حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية.. ملف العربية في عيون دارسيها من العرب وغيرهم [الحلقة الأولى] إعداد أ/ ابتهال سامي

– نشهد في هذا الشهر ذكرى الاحتفال بلغتنا الشريفة المكرمة فيما تقرر اعتباره في يوم 18 من ديسمبر، فيما يعرف بـ” اليوم العالمي للغة العربية”؛ إذ تعد اللغة العربية من أوسع اللغات انتشارا، وأعظمها بيانا، وقد حباها الله تشريفا وتكريما بأن جعلها لغة كلامه المقدس المتعبد به، المعهود بحفظه ، قال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) [الشعراء 192- 195] وقال تعالى :(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:٩].

وقد سخر الله لهذه اللغة من المقومات ما يجعلها لغة متداولة بين البلدان، ويزداد الاهتمام بها ويظهر علماؤها على مر العصور والأزمان، فقدر لها أن يجعل لها يوم عالمي للاحتفاء بها حيث أنها جعلت ضمن اللغات الست الرسمية للأمم المتحدة ، « ففي إطار دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة، اعتمدت إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي — عُرفت سابقا باسم إدارة شؤون الإعلام — قرارا عشية الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم بالاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. وبناء عليه، تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 كانون الأول/ديسمبر كونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة 3190(د-28) المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1973 المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.

والغرض من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة (1) » .

* وإذا ما أردنا الحديث عن العربية وأسرارها وما يكشف عن هذه اللغة ودررها، لا تسعفنا السطور ولا تكفينا الشهور للبحث في المغمور أو عرض المشهور ، فما زالت الدراسات قائمة تبحث عن مكنونها وتكشف عن جمالها وشرفها .

– إنها حقا لغة شريفة ، لغة ولود، كتب لها البقاء وعرف عنها النقاء بدءا من أصواتها وحتى مزج تراكيبها وأساليبها .

وإنه ليشهد لها أهلها وغيرهم من أصحاب اللغات الأخرى، فنجد الكثير منهم مفتونين بها حريصين على الغور في أعماقها، وهاك نماذج من رؤية بعض الدارسين لها :

يقول الطالب : محمد فردوس بن نصرون بن شافعي (ماليزي الجنسية ، درس التفسير في كلية أصول الدين – جامعة الأزهر):

(( هذه فرصة لا يضيعها من له حب وعلاقة باللغة العربية فإني سأقول مما في ضميري منذ عشر سنوات تعلمتها وأنا ماليزي عجمي.

إن اللغة العربية أقرب سائر لغات الدنيا إلى قواعد المنطق بحيث إن عباراتها سلسلة طبيعية والناطق يعبر فيها عما يريده من غير تكلف. وكنت معتزلا حينا في انكشاف معناها حتى رأيت في لغتي – اللغة المَلَايُوية – أن قولنا : ما اسمك يعبر بمَن، ومن موضوعة لذي عقل ، فتحير عقلي أهو يسأل عن الاسم أو مسماه – وأن الجواب بزيدٍ أي اسمه – ؟ وليس هناك قرينة إن أريد به مجاز .

ولنعلم أن بعض الأعاجم الذين عرفوا اللغتين اعترفوا بأن العربية أرقى مكانة وألطف مسالك ، فقال ابن جني في الخصائص : “إنا نسأل علماء العربية ممن أصله أعجمي وقد تدرب قبل استعرابه عن حال اللغتين فلا يجمع بينهما بل لا يكاد يقبل السؤال عن ذلك لبعده في نفسه وتقدم لطف العربية في رأيه وحسه . سألت غير مرة أبا علي عن ذلك فكان جوابه عنه نحوا مما حكيته”

وللعربية تأثير في لغتي عظيم. فمن أعظمه أن اللغة الملايوية مكتوبة بالألفاظ العربية فستجد أنت العربيُّ كلمة عربية ومع ذلك لا تفهمها. ونحن نسميها بالكتابة الجاوِيَة. فنقول : بُوْكُوْ مثلا للكتاب فكانت عربيةَ الألفاظ ملايويةَ المعاني. وأنا جازم بأن كثيرا من اللغات قد تأثرت بهذه اللغة الراقية من بلاغيات تراكيب الكلم وفصاحتها وحقيقتها ومجازها ومحسناتها وغير ذلك فاستعملوها بتبديل يسير وسلكوا طريقة العرب في اقتباسهم . قال ابن جني : والناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ.

وأظهر وأشهر خصائصها غزارة المادة وفصاحة كلماتها وتصرفها إلى المصدر واسمي الفاعل والمفعول والمفرد والمثنى والجمع وغير ذلك . ومما تفردت هذه اللغة هي المثنى وجمع التكسير فلا فارسية ولا إنكليزية ولا ألمانية تشترك في ذلك . ومع إعجابهم بفصاحة لغتهم وعلمهم بكثرة مفرداتها وتصاريفها لم يكونوا في ساحة الجمود فيضيف إليها من لغات الأمم ما يزيد سعة على سعتها . فمن أمثال هذه الألفاظ الدخيلة مشكاة من الهندية وإستبرق من الفارسية وقسطاس من الرومية.

وإذا تحقق ما سبق من كثرة اشتقاق الألفاظ إلى نحو المكان والآلة واسمي الفاعل والمفعول سهل الطريق إلى وضع أسماء مستحدثة وأن أكثرها من قبيل المكان والآلة. وهذه أيضا مما لا شك سمة نهضة الأمة إذ اللغة وسيلة التوافق والتخاطب مما يزيد العلائق التي تؤلف الناس وإذا تمكن المجتمع في لغتهم كان القوة والوثوق في نظم الاتحاد أسهل أسلس. فلذا ترى أول ما فعله المستعمرون تغيير لغة الوطن إلى لغتهم.

هذا والله – سبحانه وتعالى – أعلم بالصواب فيما أقول وإن تجد في كلامي ما يخالف القوانين العربية وأساليبها ودلالاتها فإني على ذلك متأسفج وما هو إلا عجمي محب للعربية وأهلها . وهذا فقط ما أستطيع القول فيه فرحم الله إمامنا الشافعي فقد قال يونس بن عبد الأعلى : سألت الشافعي رضي الله عنه عن مسألة فقال : “إني لأجد بيانها في قلبي ولكن ليس ينطلق به لساني”

ويقول الطالب: أيمن كمال  ( مصري الجنسية، طالب بالفرقة الرابعة بدار العلوم – القاهرة):

” الحمد لله حمدًا لا ينفد أفضل ما ينبغى أن يحمد و صلى الله و سلم على خاتم المصطفين محمد و على آله و صحبه و من تعبد و بعد :

قال ربنا : ” إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقون”  ، و قال أيضا “و إنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين بلسان عربي مبين”  …

و بعد، فقد شرف الله العربية أن جعلها لغة لكلامه دون سائر اللغات و هذا الاصطفاء لا يكون إلا لخبيئ حوته تلك اللغة و هذا الخبيىء هو الذى حار فيه علماؤها تدوينا و تأليفا و استباطا و استقراء و مع ذلك تظل اللغة بحرا ذارخرا يعج بأنفاس اللآلىء و المرجان على حد قول حافظ :

أنا البحر فى أحشائه الدر كامن         فهل ساءلوا الغواص عن صدافتى

و لعلى دائما ما أكرر بين أقرانى أن أجل ما خلّفه الاستعمار بين ظهرانَي المسلمين هو الجهل …

و ظللنا نتوارث هذا الداء كابرا عن كابر فللأسى تجد طلابا لعلوم الشريعة لا يحسنون حتى الحديث بالفصيحة فضلا عن كونه شيخا أو ممن له أتباع …

و لا يذهب عن ذهنى مديح العلماء فى لغة الشافعى رحمه الله و هو مَن هو بين علماء الشريعة و أيضًا و كذا لازلت أذكر قولة لأحد الأفاضل قد نقلها تعليقا على الشافعى :أوشك أن أقول أن القرآن قد نزل بلغة محمد بن الحسن الشيبانى ….

بل وللأسى قد انتقل هذا الداء إلى أمثالى من طالبى علوم العربية

و الطريقة التى جربتها بين إخوانى فى زرع حب اللغة بينهم هى أن أجلب لهم من كلام العربية ما هو بليغ يعبر عن حاجتهم وفق ما يقتضيه حال المخاطب من بيان .

و قد تتعدد سبل إعادة إحيائها بين الناس و لكن تلك الغاية تحتاج رجالا بحق فى تعلمها و تعليمها بل و عيشها واقعا .

و الله من وراء القصد …”

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu