقول رؤية:

ياليتني، وأنت، يا لميسُ في بلدة ليس بها أنيسُ

وكذلك هذا البيت:

فمن يَكُ لم يُنْجِب أبوه وأمه فإن لنا الأمَّ النجيبةَ والأبُ

وهذا البيت أيضاً:

وما قصَّرتْ بي التسامي خؤولَّة … ولكنّ عمىَّ الطيبُ الأصل والحالُ

==========================

([1]) جزء من كتاب (عصمة القرآن الكريم وجهالات المبشرين) أ.د/ إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، 2005م بتصرف يسير.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu