شبهات لغوية حول القرآن [2]. بقلم أ.د/ إبراهيم عوض
المفكر الإسلامي وأستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب- جامعة عين شمس. (تم النشر بإذن من سيادته))
يكمل الأستاذ الدكتور/ إبراهيم عوض تفنيد الشبهات([1]) التي أوردها (عبد الله عبد الفادي) في كتابه الصادر بعنوان “هل القرآن معصوم؟ ” في النمسا سنة 1994م
الشبهة:
يقول الكاتب النزق (ص 107) إن في نصب “الظالمين” في قوله تعالى في الآية الرابعة والعشرين بعد المائة من سورة “البقرة”: “قال (أي الله لإبراهيم) : لا ينال عهدي الظالمين” خطأ لأنها فاعل، فكان يجب أن يقال: “لا ينال عهدي الظالمون”.
الرد:
وقد قال علماؤنا القدامى في تفسيرهم لهذه الآية إن هناك قراءتين: إحداهما هي هذه التي بين أيدينا، والأخرى بالرفع، ووجّهوا ذلك قائلين إن المعنيين متقاربان لأن كل ما نِلْتَه فقد نالك.
وقد لاحظتُ أن بعض الآيات التي وَرَد فيها هذا الفعل قد وردت على نحو آيتنا هذه، وبعضها الآخر بالعكس. ومن الأخيرة قوله تعالى: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} ، وقوله: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا
تُحِبُّونَ} ، ومن الأولى قوله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} . وقد يصح أن نذكر هنا أيضاً قوله تعالى على لسان زكريا في حديثه عن تقدمه في السن في الآية 40 من “آل عمران” والآية 8 من “مريم” على الترتيب: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} ، {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} حيث أتى الضمير العائد على زكريا عليه السلام في الأولى مفعولاً به و”الكبر” فاعلاً، وفي الثانية فاعلاً، و”الكِبَر” متعلقاً بالمفعول به. وفي كل من التركيبين نكتة خاصة، إذ توحي الأولى بأنه قد قطع الشوط الأكبر من مسيرة الحياة، على حين تومئ الثانية بأن الكبر يطارده ويسعى إلى اللحاق به، بينما يحاول هو فَوْتَه، لكن الكبر يدركه في نهاية المطاف.
وعودةً إلى آيتنا نقول إن “العهد” المذكور في الآية قد تمً بين الله سبحانه وإبراهيم عليه السلام وانتهى الأمر، فلم يعد ثمة مجال للقول بأن ذرية إبراهيم يمكن أن تدركه أو لا تدركه، لكن من الممكن القول مع ذلك بأنه يصدق على بعضهم ولا يصدق على بعضهم الآخر حسب استحقاقهم ذلك أو عدمه. أي أن معنى الآية:
“لا يَصْدُق عهدي على الظالمين من ذريتك”. وهذا هو الوجه الذي أختاره، وإن كنت لا أقلّل من شأن ما قاله علماؤنا رحمهم الله.
وبهذا التركيب وردت الآيات التالية: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} ، {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} ، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . وبه أيضاً وردت الجملتان التاليتان في الكتاب المقدس عند اليهود والنصارى: “لذلك نالتنا هذه الشدة”، “لم يَنَلْكم من قِبَلنا خسرانٌ في شيء”.
وقد رجعتُ، رغم ذلك كله، إلى عدد من المعاجم التي ألفها نصارى لأرى ماذا تقول عن هذا الفعل، فوجدتُ “البستان” و”الوافي” لعبد الله البستاني، و”المنجد” المشهور، و”الرائد” لجبران مسعود تقول جميعاً في مادة “ن ى ل”: “نالني من فلان معروف”، أي وصل إلىَّ منه معروف. وفي “مَدَّ القاموس” لإدوارد وليم لين (Edward William Lane) في المادة ذاتها أن من معاني
الفعل “نال”: “It reached him, came to him”، بمعنى “وصل إليه”، أي أن هذا الفعل يقع كذلك من الشيء على الشخص كما تفيد العبارة الإنجليزية بكل جلاء. وأحسب بعد ذلك كله أنه ينبغي على الجهلة أن يخرسوا ولا يفتحوا فمهم بكلمة!
=====================
([1]) جزء من كتاب (عصمة القرآن الكريم وجهالات المبشرين) أ.د/ إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، 2005م