حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

الفروق الدلالية عند ابن القيم [20] العلم والمعرفة.. بقلم أ.د/ أحمد علي ربيع

أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم بكلية الدراسات العليا ووكيل كلية اللغة العربية بالقاهرة السابق

العلم والمعرفة:

فرق ابن القيم بين المعرفة والعلم من خمسة وجوه:

الأول: أن المعرفة لب العلم، ونسبة العلم إليها كنسبة الإيمان إلى الإحسان، وهي علم خاص, متعلقها أخفى من متعلق العلم وأدق.

الثاني: أن المعرفة هي العلم الذي يراعيه صاحبه بموجبه ومقتضاه، فهي علم تتصل به الرعاية.

الثالث: أن المعرفة شاهد لنفسها, وهي بمنزلة الأمور الوجدانية التي لا يمكن لصاحبها أن يشك فيها ولا ينتقل عنها. وكشف المعرفة أتم من كشف العلم”[1].

الرابع: أن المعرفة تتعلق بذات الشيء والعلم يتعلق بأحواله، فالمعرفة حضور صورة الشيء ومثاله العلمي في النفس، والعلم حضور أحواله وصفاته.

الخامس: أن المعرفة – في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه، فإذا أدركه قيل عرفه، وضدها الإنكار, أما العلم بالشيء فيكون ابتداء, وضده الجهل.

وهناك فرق سادس قريب من الرابع ذكره ابن القيمِّ، وهو أن المعرفة تفيد تمييز المعروف من غيره، والعلم يفيد تمييز ما يوصف به المعروف عن غيره.

وهناك الفرق الذي ذكره أبو هلال وحكاه ابن القيمِّ, وهو أن المعرفة علم بعين الشيء مفصلاً عما سواه بعكس العلم الذي يفيد تحصيل الشيء مجملاً.

هذا بالنسبة للفروق المعنوية, أما بالنسبة للفروق اللفظية فإن المعرفة ينصب فعلها مفعولاً واحداً أما العلم فينصب مفعولين, وبالتالي يصح أن تقول عرفت زيداً ولا يصح أن تقول علمت زيداً لنقص الجملة وعدم تمامها، فتقول علمته كريماً أو شجاعاً أو غير ذلك[2].

فالمعرفة – كما يراها ابن القيم – أخص من العلم لأنها لبه وحقيقته ولأن نسبتها إليه نسبة الخاص إلى العام, وأنه نوع خاص من العلم يحاط من جانب صاحبه بالرعاية والاهتمام، وأن دلائلها داخلها وليست أموراً عينية. كذلك رآها جمهور اللغويين أخص من العلم, فإن كان العلم إدراكاً للشيء فالمعرفة إدراك بتفكر وتدبر لأثره, فيقال فلان يعرف الله, لأن المعرفة تستلزم تدبراً وتأملاً لآثاره دون إدراك ذاته, ولا يقال فلان يعلم الله إذا كان علم متعدياً لمفعول واحد[3].

ويؤكد أبو هلال أن المعرفة أخص لأنها علم بعين الشيء مفصلاً عما سواه، والعلم يكون مفصلاً ومجملاً, فكل معرفة علم وليس ككل علم معرفة[4].

وقريب من هذا ما أشار إليه الكفوي بقوله: “والعلم يقال لإدراك الكلي أو المركب, والمعرفة تقال لإدراك الجزئي أو البسيط, وكذلك يستعمل العلم في المحل الذي يحصل العلم لا بواسطة, والعرفان يستعمل في المحل الذي يحصل العلم بواسطة الكسب, ولهذا يقال الله عالم ولا يقال عارف”[5].

فهناك إذن مجموعة من الملامح تميز كلاً منهما من صاحبه, وهي كما يلي:

فملامح المعرفة هي:

1- أن المعرفة لب العلم.           

2- أنها نوع العلم المرعي من صاحبه.

3- أنها تحتاج إلى تأمل وتفكر.          

4- أن المعرفة لإدراك الجزئي أو البسيط.

5- أنها تدرك بواسطة.                                       

6- أنها ضد الانكسار.

7- أنها نوع من العلم, بحقيقة الشيء مفصلاً عما سواه.

وملامح العلم:

1- أنه يفيد مطلق الإدراك.                           

2- لا يحتاج إلى تدبر وتأمل.

3- أنه علم تحقيقه الشيء مجملاً ومفصلاً.  

4- أنه علم لإدراك الكلي والمركب.

5- أنه لا يتطلب في تحصيله الواسطة.               

6- أنه ضد الجهل.

ومن هنا ينتفي ما قاله صاحب معجم الفروق الدلالية, حيث يزعم أن المعرفة أعم من العلم واليقين, يفهم ذلك من قوله: “والملمح للمعرفة هو أنها أعم هذه الألفاظ, فهي مجرد إدراك الشيء, ويسبقها جهل”!![6]. ويقول أيضاً: “فالمعرفة أعم هذه الألفاظ, والعلم أخص من المعرفة, لأنه معرفة الشيء بحقيقته ودليله”[7]. وقد أسند القول الأخير إلى الراغب في مفرداته، غير أن الراغب قد عرف العلم بأنه إدراك الشيء بحقيقته فقط، وكلمة ودليله إضافة من المؤلف, وليست للراغب, كما أن المعرفة ليست إدراكاً فقط كما قال, بل إدراك وتفكر وتدبر لأثر الشيء فهي نوع مخصوص من الإدراك, وهذا ما قاله العلماء.

======================

[1] مدارج المساكين 2/443 والضوء المنير 2/441

[2] مدارج المساكين 3/341 , 351 , 316

[3] المفردات ص 334

[4] الفروق اللغوية ص 81

[5] الكليات ص 613

[6] معجم الفاروق الدلالية ص 345

[7] السابق ص 334

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu