حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

(العربيــة فخــــر اللغــات وأسمـــاها) [الحلقة العاشرة] بقلم أ.د/ عبد التواب الأكرت

أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم السابق بكلية اللغة العربية بالقاهرة ومقرر اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر

تابع/ اللغة الفارسية

الوصف والتحليل:

1ـ تتكون الأبجدية الفارسية الحديثة من ثلاثة وثلاثين حرفا منها تسعة وعشرين حرفا عربيا وهي : [ ا ء ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك  ل م ن و هـ ي ] ، بالإضافة إلى أربعة حروف فارسية هي : [ پ ، چ ، ژ ، گ ] ، وبناء على ذلك ، فإن الأبجدية الفارسية تأخذ هيئة رموز الألفباء العربية ، وخصائصها المرئية ، كما أنها تكتب من اليمين إلى اليسار مثل العربية ، وتتفق رموز الأبجدية الفارسية مع رموز الأبجدية العربية أيضـًا في مواضع الكتابة ، حيث ترد في بداية الكلمة ، أو في وسطها ، أو في آخرها متصلة أو منفصلة عن الرموز المجاورة لها ، ما عدا حرفا واحدا تتميز به الفارسية وهو حرف الهمزة الذي يرد في وسط الكلمة وآخرها فقط ، أما إذا ورد في أول الكلمة فإنه ينطق ولا يكتب مثل همزة الوصل العربية .

2ـ تميل اللغة الفارسية إلى السهولة في نطق الصوت الأسهل ، ولذلك نجد فيها مجموعة من الحروف المتقاربة في النطق ، فينطق الحرفان المتقاربان بأسهلهما نطقا ، فنجد الهمزة والعين ينطقان همزة ، والتاء والطاء ينطقان تاءً ، والثاء والسين والصاد ينطقان سينا ، والحاء والهاء ينطقان هاءً ، والقاف والغين ينطقان غينا ، والزاي والذال والضاد والظاء ينطقون زايا ، كما أن هناك أصواتا تنطق بطريقة مغايرة للصوت الأصلي المكتوب مثل صوت الواو الذي ينطق كحرف [ V ] في اللغة الإنجليزية إذا كانت متحركة ، ولا تنطق إذا وقعت بين حرفي الخاء والألف أو الخاء والياء وتسمى الواو المعدولة مثل : خواب [ النوم ] وتنطق [ خاب ] ، خواهر [ الأخت ] وتنطق خاهر .

3ـ عرفت الفارسية أيضـًا الأصوات المكررة حيث نجد فيها صوت الباء الذي يتخذ صورتين هما الباء العربية [ ب ] ، والباء الفارسية المثلثة [ پ ] مع ملاحظة أن الأول مجهور والثاني مهموس ، وكذلك صوت الجيم الذي يتخذ صورتين هما الجيم العربية [ ج ] ، والجيم الفارسية المثلثة [ چ ] ، مع ملاحظة أن الصوت الأول يعتبر من الصوامت المركبة أو المزجية في اللغة الفارسية ، لأنه يتكون من صوتين امتزجا معا أولهما وقفي ، وثانيهما احتكاكي ، وبناء على ذلك فإن الفارسية عرفت الأصوات المركبة من صوتين ، ولم تقتصر على الأصوات المفردة كالعربية .

4ـ نلاحظ غيابا تاما لبعض الأصوات اللغوية والتي عوِّض عنها بنطقها بصوت مقارب لتلك الأصوات مثل العين التي تنطق همزة ، والطاء التي تنطق تاءً ، والحاء التي تنطق هاءً ، والصاد والثاء التي تنطق سينا ، والقاف التي تنطق غينا ، والضاد والظاء والذال التي تنطق زايا ……..

وهذه الأصوات عرفتها الفارسية من خلال مفرداتها العربية التي استعملتها الفارسية كما هي لكنها لم تستطع نطقها بالطريقة العربية فمالت إلى أقرب الأصوات إليها ، ومن ثم فإن الأبجدية الفارسية عجزت عن استعمال بعض الأصوات العربية بشكل صريح وتام بمخارجها وصفاتها اللغوية .

5ـ اعتمدت اللغة الفارسية على الرسم العربي للرموز الصوتية التي تكتب من اليمين إلى اليسار في وحدات صوتية متشابكة ومتصلة تؤدى لمعنى لا علاقة له بالوحدات الصوتية المكونة له ، أي أنه لا علاقة بين المبنى اللفظي والمعنى الموضوع له ، كما تأثرت رموز اللغة الفارسية بالعربية في ورودها في أول الكلام أو وسطه أو آخره .

” كما أن الفرس لم يكتفوا باستخدام الحروف العربية في الكتابة ، بل أخذوا عن العرب طرق الخط والتهذيب ، فابتكروا نوعا جديدا من أنواع الخط الكوفي الذي تظهر فيه مدات الحروف أكثر وضوحا ، وسُمّي بالكوفي الإيراني الذي يرى في المصاحف السلجوقية خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين ، كما أوجدوا خطا آخر ، وهو خط التعليق خلال القرن السادس الهجري ، وهناك خط آخر هو خط النستعليق الذي أسس على يد مير علي تبريزي أعظم أساتذة الخط في القرن السادس الهجري وأبرزهم ، ويتكون هذا الخط من خطي النسخ والتعليق ، وأصبح فيما بعد من أكثر الخطوط شيوعا ، ونتج عن خلط كل من خطي الكوفي والنستعليق خط ثالث يسمى بـ ” شكسته ” . ([1]) .      

6ـ عرفت الفارسية التاء المفتوحة والتاء المربوطة تأثرا باللغة العربية ، واحتفظت بالتاء المربوطة في الأعلام فقط مثل : فاطمة ، خليفة ، أما في غير ذلك فإنه تقلب التاء المربوطة إلى تاء مفتوحة مثل سعادت [ السعادة ] ،        [ حكومت [ الحكومة ] .  

7ـ عرفت اللغة الفارسية ظاهرة الإبدال الصوتي بسبب التقارب الشديد بين مخارج الأصوات فمثلا عند تجاور صوت الباء الشفتائي مع صوت النون الأنفي يتم إبدال صوت النون ميمـًا في النطق مثل كلمة شنبه التي تنطق شمبه sâmbe [ يوم السبت ] ، ومثل كلمة بن بست التي تنطق بم بست bombast [ سد ، مانع ] ، ولقد تناول سيبويه أيضـًا في باب اطراد الإبدال في الفارسية مسألة الحرف الذي لا يوجد في لغة الفرس ونطقهم لذلك الصوت بأقرب حرف له في المخرج في لغتهم الأم ، فيقول :

” يبدلون من الحرف الذي بين الكاف والجيم: الجيم ، لقربها منها ، ولم يكن من إبدالها بُدٌ ؛ لأنها ليست من حروفهم ، وذلك نحو: الجُربُزِ، والآجُرّ، والجَوْرَب ، وربما أبدلوا القاف لأنها قريبة أيضـًا، قال بعضهم: قُرْبُزٌ ، وقالوا: كُرْبَقٌ ، وقُُرْبَقٌ.

   ويبدلون مكان آخر الحرف الذي لا يثبت في كلامهم، إذا وصلوا الجيمَ وذلك نحو: كُوسَهْ ، ومُوزَهْ ؛ لأن هذه الحروف تُبدل وتحذف في كلام الفرس ، همزةً مرةً وياءً مرةً أخرى ، فلما كان هذا الآخِر لا يشبه أواخرَ كلامهم صار بمنزلة حرفٍ ليس من حروفهم وأبدلوا الجيم ، لأن الجيم قريبة من الياء ، وهي من حروف البدل .

   والهاء قد تشبه الياء ، ولأن الياء أيضـًا قد تقع آخِرةً ، فلما كان كذلك أبدلوها منها كما أبدلوها من الكاف ، وجعلوا الجيم أولى لأنها قد أبدلت من الحرف الأعجمي إلى بين الكاف والجيم ، فكانوا عليها أمضى.

   وربما أدخلت القاف عليها كما أدخلت عليها في الأول ، فأُشرك بينهما ، وقال بعضهم: كَوْسَقٌ ، وقالوا: كُرْبَقٌ ، وقالوا قُُرْبَقٌ…

   فالبدل مطرد في كل حرف ليس من حروفهم ، يبدل منه ما قرب منه من حروف الأعجمية ” ([2]) .

   بل أن هذه الظاهرة الصوتية قد تطورت في الفارسية إلى شكل آخر بحيث يتم قلب أحد الأصوات إلى صوت آخر نطقا وكتابة وذلك يتم عندما يتكرر صوت الحركة الطويلة [ ي ] في كلمة واحدة وخاصة إذا كان التكرار في آخرها ، فيقلب الصوت الأول إلى همزة بحجة أن الإيرانيين لا يقبلون تجاور صائتين مثل كلمة زيبائي zibâii [ جمال ] فتكتب  zibâ?i ، ومثل كلمة روستائيان rustâ?yyn [ قرويون ] فتكتب rustâ?yân ([3]) .

كما أن الإيرانيين يستخدمون بعض الرموز الصامتة للفصل بين أي صائتين يردان في الكلمة الفارسية لأن لغتهم لا تقبل التقاء هذين الصائتين ، مع الاحتفاظ بنطق جميع أصوات الكلمة قبل وبعد إضافة هذه الرموز ، ومن رموز الوقاية تلك [ y ،  dj،?  ، g ] فعلى سبيل علامة الجمع في الفارسية هي اللاحقة     [ ات / ât  ] فإذا أرادوا جمع كلمة مفردة مثل روزنامه ruznâme [ صحيفة ، جريدة ] فعند إضافة اللاحقة [ ât ] تصبح الكلمة ruznâmt ، وهنا يلتقي صامتان الكسرة الخفيفة مع الألف الطويلة ، لذلك يتم الفصل برمز صامت وهو [ dj ] فتكتب الكلمة روزنامجات  ruznâmedjât[ صحف ، جرائد ] .   

8ـ تفخم جميع الرموز التي تسبق صوت الألف في اللغة الفارسية مثل :

خاوارxâvar  [ شرق ، مشرق ] ، شلوار šalvâr [ بنطلون ] .

9- عرفت الفارسية التضعيف أو الإدغام بتكرار الصوت مثل : خرّم xorram [ سعيد ، مسرور ] ، كرّه korre [ صغير الجياد ] .

10- يوجد نوع واحد من التنوين في اللغة الفارسية ، هو التنوين العربي المعروف بتنوين الفتح ، وتقتصر هذه الظاهرة الصوتية على بعض المفردات المأخوذة من اللغة العربية مثل : معمولاً ma?mulan [ عادة ] ، حقيقتاً haqiqatan [ حقيقةً ] ، بغتتاً  baξtatan[ فجأةً ] ([4]) .

11- عرفت الفارسية الحركات أو الصوائت العربية من خلال الحركات القصيرة وهي :

 1- الفتحة القصيرة [a  ] مثل: در dar [ باب ] .

2- الكسرة القصيرة [ e ] مثل: به be [ إلى ، في ] .

3- الضمة القصيرة [ o ] مثل: مفت moft [ مجاني ] .

 كما عرفت حركات المد العربية من خلال :

1- [ الفتحة الطويلة [ الألف / â ] مثل: خار   xâr[ شوكة ] .

2- الكسرة الطويلة [ الياء / i ] مثل : زير zir  [ تحت ، أسفل ] .

3- الضمة الطويلة [ الواو/ u ] مثل : سوز suz [ حرارة ، التهاب ، غيرة ].

12- تنقسم المقاطع الصوتية في اللغة الفارسية إلى :

 1- قصير مفتوح مثل الموجود بكلمة كمك komak [ مساعدة ] ، ويعتبر المقطع الصوتي في الفارسية قصيرا إذا كانت الرموز الصوتية المكونة له لا تتعدى اثنين ، حيث يبدأ بصوت صامت ، وينتهي عادة بصوت صائت قصير ، وسُمِّي مفتوحا لأنه انتهى بصائت .

2- متوسط مغلق مثل كلمة شب šab [ ليل ] ، يكـ yek [ واحد ] وهنا نلاحظ أن هذا النوع من المقاطع له صورتان :

الأولى [ صامت + صائت قصير + صامت ] مثل كلمة  šab[ b /  a/  š ]    

الثانية [ صائت قصير + صامت ] مثل كلمة  yek[  k/  ye]   

3- طويل مغلق مثل كلمة رفت raft [ ذهب ، ذهاب ] ، والمقطع الطويل يتكون من أربعة رموز بشرط أن يتضمن صائتًا قصيرًا يتبعه صامتان متتاليان ، فالمثال السابق يتكون من [ صامت r + صائت قصير a + صامت f       + صامت t ] ، وسُمِّي طويلا لأنه يتكون من أربعة رموز ، ومغلقا لأنه ينتهي بصوت صامت وليس متحركا ، أما إذا تكون المقطع من ثلاثة رموز مرئية متضمنًا إحدى الصوائت الطويلة مثل [ i ، u ، â ] فإن عدد أصواته أربعة وليس ثلاثة لأن الصوت الطويل يعادل صائتين قصيرين مثل كلمة باز baaz  [ مفتوح ، مكشوف ] .    

   ونلاحظ أن اللغة الفارسية لا يوجد بها كلمة مكونة من مقطع صوتي واحد ، ومن ثم فإن أقل عدد للمقاطع الصوتية المكونة للكلمة في الفارسية هو مقطعين ،                                                    كما أن المقطع الصوتي في الفارسية لابد أن يبدأ بصامت ، كما أنه لا يتتابع صوتان صائتان في مقطع فارسي واحد ، ويمكن أن يتتابع صامتان فإذا تتابعا فإن الصامت الثاني يجب أن يكون بداية لمقطع آخر جديد مثل كلمة دختر doxtar [ بنت ] فهي عبارة عن مقطعين هما [ dox و tar] بسبب تتابع الصامت [ x ] والصامت [ t ] ([5]) .

====================

([1]) العوامل المؤثرة في تطور اللغة الفارسية . م مساعد . إياد محمد حسين . مجلة مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية . المجلد 3 . العدد الأول 2013م . ص 276 ـ277 .

([2]) الكتاب . لسيبويه .الجزء الرابع . ط . الثانية 1982م . مكتبة الخانجي بالقاهرة  . ص 305 .

([3]) قواعد اللغة الفارسية المعاصرة . مرجع سابق . ص 40 بتصرف .

([4]) السابق من ص 39 – 41 بتصرف .

([5]) السابق من ص 41 – 43 بتصرف .

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu