حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

من أوهام المعاصرين في قراءة تراثنا العربي [2] (خَلْقُ الإنسانِ).. ووَأْدُ العنوانِ بقلم: أ.د/ عصام فاروق

منقول عن مجلة الأزهر عدد صفر 1445هـ- سبتمبر 2023م

من الأوهام التي وَقَع فيها بعضُ المعاصرين أثناءَ استكناههم دررَ تراثنا العربيِّ ما يتعلَّق بالعنونةِ، خصوصًا عند فَقْد المخطوط المُرادِ تحقيقه صفحتَه الأولى، بسبب الإهمال أو غيره من عوادي الزَّمن.

وقد أصيب قدرٌ كبيرٌ من تراثنا العربيِّ بهذه الآفة، وتُرِكَ الأمرُ من بعدُ لمهارة المُحقِّق في إثبات العنوان، أو نسبة المخطوط إلى مُؤلِّفه بحسب القواعد المعروفة في صناعة التحقيق. ويزداد الأمرُ صعوبةً إذا وُضعتْ مكانَ هذه الصفحةِ الأولى صفحةٌ أخرى لكتابٍ آخرَ، أو كُتبت بيانات التعريف بخط اليد مِن قِبَلِ مُفهرسِي المخطوطات أو جامعي المجاميع.

وممَّا وَقَع فيه وَهَمٌ في العنونة ما وقفتُ عليه عند مطالعتي الرسالةَ التي نَشَرَها الطبيبُ/ داود بك الجلبي الموصلي (ت 1960م) بعنوان: ( مقالةٌ في أسماء أعضاء الإنسان لابن فارس ) في مجلة ( لغة العرب ) في الجزء الثاني([1]) من السنة التاسعة في أول فبراير سنة 1931م، مُعتمِدًا على نسخةٍ من المخطوط وَجَدَها داخلَ مجموعٍ يحمل رقمَ (152)، ضمن مخطوطات المدرسة الأحمدية في الموصل، وكان قد أتى على وَصْف مكونات هذا المجموع في كتابه: ( مخطوطات الموصل )([2]) ذاكرًا هذه الرسالةَ بالاسم السابق نفسه.

ثم ذكرها بروكلمان ضمن مؤلَّفات ابن فارس بهذا الاسم نفسه، مُحيلًا إياها على ( مجلة لغة العرب ) كذلك. ([3])

ثم أعاد نَشْرَها الطبيبُ/ فيصل دبدوب – تحت الاسم السابق نفسِه – بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق في المجلد الثاني والأربعين، الجزء الثاني([4])، سنة 1386ه- 1967م، معتمدًا على نسختين للمخطوط: إحداهما التي اعتَمَدَ عليها من قبلُ داود الجلبي، وهي المعروفة بنسخة المدرسة الأحمدية، والثانية اشتراها ضمن مجموعة تحتوي على أراجيز طبية كانت ملكًا لطبيبٍ موصليٍّ هو عبد الله الشلشلي، وهي نسخةٌ قد استُنسختْ عن نسخة المخطوط الأولى، وعدد صفحاتها اثنتا عشرة صفحةً.([5])

مما سبق يتضح أن الاسم الذي أورده الثلاثةُ السابق ذكرهم لرسالة أبي الحسين أحمد بن فارس (395هـ) هو: ( مقالةٌ في أسماء أعضاء الإنسان )، وهو وَهَمٌ كما ذكرتُ من قبلُ وَقَع لهم في هذه العنونةِ، تابَعَهم فيه عديدٌ من المعاصرين([6])، وصوابُ عنوان الرسالة هو (خَلْقُ الإنسان)، وأدلتي على هذا الحكم أُورِدُها فيما يأتي:

أولًا– من المعروف الذي تناقله الخلفُ عن السلفِ أنَّ لابن فارسٍ رسالةً عنوانُها: ( خَلْقُ الإنسان )، وقد أوردها بهذا الاسمِ كلُّ من: ياقوت الحموي، والسيوطي، وشمس الدين الداووُدي، وحاجي خليفة، وإسماعيل باشا البغدادي، وعبد السلام هارون في مقدمة تحقيق (المقاييس)، ود. رمضان عبد التواب في مقدمة تحقيق (الفرق) لابن فارس، وأحمد الشرقاوي([7]) وغيرهم.

وليستْ هذه التسميةُ خاصةً برسالةِ ابن فارس فحسب، بل إنَّها التسمية الشهيرة لمعظم مصنَّفات هذا المجال الدلالي- التي ذَكَرَ بعضُ المحدثين أنها زادت على الخمسين([8]) ومن أسفٍ ضياعُ الكثيرِ منها – التي توارثها العلماءُ عن بعضهم البعض، وتواترتْ بينهم تواترًا ملحوظًا، خصوصًا في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وقائمةُ المصنَّفات التي حملتْ هذا العنوان طويلةٌ، منها على سبيل المثال:

  • خَلْقُ الإنسان، لأبي مالك بن عمرو بن كركرة الأعرابي (182ه). [مفقود]
  • خَلْقُ الإنسان، لأبي ثروان العكلي (200ه). [مفقود]
  • خَلْقُ الإنسان، للنضر بن شميل (204ه). [مفقود]
  • خَلْقُ الإنسان، لقطرب (206ه). [مفقود]
  • خَلْقُ الإنسان، لأبي عبيدة (210ه) [مفقود]
  • خَلْقُ الإنسان، للزجاج (310ه). [مطبوع] ([9])
  • خَلْقُ الإنسان، للوشاء (325ه). [مفقود]
  • خَلْقُ الإنسان، لأبي بكر الأنباري (328ه). [مفقود]
  • خَلْقُ الإنسان، للخطيب الإسكافي (420ه). [مطبوع] ([10])
  • خَلْقُ الإنسان، لأبي منصور الخوافي (480ه). [مفقود] ([11])

في حين أنني لم أقف على مَن ذَكَرَ هذه الرسالةَ لابن فارس باسم ( مقالة في أسماء أعضاء الإنسان ) غير المعاصرين الثلاثة السابق الحديث عنهم، وسأوضح في السطور التالية سبب وقوع هذا الوَهَم عندهم.

ومما استوقفني- بحقٍ- أنَّ لابن فارس رسالةً بعنوان: ( مقالة كلا وما جاء منها في كتاب الله) ([12]) وهو ما قد يقوي احتمال وَصْف مصنَّفه الذي يدور حديثنا عنه الآن بالمقالة، لكنك ستجد في الأدلة الآتية ما يزيل إمكانية هذا الاحتمال، ويعود بك إلى صواب عنوان هذه الرسالة كما وضحتُ من قبلُ.

ثانيًا– وَرَدَ في صدرِ رسالةٍ أخرى لابن فارس عنوانُها: (استعارة أعضاء الإنسان) ([13]) ما نصُّه: ((.. قال أحمد بن فارس: هذا ذِكرُ ما استعملَتْه العربُ في كلامها وأشعارها من استعارة أعضاء الإنسان في غير خلق الإنسان ذكرنَاه موجزًا، من غير إسهابٍ، ولا إطالةٍ..)) ([14]) ففي قوله:( في غير خلق الإنسان) – كما أرى- ما يدل بمفهوم المخالفة على ما قدَّمَه – في رسالةٍ أخرى سابقةٍ عليها زمانيًا- من حديثٍ عن (خَلْق الإنسان)، هو مضمون الرسالة التي بين أيدينا، التي وَقَعَ فيها وَهَمٌ في العنونة.

ثالثًا– خلو نُسختي المخطوط اللتين وقعتا بين يديَّ ([15]) من صفحتيهما الأولى، وصُدِّرت صفحةُ التعريف في إحداهما باسم (خلق الإنسان)، وبيانات هاتين النُّسختين كالآتي:

  • نسخة مكتبة العتبة الرضوية المقدسة (كتابخاتة آستان قدس) رقم 3713، عدد أوراقها خمسة، ومكتوب في صفحة التعريف: ( اسم الكتاب: خلق الإنسان ).
  • نسخة المكتبة المرعشية ( أبو الحسين آية الله المرعشي النجفي بقم إيران) وهي ضمن مجموع رقمه 10949، عدد أوراقها خمسة، ولذا كتب (باللغة الفارسية) في صفحة التعريف ما ترجمته: ( اسم الكتاب: (مجموعة) مؤلفه: مختلف، موضوعه: مختلف ).

ومما لا يخفَى أنَّ خلو هاتين النسختين من الصفحة الأولى، وكذلك من التسمية بالمقالة مما يؤنس بالعودة إلى التسمية الشهيرة للرسالة.

رابعًا– عند فحص محتوى هذه الرسالة، نجد عدمَ اقتصار مادتها على أسماء الأعضاء-  كما تدل عليه تسمية الجلبي ودبدوب، وإنْ شكَّل حديثُ أسماء الأعضاء الجزءَ الأعظمَ منها، كغيرها من مصنَّفات هذا المجال – وإنَّما فيها كذلك ألفاظٌ تدل على حالاتٍ معينةٍ للعضو، ومراحل عمر الإنسان ونموه، وصفاتٍ تخصُّه أو تخص بعضَ أعضائه، ومن ذلك:

  • قوله: (( وإذا قَلَّ شَعرُ الرَّأسِ، فهو: زَعَرٌ، فإذا تمَّ وَوَفَرَ فَهُو: أَفْرَعُ.)) فهذه من حالات الشَّعر، لا تسمية له، كما أنه من الواضح أن (الأفرع) يراد به الرجل المتصف بهذه الصفة.
  • قوله: (( ويكونُ ابنُ آدمَ طِفلًا رَضيعًا، ثمَّ فَطيمًا، ثمَّ يافعًا، ثمَّ حالِمًا حين يحتلم، ثمَّ طارًّا إذا طارَّ شاربُه، ثمَّ مجتمعًا، ثمَّ شيخًا، ثمَّ دالفًا إذا قارب الخطو.)) وهذه تخص مراحل عمر الإنسان لا أعضاءه.
  • قوله: (( والسِّناطُ: الذي ليس في عارضِيه من الشَّعر إلا قليلٌ. فإذا لم يكن في وَجهِه شَعرٌ فهو: أَثَطُّ)) والحديث هنا عن وصفين للإنسان في حالتين مختلفتين.

ومن الواضح أن هذه الحالات وتلك الصفات والمراحل مما لا يخضع لهذا العنوان البديل المُقتَصِر على أسماء الأعضاء بشكلٍ مباشرٍ، وإنما تنتمي أكثرَ لما عُرف عند العلماء بـ(خلق الإنسان)، فهو عنوانٌ عامٌّ يشمل الحديثَ عن الأعضاء، وغيرها، وهو الأولى في تسمية الرسالة المشتملة على ذلك المحتوى اللغوي.

خامسًا- بالرجوع إلى المجموع رقم (152) المشارِ إليه من قبلُ- والذي وردتْ فيه هذه الرسالةُ التي نَشَرَها دوادُ الجلبي بهذا الاسم- وبفحص عنوانات رسائله كما ورد في وصف المجموع لاحظتُ تكرارَ كلمة ( مقالة ) في صدر العديد منها، وطَالِع معي هذه العنوانات:

  1. الأرجوزة الكبرى في الطب، لابن سينا.
  2. أرجوزة في القضايا الخمس والعشرين، لأبقراط في الدلالة على الموت.
  3. الموجز في الطب، لعلاء بن النفيس.
  4. مقالة في إثبات فضائل النفس، لافلاطون التي سماها (عادات النفس)..
  5. مقالة في أسماء أعضاء الإنسان، لأبي الحسين أحمد بن فارس.

…..

  1. مقالتان أخريان.
  2. رسالة دعوة إلى الأطباء، للمختار بن بطلان البغدادي.

…..

  1. مقالة من كتاب الغودوش (لعله الفردوس)، في نوادر وحيل الأطباء.
  2. مقالة في أصل علم الطب وتعليمه وأمور حكمية من كتب الهند وفلاسفة الروم وغيرهم.

…..

  1. مقالة للمختار بن الحسن بن بطلان في مناقضات علي بن رضوان سماها: (المقالة المصرية).
  2. مقالة الشيخ أبي الحسن علي بن رضوان في أن ما علمه يقين وحكمة….
  3. رسالة أخرى، لعلي بن رضوان وضعها لأطباء مصر والقاهرة…. ([16])

فمن الواضح أن تسمية هذه الرسائل بتلك العنوانات كانتْ من عَمَلِ مُفهرِس المجموع القابع في مكتبة المدرسة الأحمدية. ويتضح ذلك أكثرَ من خلال عنونته الرسالة الرابعة بقوله: (مقالة في إثبات فضائل النفس، لافلاطون التي سماها (عادات النفس).. ) وانظر معي إلى قولِه: (التي سماها: عادات النفس)؛ الدالِ على أنَّ تسميتها بـ (مقالة كذا) من عمل المُفهرِس.

وانظر معي – كذلك- إلى قوله في الرسالة العاشرة: (مقالتان أخريان)؛ مما يدل على فَقْد الصفحة الأولى في كل منهما، وأن تسميتهما بالمقالتين من عمل مُفهرِس هذا المجموع. ومثلُ ذلك يقال في الرسالة الثالثة عشرة، التي ذَكَرَ أنها: ( مقالة من كتاب الغودوش (لعله الفردوس)، في نوادر وحيل الأطباء.) ولعلها جزءٌ من كتاب (فردوس الحكمة في الطب) ([17]) لأبي الحسن علي بن سهل ربن طبري؛ وهو ما يدل على أن تسمية هذا الجزء من الكتاب بالمقالة من عمل المُفهرِس كذلك.

سادسًا- يقوم هذا الدليل على ما يمكن تسميته بـ(البصمة التصنيفيَّة) – وهو قريب مما يُعرف في الدراسات الحديثة بالبصمة الأسلوبية- وأعني بها ما قد يتبعه المُصنِّفُ من أسلوبٍ أو طريقةٍ، سواءً في بدءِ مصنَّفاته أو خَتْمِها أو عنواناتها، مما قد يعدُّ سمةً تمييزيةً لما يَكتُبُ. ويمكن الاعتماد على هذه البصمة في نسبة بعض المصنَّفات إلى أصحابها، وبفحص هذه البصمة فيما يخص كثيرًا من مصنَّفات ابن فارس زاد يقيني أنَّ الرسالة التي بين أيدينا عنوانها الصحيح: (خلق الإنسان).

ففي أول الرسالة التي سمَّاها داود الجلبي وفيصل دبدوب (مقالة في أسماء أعضاء الإنسان) ما نصُّه: (( قال أبو الحسين أحمد بن فارس رحمه الله: هذا ما يجب حفظه على المرء من خلق الإنسان، فقد نرى من تعمق في غريب الكلام….))

فقد رأينا ابنَ فارس يورد عنوانَ رسالته صراحةً: (خلق الإنسان)، وهي سمةٌ تصنيفيةٌ نجدها في معظم ما كَتَبَ الشيخُ، بأن يذكر في صدارة ما يكتبُ العنوانَ صراحةً أو ما يشير إليه ضِمْنًا، وذلك بعد التقديم بذِكْر كنيته، واسمه، أو إضافة بعضًا من نَسَبِه، ومنه ما يأتي:

  • ورد في بداية مُصنَّفه ( مقالة كلا وما جاء منها في كتاب الله ) ما نصُّه: (( قال أبو الحسين بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب رحمه الله تعالى: هذه – أكرمك الله وأيديك ووفقك- مقالةٌ (كلا) ومعنى ما جاء من هذا الحرف في كتاب الله تعالى، واختلاف أهل العلم في موضوعه….))
  • وفي بداية مصنَّفه (أفراد كلمات القرآن) ورد: (( قال أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا رحمه الله: قد ذكرت في كتاب (جامع التأويل) عامةَ ما قاله المفسرون في معاني القرآن وتفسيره، مما أرجو أن ينفع الله – عز وجل- به، غير أني أَثْبَتُّ في هذه الورقات أفراد ألفاظٍ جاءت في كتاب الله – جل ثناؤه- تصلحُ للمذاكرة …))
  • ومصنَّفه (كتاب اللامات) ورد في بدايته: (( قال أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب أدام الله سعادته: سألَ سائلٌ عن (اللامات) التي جاءتْ في كتاب الله – تعالى- عن المفتوح منها، والمكسور…. ))
  • وورد في بداية مصنَّفه (كتاب المعاريض) ما نصُّه: (( قال أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا رحمه الله: سألتَ – أكرمك الله- عن المعاريض من الكلام، وكيف تكون، ومم اشتقاق لفظة التعريض؟..))
  • وفي بداية مصنَّفه (النيروز) ورد :(( قال الشيخ أبو الحسين أحمد بن فارس رحمه الله: سألتَ – أعزك الله- عن قول الناس: يوم النيروز، وهل هذه الكلمة عربية؟ وبأي شيء وزنها؟…))
  • وورد في بداية مصنَّفه (الثلاثة في اللغة) ما نصُّه:(( قال الشيخ أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا: هذا كتاب الثلاثة، وهو أنْ نذكرَ الكلمةَ مِن تصريفِها على ثلاثة أوجه..))
  • وفي بداية مصنَّفه (الإتباع والمزاوجة) ورد قوله:(( هذا كتاب (الإتباع والمزاوجة) وكلاهما من وجهين… )).

وأعلم أني أطلتُ في هذه القائمة؛ لكنَّها إطالةٌ قصدتُ من ورائها بيانَ قصديَّةِ ذكرِه اسم (خلق الإنسان) في صَدارةِ مُصنَّفه الذي بين أيدينا، على عادته بإثبات تسميات معظم مصنَّفاته في صدارتها.

أَضِف إلى ذلك ما خَتَمَ به ابنُ فارس رسالتَه هذه بقوله: (( هذا أوجز ما يقال في خلق الإنسان، والله أعلم بالصواب.)) وقد وجدتُ مثل هذا الختام- أيضًا- في بعض رسائله، ومنه على سبيل المثال:

  • قوله في نهاية (كتاب اللامات): (( فهذا ما حضر في هذا الباب، وإنما تحرينا ذكر اللامات التي جاءت في كتاب الله تعالى؛ لأن السائل سأل.))
  • قوله في نهاية رسالة (أوجز السير لخير البشر): (( فهذا أوجز ما أمكن من حديث مولده ومبعثه وأحواله صلى الله عليه وسلم…))
  • قوله في نهاية رسالة (أبيات الاستشهاد): (( فهذه جمعيةٌ لم أظفر بمثلها، فرحم الله من فهمها وحفظها، وأورد كلَّ بيتٍ في محله؛ ليجلَّ عند خِلِّه))

لعلك وصلتَ معي بعد هذا كله إلى صحة ما ذهبتُ إليه من أنَّ الرسالة التي بين أيدينا عنوانُها الصحيح هو (خلق الإنسان) لابن فارس، مُستعينًا في إثبات هذا الحكم بأبعاد أربعة: البعد التاريخي، من حيث اشتهارُ رسالة ابن فارس بهذا الاسم عند القدماء وكثيرٍ من المحدثين، وكذلك مشابهة تلك العنونة لما عُهِدَ عن مصنَّفات هذا المجال الدلالي. والبعد الذاتي، من حيث فحص صفحة العنوان ومحتوى الرسالة غير المُقتصَر فيه على أسماء الأعضاء، وكذلك فحص عنوانات رسائل المجموع الحاوي تلك الرسالة. والبعد التصنيفي، من خلال ذكر ابن فارس اسم الرسالة – أو ما يشير إليه- في صدارتها وخاتمتها، كعادته في كثير من مصنَّفاته. والبعد الإحالي، فقد ذَكَرَ – بمفهوم المخالفة- اسمَ هذه الرسالة في بداية رسالةٍ أخرى ذاتِ موضوعٍ مشابهٍ من حيث أساس المادة اللغوية، مختلِفٍ من حيث الهدف وتفصيلات المادة الواردة.  

وهكذا فقد حاولتْ سطورُ هذا المقال إزالةَ واحدٍ من أوهام المعاصرين في قراءة تراثنا العربي من خلال تصحيح عنوان رسالة (خلق الإنسان) لابن فارس. سائلًا المولى التوفيق والسداد.

=========================

[1])) الصفحات من (110) إلى (116).

[2])) ينظر: مخطوطات الموصل (33) داود الجلبي، مطبعة الفرات- بغداد، 1346ه-1927م

[3])) تاريخ الأدب العربي (2/267) بروكلمان، نقله إلى العربية د. عبد الحليم النجار، دار المعارف- مصر، ط رابعة، 1959م

[4])) الصفحات من (235) إلى (254)، وطٌبعت منفردة ضمن مطبوعات المجمع في العام ذاته.

[5])) ينظر: مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق مجلد 42 جزء 2 ص (244).

[6])) منهم: د. محمد صلاح الدين الكواكبي في مقالات (نظرة عيان وتبيان في مقالة أسماء أعضاء الإنسان) المنشورة تباعا بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، مج 42، ج 3، 4 سنة 1967م ص 703 و د. عبد الله بن عبد العزيز الوقيت في بحثه (مؤلفات خلق الإنسان دراسة وصفية تاريخية) المنشور بمجلة كلية اللغة العربية بأسيوط جامعة الأزهر، العدد الثالث والثلاثون، الجزء الخامس، لسنة 2014 صفحة (3309).

[7])) ينظر على الترتيب: إرشاد الأريب (1/412)، ومعجم الأدباء (412)، وبغية الوعاة (1/352)، وطبقات المفسرين (1/61)، وكشف الظنون (722)، وهدية العارفين (1/68)، ومقدمة تحقيق مقاييس اللغة (1/29)، ومقدمة تحقيق الفرق (29)، ومعجم المعاجم (97)

[8])) ينظر: مصنفات اللغويين العرب في خَلْق الإنسان، للدكتور/ إحسان النص، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد الثالث والسبعين، الجزء الثاني، ص 220، سنة 1419ه

[9])) طبعه المجمع العلمي العراقي بتحقيق د. إبراهيم السامرائي، 1382هـ- 1963م، وهو مستل من مجلة المجمع المجلد العاشر.

[10])) حققه وعلق عليه: خضر عواد العكل، ونشرته: دار عمار- عمان، ودار الجيل- بيروت، 1411ه- 1991م

[11])) للمزيد ينظر: معجم المعاجم (93 وما بعدها)، والمعجم العربي نشأته وتطوره (1/106 وما بعدها)

[12])) نشرها عبد العزيز الميمني ضمن (ثلاث رسائل) طبع في المكتبة السلفية عام 1387ه من صفحة 5 إلى 16.

[13])) حققها وقدم لها د. أحمد خان، ونشرها في مجلة المور العراقية، المجلد الثاني، العدد الثاني، عام 1983م من ص 81 إلى ص 108.

[14])) كتاب استعارة أعضاء الإنسان (85)

[15])) اجتهدتُ في الوصول إلى نسخة المدرسة الأحمدية بالموصل دون فائدة، وأخبرني بعضهم بأن الأعمال التخريبية الأخيرة التي شنتها داعش دمرت خلالها الكثير من محتويات تلك المخطوطات.

[16])) ينظر: مخطوطات الموصل (33، 34).

[17])) اعتنى بنسخه وتصحيحه من نسخة برلين والموزة البريطانية وغوتا ونسخة حكيم خواجة كمال الدين د. محمد زبير الصديقي، وطبع في مطبعة (آفتاب) ببرلين، سنة 1928م

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu