حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

شبهات لغوية حول القرآن [3]. بقلم أ.د/ إبراهيم عوض

المفكر الإسلامي وأستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب- جامعة عين شمس. (تم النشر بإذن من سيادته))

الشبهة:

كذلك يخطَّئ الدعيُّ قوله تعالى في الآية 56 من سورة “الأعراف”: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ، حيث ورد خبر “إنّ” مذكّرا على حين أن اسمها مؤنث، “وكان يجب (حسبما يقول) أن يتبع خبرُ “إنّ” اسمها في التأنيث فيقول: “قريبة” (ص 107) .

الرد:

وهو كلام يبعث على القهقهة، إذ يشبه تصدّي طفل في الروضة لسيبويه يبغي تخطئته. إن مثل هذا الأحمق لا يعرف أن الأسلوب العربي الأصيل كثيراً ما يُبْقِى على صيغة التذكير في الصفات التي على وزن “فِعيل” إذا كانت بمعنى “مفعول” مثل “لحيةٌ دهين” و”كفَّ خضيب” و”امرأّة جريح” و”ناقةَّ طَعين”، أو إذا كانت بمعنى “ذات كذا” على تأويل “إن رحمة الله ذات قُرْب من المحسنين”، أو للتميز بين قرابة النَّسَب وبُعْده” وبين قرابة المسافات وبُعْدها. وثمة اعتبارات أخرى تُطْلَب في مظانها منالكتب الموسَّعة نضرب عنها صفحاً لأننا لا نبغي التكثَّر، بل كل همنا أن نوضح لخالي الذهن ممن قد يقع فريسة لهذه التشويشات الطفولية أن الأمر أعمق مما يَبْغَم به هذا الصغير. ومن ذلك أيضاً الآية 17 من “الشورى”: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} ، الآية 83 كم “هود”: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} ، والآية 31 من “ق”: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} ، والآية 78 من “يس”: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} ، والآية 29 من “الذاريات”: {عَجُوزٌ عَقِيمٌ} ، والآية 41 من نفس السورة: {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} ، والآية 8 من “الإسراء”: {وَجَعَلْنَاجَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} . أترى القرآن قد أخطأ في ذلك كله وسكت عنه المشركون فلم يستغلوا هذه الأخطاء التي كان من شأنها أن تضربه في الصميم، إلى أن جاء هذا الصغير الهجّام فاكتشفها؟
ومن شواهد ذلك الاستعمال في الشعر العربي القديم قول امرئ القيس:
له الويل إن أًمْسَى ولا أم هاشم … قريبَّ ولا البسباسة ابنة يَشْكُرا
وقول عبيد بن الأبرص:
فَنفَّضت ريشها وانتفضت … وهي من نهضةٍ قريبُ
وهذا البيت الذي ورد بالصيغتين التاليتين:
عشيًةَ لا عفراءُ منك قريبةً … فتدنو ولا عفراء منك بعيدُ
* * *
لياليَ لا عفراء منك بعيدةً … فَتًسْلَى ولا عفراء منك قريبُ
وقول تأبط شراً يصف الغول: “فخرَّتْ صريعاً لليدين وللجِرانِ” وقول عبيد بن الأبرص أيضاً: “قليلاً بها الأصوات إلا عوازفا”. ومما جاء في شعر الأعشى من استعمال صيغة “فعيل” للمؤنث: “الخَمْر العتيق” و “آلتْ (أي الناقة) طليحا” و” (ناقةً) مِقْلاتً دهين”. وفي شعر المثقب العبدي نقرأ في وصف الناقة: “ماهرةًدهين” (والدهين: القليلة اللبن) … إلخ.
وفي “مدَّ القاموس” لوليم إدوارد لين و”محيط المحيط” لبطرس البستاني و”البستان” لعبد الله البستاني و”لاروس” (العربي) ، وكلها (كما ترى) معاجم ألفها نصارى، أن الصفة “قريب” إذا كانت للقرب المكاني أو الزماني تُسْتَعْمَل بصيغة واحدة للمذكر والمؤنث والمثنى والمفرد والجمع. ومن ذلك قول السَّمَوْأل اليهودي:
تعيَرنا أنّا قليلً عديدنا … فقلتُ لها: إن الكرام قليلُ
بل إن من اللغويين نم يخطئ إلحاق تاء التأنيث في قولنا مثلاً: “فلانة جريح”.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu