بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية أ.د/ عبد التواب الأكرت يكتب: (العربيــة فخــــر اللغــات وأسمـــاها) [مقدمة]
أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم السابق بكلية اللغة العربية بالقاهرة ومقرر اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر
الحمدُ للهِ الذي فَضَّـل اللغة العربية على سائر اللغات ، وعدَّد منها الفروع واللهجات ، واختارها لغةً لكتابه الكريم ، فأنزله بلسان عربي مبين ، والصلاة والسلام على خير الأنام ، أفضل من نطق بلغة الضاد ، واتصف بالصادق الأمين بين العباد ، وعلى آله مصابيح الهدى واليقين ، وأصحابه حملة القرآن وعلوم الدين ، والتابعين ، ومن تبعهم ، وصار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعـد :
فإن الهدف الأساسي من هذه الدراسة ، ومن هذا الطرح ؛ هو كشف سمات وخصائص لغتنا العربية ، التي تميزت بها ، وتفردت عن غيرها من اللغات الأخرى ، سواء تلك اللغات التي تشترك معها في الجذر السامي ، أو تلك اللغات التي تنتمي لجذر لغوي آخر .
إن الاقتراب من اللغة العربية ، ومحاولة كشف سماتها وخصائصها التي تميزها ، يُعـدُّ مغامرة بحثية شاقة ، ولكنها تبدو ضرورية وممتعة في الوقت نفسه ، ذلك أن لغتنا العربية تواجه كل يوم الكثير من التحديات التي تحاول طمس هويتها ، والنيل منها ، وهنا تكمن الضرورة ، أما المتعة والمشقة فتكمن في التوغل في بحورها واستخلاص سماتها ، فتجد نفسك أمام لغة من نمط فريد ، ومن طراز خاص ، تفيض عطاءً ولا تنضب ، ملأت الأسماعَ عبر العصور المختلفة ، انشغل بها أبناؤها وأعداؤها ، فريق ينتصف ، وفريق ينتقص ، وبين الهجوم عليها والدفاع عنها ، نجد أنفسنا أمام لغة تشبه التربة الخصبة التي تجاوزت كل مراحل العقم والجمود ، واستطاعت أن تثمـر عبر حقول الأصالة والنضج والابتكار وأن تواكب متطلبات العصور المختلفة ، وأن تبقى ولا تفنى، وأن تحطم كل قيود المرونة وأغلال التطور ، وأن تنأى بنفسها عن كل أنواع الركود والجمود .
إن الدفاع عن اللغة العربية واجب ديني في المقام الأول ، اسأل الله أن ينفعنا جميعا بأجره ، ولا أدَّعي أنني أول من يخوض هذا المضمار ، أو أنني أول من يطرق هذا الباب ، فقد كثرت من حولها الدراسات المختلفة وتعددت الرؤى ، وتنوعت المواقف والاتجاهات ، إلا أنني أحاول – بقدر الإمكان – استكمال منهج من سبقني ، والسير على خطاهم ، مستنيرا بآرائهم مسترشدا بعلمهم .
وكلما توغل الباحث في دراسة العربية ، شَعَرَ بأنها تطرح مجالا جديدا للبحث والتنقيب عن أسرارها ، فقد أكثرت العربية من العطاء الوافر ، وتنوعت صوره ، وتعددت أبعاده وملامحه ، ومن ثم وَجَبَ عَلَيَّ أن أدلو بدلوي في بئر أسرارها ، لعليَّ أجد فيه ما يستحق أن يُطرح على بساط البحث ومسرح الدراسة .
فعبر سطور هذا البحث سنحاول أن نكشف بعض أسرار العربية ، وأن نسرد ونعدد خصائصها اللغوية المميزة ، وقد اعتمدت في طريقة المعالجة على المنهج المقارن ، والدراسة النقدية التقابلية بين مجموعة من اللغات المختلفة ، وكان محور المقارنة هو المستوى الصوتي ، لأنه يعدُّ أهم المظاهر اللغوية وأساسها ، متمنيًا من الله العون والسداد ، راجيا إكمال بقية المظاهر اللغوية الأخرى كالمستوى الصرفي والنحوي والبلاغي – إن طال العمر- ووجدت نفسي في بداية البحث مضطرا للحديث عن اللغة العربية من حيث منزلتها الأدبية ، التي تجعلنا نحتفي بها ونزود عنها ، ثم تناولت موقف كل من علماء العرب والمستشرقين ونظرتهم للعربية ، ثم تحدثت عن الجانب الصوتي ، ثم بدأتُ الدراسة التحليلية المقارنة بين اللغات المختارة .
والله اسأل أن يجنبني الذلل ، وأن ينفع بهذه الدراسة ، وأن يغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .