حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

مما استعمله العوام في ضد معناه الفصيح [5] كلمة مرفود.. بقلم أ.د/ هاشم عبد الرحيم

أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بأسيوط- جامعة الأزهر

 إبدال الضاد دالًا

مَرْفُود

المعنى الفصيح:

“مَرْفُود” اسم مفعول من “رَفَدَ”، “تقول: رَفدْتُهُ أَرْفِدُهُ رَفْداً، إذا أعطيتَه، وكذلك إذا أعَنْتَهُ”([1]) و”الرِّفدُ: المَعُونةُ بالعَطاء، وسَقْي اللَّبَنِ، والقولِ، وكلِّ شيء”([2]) “والإرفادُ: الإعطاءُ والإعانةُ. والمُرافدة: المُعاونة. والترافُد: التَعاوُنُ. والاسْتِرْفادُ: الاسْتِعانَةُ. والارْتِفادُ: الكَسْبُ. والتَرْفيدُ: التسويد، يقال: رُفِدَ فلانٌ، أي: سُوِّد وعُظِّمَ” . ([3])

ومنه ما جاء في التنزيل العزيز: (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)([4])، أي: بئس العطاء المُعْطَى.([5]) وقولُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في أشراط الساعة: “وَيَكُونُ الْفَيْءُ رِفْدًا”([6])، أَيْ: يَكُونُ صِلَاتٍ، لَا يُوضَعُ مَوَاضِعَهُ”([7]).

و”الرِّفادةُ: شَيْء كَانَت قُرَيْش تَتَرَافَدُ بِهِ فِي الجاهليَّة، فيُخرِجُ كلُّ إنسانٍ على قدر طاقته، فَيجْمَعُونَ مَالًا عَظِيمًا أَيَّام الموسِم، ويشترون بِهِ الجُزُرَ والطعامَ والزبيبَ للنبيذ، فَلَا يزالون يُطعمون الناسَ حَتَّى ينقضيَ الْمَوْسِم، وَكَانَ أوَّل من قَامَ بذلك هَاشم بن عبد منَاف” . ([8])

فالرِّفْد على هذا: العطاء، والصلة.([9])

المعنى العامي:

تلهج كثير من ألسنة العامة بكلمة “مرفود”، ويستعملونها بمعنى المعزول عن وظيفته وعمله، أي: الممنوع والمحروم من وظيفته وراتبه؛ لتوانيه أو إخفاقه في العمل، أو تمرده على المدير؛ ومن ثم تراهم يقولون: رفَد المديرُ الموظفَ: عَزَلَهُ عن وظيفته. ورفَد مدير المدرسة تلميذًا مشاغِبًا: فصله عن المدرسة([10]).

ويشيع استعمال هذه الدلالة في الأوساط التجارية، لاسيما في شركات القطاع الخاص؛ حيث يملك رئيس المؤسسة اتخاذ القرار بفصل الموظفين -العالة- عن عملهم.

استنتاج وتعليق:

تبين مما سلف أن “مرفود” تستعمل في الفصيح بمعنى: معطى ومعان وممنوح، أما عند العامة فهي بمعنى المعزول عن العمل المحروم من راتبه لذلك، وهذا من إطلاق الكلمة على ضد معناها الفصيح، ولعل باعث هذا عندهم أنهم يستعملون “مرفود” بمعنى “مرفوض”، فــ”الرَّفْضُ: تركُك الشيءَ، تَقول: رفَضَني فرفَضتُه”([11]) ومنه الروافض، وهم جُنْدٌ تركوا قائدهم وانصرفوا. والرافضة: فرقة من الشيعة. قال الأصمعي: سموا بذلك؛ لتركهم زيد بن على -رضى الله عنه.([12]) والرفض عند العامة معناه المنع.

وثم مسوغ صوتي أفضى إلى المعنى العامي، يكمن في إبدال الضاد دالًا في “مرفوض”؛ وهو تقارب مخرجيهما، حيث تخرج الضاد من أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، وتخرج الدال مما بين طرف اللسان وأصول الثنايا العليا.([13])

=========================

([1]) الصحاح، 2/475 (ر ف د)، واللسان 3/181 (ر ف د)، والمصباح المنير للفيومي 1/232 (ر ف د).

([2]) العين، 8/24 (د ر ف).

([3]) الصحاح، 2/475 (ر ف د).

([4]) سورة هود: الآية 99.

([5]) الغريبين في القرآن والحديث، لأبي عبيد الهروي، 3/759، بتصرف.

([6]) روي بلفظ: “وَأَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ رِفْدًا”، وذلك في: المعجم الكبير، للطبراني 19/243، وجمع الجوامع للسيوطي 11/420 برقم (11109).

([7]) مقاييس اللغة 2/421 “ر ف د”، وتاج العروس 8/107 (ر ف د).

([8]) غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، 3/269، وتهذيب اللغة 14/72 (د ر ف)، واللسان 3/181 “ر ف د”.

([9]) ينظر: الصحاح، 2/475 (ر ف د)، واللسان 3/181 (ر ف د)، وتاج العروس 8/107 (ر ف د).

([10]) معجم اللغة العربية المعاصرة، د. أحمد مختار عمر، 2/914 (ر ف د)، بتصرف.

([11]) تهذيب اللغة، 12/13 (ض ر ف).

([12]) ينظر: الصحاح، 3/1078 (ر ف ض).

([13]) ينظر: سر صناعة الإعراب، 1/60.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu