الآثار القاسية المترتبة على ” إنكار المجاز ” [4] .. بقلم أ.د/ محمود مخلوف
أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بأسيوط- جامعة الأزهر
وقال الشيخ تقي الدين ” ولهذا اصطلحت الحنبلية والأشعرية، واتفق الناس كلهم ، ولما رأى الحنبلية كلام الشيخ أبي الحسن الأشعري قالوا : هذا خير من كلام الشيخ الموفق ، وزال ما كان في القلوب من الأضغان ، وصار الفقهاء من الشافعية وغيرهم يقولون : ” الحمد لله على اتفاق كلمة المسلمين “
مجموع الفتاوى 3 / 269
فمتى يهنأ المسلمون في زماننا بقول : ” الحمد لله على اتفاق المسلمين ” بدلاً من مرارة ما يراه عقلاء علماء الأمة من شتات وفرقة بسبب انتشار نعيب ” غربان الدعاة ” ، الذين لا ينتج عن كلامهم إلا مزيد من الخراب والتفرّق .. اللذين يصبان في مصالح أعداء الإسلام وخصومه …
وإن أردت مفتاح كل خير في هذا الميدان : فعليك بكلمة شمس الدين الذهبي ــ رحمه الله ــ حيث قال : ” رأيت للأشعري كلمة أعجبتني , وهى ثابتة ، رواها البيهقي : سمعت أبا حازم العبدري , سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول :
لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد , دعاني , فأتيته , فقال : اشهد علىّ أني لا أكفِّر أحداً من أهل القبلة ؛ لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد , وإنما هذا كله اختلاف عبارات .. قلت : وبنحو هذا أدين , وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول : ” أنا لا أكفّر أحداً من الأمة ” ويقول : قال النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ ( لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ) فمن لازم على الصلوات بوضوء فهو مسلم سير أعلام النبلاء 29 / 84
فهذه نصوص ذهبية ثلاثة على لسان أئمة ثلاثة لهم الحظ الأوفر في خوض المعارك العقدية، أنهوا حياتهم المحتدمةَ الجدال ، كثيرةَ وقائع النزال مع الخصوم بمثل هذا المرفأ الهادئ ، والمقولة الليّنة ، التي إنْ أحسنّا تطبيقها في حياتنا الدعوية نجونا ونجا المسلمون المعاصرون من شرورٍ وويلاتٍ فرَّقت ، وشتّت ، وأهدت لأعداء الإسلام وخصوم أهل السنة أغلى ما يتمنونه ويحلُمون به ، على مرّ السنين ..