حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

المصوتات ومناسبتها للدلالة الإفرادية في شرح المثلثات اللغوية (7) [الحــرة].. بقلم أ.د/ منى عبد الظاهر الشامي

أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية البنات الإسلامية بأسيوط جامعة الأزهر

الحــرة

*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: الحَرة ــ بالفتح ــ: الأرض التي يكون فيها حصى بيض وسود([1])، وزيد في نسخة المدينة: «والبثرة الصغيرة, والعذاب الموجع, والظلمة الكثيرة»([2]). وذكر ذلك غيره من الشراح حيث جاء فيها أن: الحَرَّة ــ بالفتح ــ : اسم للأرض ذات الحجارة السوداء, والحرَّة أيضًا: البثرة الصغيرة، وقال ابن الأعرابي: الحَرَّة: العذاب الموجع, والظلمة الكثيرة([3])، وجاء أيضًا أن: «الحَرة: بفتح الحاء والراء مع تشديد الراء, وهي: الحرارة المعروفة»([4]).

وقد قال ابن فارس: «الْحَاءُ وَالرَّاءُ فِي الْمُضَاعَفِ لَهُ أَصْلَانِ: فَالْأَوَّلُ مَا خَالَفَ الْعُبُودِيَّةَ وَبَرِئَ مِنَ الْعَيْبِ وَالنَّقْصِ… وَالثَّانِي: خِلَافُ الْبَرْدِ، يُقَالُ: هَذَا يَوْمٌ ذُو حَرٍّ، وَيَوْمٌ حَارٌّ. وَالْحَرُورُ: الرِّيحُ الْحَارَّةُ تَكُونُ بِالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ. وَمِنْهُ الْحِرَّةُ، وَهُوَ الْعَطَشُ.»([5])   

فمن الأصل الثاني أخذت لفظة (الحَرة) ــ محل الدراسة ــ , ومنه لفظة الحَرور: الريح الحارّة، في قوله تعالى: ﴿ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ﴾ [فاطر/ 21]([6]).

ومعلوم أن الهواء الساخن تمتاز جزيئاته بالخفة وحرية الحركة وسعة الانتشار مقارنة بالهواء البارد, وذلك من الناحية الفيزيائية ولهذا يتناسب وخفة مصوت الفتح وانتشار صوته. وكذا من معانيها: العذاب الموجع, والظلمة الكثيرة, وذلك يوحي بالانتشار والامتداد والسعة فلا يكون العذاب موجعًا إلا إذا امتد وطال, ألا ترى أن الله ــ عز وجل ــ أوجع الكافر ــ زيادة على إيلامه ــ بأن جعل عذابه بلا نهاية؟ فلا عذاب موجع إلا وانتشر فيه الألم في سائر الجسم، ووصف الظلمة بالكثرة يشير بقوة إلى امتدادها وانتشارها., وذلك يتناسب مع مصوت الفتح لما يمتاز به من انتشار وامتداد واتساع.

 

*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: والحِرة ــ بالكسر ــ: العطش الشديد([7]).

تجد في دلالة العطش شدة وصعوبة وثقل على المرء, وذلك يتناسب مع ثقل مصوت الكسر. ثم إن عرقلة الهواء أثناء إخراج الكسرة يومئ إلى ما تستشعره نفس الظامئ إلى الري من حبسها ومنعها من أهم مقومات حياة الإنسان التي جبلت النفس على حبه وهو الماء, قال ــ تعالى ــ: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ﴾(الأنبياء من الآية 30) وذلك يتناسب مع الحبس والمنع والاكتناف الحادث مع مصوت الكسر.

*يقول الفيروزآبادي في الأزهرية: الحُرَّة ــ بالضم ــ : الكريمة من النساء([8])، وزيد في نسخة المدينة: «وبالضم: الكريمة والعفيفة, وضد الأمة ومن الذِفْرى مجال القُرْط, وباتت الجارية بليلة حرة: إذا لم يقدر بعلها على افتضاضها»([9]) , وقيل هي: السحابة الغزيرة المطر([10]).

مصوت الضم عند خروجه يحدث للهواء تجمعًا وتراكمًا ما بين الشفتين قبل خروجه من الفرجة بينهما، وذلك يضاهي تجمع وتراكم ماء المطر في السحابة, إذ السحابة لا تجود بالغيث إلا إذا أثقلت وازدات كثافتها, يشهد لهذا قول الله ــ تعالى ــ ﴿  وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ المَاءَ ﴾(الأعراف من الآية 57) وذلك التجمع ينتج عنه ثقل في نطق مصوت الضم وكذا السحابة الغزيرة المطر تكون مياهها ثقيلة شديدة لغزارتها؛ من هنا حدث التناسب بين خصائص مصوت الضم والمعنى هنا.

===========================

([1]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب,  ص21, 57, 128.

([2]) كتاب الغرر المثلثة والدرر المبثثة, ص403.

([3]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب, ص128, 57.

([4]) المثلثات للمقلاتي, ص19.

([5]) معجم مقاييس اللغة (ح ر)

([6]) المفردات في غريب القرآن, ص224.

([7]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب ص21, 58, 128. والمثلثات للمقلاتي, ص19.

 ([8])ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب ص21, 58.

([9]) كتاب الغرر المثلثة والدرر المبثثة, ص403.

([10]) ينظر: أربع رسائل في شرح مثلث قطرب, ص129.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu