حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

(العربيــة فخــــر اللغــات وأسمـــاها) [الحلقة الحادية عشرة] بقلم أ.د/ عبد التواب الأكرت

أستاذ أصول اللغة ورئيس القسم السابق بكلية اللغة العربية بالقاهرة ومقرر اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر

اللغة الأردية

   تعد اللغة الأردية – التي تكتب بالخط العربي الفارسي- أكبر لغات العالم الإسلامي وأوسعها انتشارًا بعد العربية والفارسية ، فالمتحدثون بها يزيدون على الأربعمائة مليون نسمة في جمهورية باكستان الإسلامية وجمهورية الهند وجمهورية بنجلاديش الإسلامية وجمهورية أفغانستان الإسلامية ، بالإضافة إلى عدة ملايين من المهاجرين المستوطنين مملكة نيبال وجمهورية سريلانكا وجمهورية جنوب أفريقيا وبلاد شرق القارة الأفريقية ، وإنجلترا وكندا وأمريكا وأستراليا وغيرها.

   نشأت هذه اللغة التي تعد من أكثر اللغات الإسلامية تأثرًا بالعربية زمن الحكم الإسلامي في شبه القارة الهندية ، والذي امتد لأكثر من ألف عام متصلة ، وذلك باختلاط الجيوش الإسلامية التي استوطنت شبه القارة المكونة من قادة وجنود من العرب والفرس والأفغان والترك والمغول ، فضلاً عن المهاجرين المسلمين ، بسكان بلاد شبه القارة ، وذلك في مدينة دلهي العاصمة الإسلامية لأكثر الدول الإسلامية في شبه القارة الهندية ، ثم وبمرور الزمان انتشرت مع انتشار الحكم الإسلامي ، وامتداده في طول البلاد وعرضها ، واتسع نطاق المتحدثين بها ، وما هي إلا حقبة من الزمن حتى صارت لغة الثقافة والعلوم والأدب الإسلامي في تلك البلاد ، وحتى يومنا الحاضر ، وتكمن أهمية هذه اللغة في أنها تعد لغة التراث الإسلامي الخالد في منطقة جنوب شرق آسيا كلها ، فلقد دُون بها تراث الأجداد منذ أكثر من أربعمائة عام وحتى اليوم ، فضلاً عن أنها لسان الدعوة الإسلامية في تلك البلاد البعيدة ([1]) .

   ” واللغة الأردية هي لغة هندية إيرانية أغلب مفرداتها مأخوذة من الفارسية والعربية ، وأقلها من الهندية ، أما نشأتها وظروف تكوُّنها فترجع إلى أيام الفتوحات الإسلامية التي بدأت بشكل كبير في خلافة أبي بكر الصديق ، وكان أكبر تجمع للجيش الإسلامي في معسكر في شرق العراق ، وكان المعسكر يضم عددا كبيرا من الجنود المسلمين من مختلف الأجناس – العرب وغير العرب من أصول فارسية ، وهندية ، ورومية ، وآسيوية مختلفة – وكان ما يجمع بينهم بمختلف ألسنتهم وأعراقهم هو الإسلام ، وأنهم جميعهم جنود ودعاة في الجيش الإسلامي ، فكانوا يستخدمون اللغة العربية في الصلاة ، ولكن في حالات الاتصال كان كل منهم يستخدم لغته الأم مع أبناء بلدته في المعسكر ، ولمَّا لم يكن كل الجنود في المعسكر لا يستخدمون لغة أمًّا واحدة فكانوا يستخدمون لغة عربية في إطارها العام مع كثير من المفردات غير العربية من لغاتهم الأم المختلفة ، وبمرور الزمن أصبحت هذه اللغة هي وسيلة التفاهم الوحيدة بين الجنود المسلمين في هذا المعسكر، ولمّا كان أغلب مفرداتها مأخوذ من الفارسية – التي كانت منتشرة في أواسط آسيا بين جميع السكان بمن فيهم الأتراك الذين هاجروا فيما بعد [ 1452م ] إلى أوروبا وكـوّنوا دولتهم تركيا – أصبح الناس يشيرون إليها بلغة الأرد ، وكلمة أرد في الفارسية تعني غريب ، وفي التركية تعني الجيش ، ولذا سميت تلك اللغة بالأردية أي لغة الجيش ، التي منها الكلمة التركية أورطة التي تعني وحدة عسكرية .

   وقد أخذت اللغة الأردية مفرداتها من ثلاث مصادر هي العربية والفارسية والسنسكريتية – وهي أقدم لغة متحدثة في الهند إلى اليوم ومن ثم فاللغة الأردية لغة ارتبطت ظروف تكونها ونشأتها بالإسلام ، بمعنى أنه لولا الإسلام لما كانت الأردية ، واستمر استخدامها في المنطقة إلى أن صارت اللغة القومية في جميع المناطق التي تكونت فيها دول فيما بعد إلى اليوم ، وهي : باكستان ، وأفغانستان ، والهند ، وبنجلاديش ….. ([2]) .

   ” تعتبر اللغة الأردية من اللغات الحديثة التي نشأت في شبه القارة الهندوباكستانية ، وذلك لا يعني أن الناطقين بها قالوا لها : كوني ، فكانت ، بل إنها مرت بالمراحل التي يجب أن تمر بها أي لغة ، ويتحدث عن تكوينها الدكتور المولوي عبدالحق في مقدمة كتابه الأردي ” قواعد اللغة الأردية ” : أنها ليست باختراع ، ولا يمكن لأحد أن يخترع لغة ما ، بل إن مراحل تكوينها مثل مراحل تكوين البذرة حتى تصبح شجرة مثمرة ([3]) .

ويقول الدكتور إبراهيم محمد إبراهيم : اللغة الأردية إحدى لغات الفرع الآري للغات الهندوأوروبية ، وأكبر لغات شبه القارة الهندو باكستانية التي يزيد تعدادها عن مليار نسمة ، يتحدث منهم باللغة الأردية ، ويفهمها ما لا يقل عن ثمانمائة مليون من أهل هذه البلاد [ الهند ، باكستان ، نيبال ، بنجلاديش ] ما بين مسلمين ومسيحيين وهندوس وسيخ ، وغيرهم من أصحاب الديانات المنتشرة في تلك الرقعة من العالم ([4]) .

   ويعود تاريخ نشأة هذه اللغة – طبقا لبعض الآراء – إلى ما قبل الميلاد بخمسمائة عام ، وبالطبع كانت صورتها في ذلك الوقت ، وحتى قبل دخول المسلمين غير العرب إلى شبه القارة الهندو باكستانية فاتحين بقيادة محمود الغزنوي من ناحية الشمال غير ما هي عليه اليوم ([5]) .

… وهي امتزاج للحضارات العربية والفارسية والهندية ، وعلامة منفردة لها ، اجتمعت فيها صفاتها ، واتحدت فكانت قالبا واحدا ، وقد نشأت إثر الضرورات الاجتماعية والثقافية والسياسية ، واتخذها المسلمون لغتهم لضرورتهم إليها ، فانتشرت معهم في شبه القارة الهندية ، وهي لغة سهلة مرنة تقبل ألفاظ اللغات الأخرى ، وتفسح لها المجال في قاموسها دون أن تزاحمها كثيرا ، وتظل تلك الألفاظ مُعبِّرة دون غيرها رغم وجود مرادفات لها ذات المعنى ، لكن لا تظهر المعنى إلا بتلك اللفظة التي وردت من لغة أخرى .

…. وهي لغة اجتماعية نشأت بامتزاج اللغات المحلية في شبه القارة الهندية ، وباشتراك اللغتين العربية والفارسية مع لغات أخرى إضافية ، وتعتبر أيضـًا من اللغات الثلاث الأولى بعد اللغة الصينية والإنجليزية من حيث عدد المتحدثين ، وكذلك من حيث استماع الناس إلى النشرات الإذاعية بعد اللغة الإنجليزية والفرنسية ، أما من حيث استعمالها فهي في المرتبة الخامسة بعد الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والعربية ، وتقف في الصفوف الأولى من مجموع اللغات الموجودة في العالم ، والبالغ عددها حوالي أربعة آلاف لغة .

   والأردية لغة باكستان القومية ، وهي لغة ثانوية في الهند ، وقد سميت اللغة بالأردية في عهد الملك شاه جهان ، فقيل لها تارة [ زُبانِ أُردو ] أي اللغة الأردية ، وتارة [ الأردو المُعلَّى ] حتى استقر على كلمة أردو فقط .       

    وقد اختلف في معنى كلمة أردو فقيل : أن كتب التاريخ ذكرت أن ملوك المغول في عهد جنكيز خان وأولاده كانوا يطلقون على مستقر حكومتهم        [ أردو ] ، وكذلك كانوا يطلقون على المكان الذي يعسكرون فيه أيضـًا        [ أردو ] ، واستعُمل الاسم في معنى المعسكر وانتشر في شبه القارة الهندية ، وقيل أيضـًا : أن قاموس اللغة الأردية المسمى بجامع فيروز اللغات ذكر ترجمة لكلمة أردو في صفحة 82 بأنها كلمة تركية الأصل ، وتعني الجيش أو المعسكر أو مكان إقامة المعسكر ، وقد ذكر الحافظ محمود الشيراني أحد المحققين في تاريخ اللغة الأردية أن اللفظ [ أردو ] موجود في اللغة التركية بعدة صور منها [ أُورد ، أُورده ، أُوردو ، أُردو ] ومعناه الجيش ، والمعسكر ، وكذلك يطلق على الخيمة والسوق والقصر ، والبعض أنكر الأصل التركي لهذا اللفظ ونسبوه للغات الهندو ألمانية ، واختلف المؤرخون في بدايات اللغة الأردية اختلافا كبيرا من حيث محل وجودها ومصدرها ، نذكر منها رأي نصير الدين الهاشمي الذي يرى أنها ابتدأت في [ دَكَّن ] ، وهو إقليم بجنوب الهند ، وذلك لوجود روابط تجارية قائمة بين تجار العرب والهنود ، ونتيجة اختلاطهم ظهرت بوادر تلك اللغة ، ورُدَّ هذا الرأي من قبل المحققين كالدكتور غلام حسن ذو الفقار حين قال :  بأن العلاقات العربية الهندية كانت سطحية بين التجار رغم عدم إنكاره لنتيجة ذلك الاختلاط ، وأضاف بأن علاقة الأردية بدكن كانت علاقة ارتقاء وليست علاقة ابتداء ، ويرى السيد سليمان الندوي : أن بداية اللغة الأردية تعود إلى بلاد السند ؛ لأنها كانت المحطة الأولى للمسلمين الفاتحين ، ويرى الحافظ الشيراني : أن بداية اللغة تعود إلى بنجاب بسبب حملات محمود غزنوي وشهاب الدين غوري المتكررة على الهند [ 1000م – 1026م ] ، ونتيجة ذلك قامت حكومة المسلمين الناطقين بالفارسية في بنجاب ، وأقام الفاتحون حوالي مائتي سنة هناك ، وخلال هذه المدة نبتت بذور الأردية ، واستدل الشيراني بالنحو والصرف والتشابه بينهما في اللغتين الأردية والبنجابية ، وهذا هو الرأي الذي يميل إليه الكثيرون حتى الآن ، ومن ثم فإن الرأي الأكثر قبولا يثبت أن نشأة اللغة الأردية كانت على أيدي الفاتحين المسلمين للهند …….. ([6]) .     

   ومن خلال ما سبق نجد أنفسنا نتعامل مع لغة لها علاقة من نوع خاص مع اللغة العربية ، فتارة تكون العلاقة مباشرة مع العربية ، وتارة تكون العلاقة غير مباشرة عن طريق اللغة الفارسية ، كما أنها لغة لها أهمية خاصة من حيث الاستخدام والترتيب بين لغات العالم .

======================

 ([1]) شبكة المعلومات . موقع الأزهر التعليمي . كلية اللغات والترجمة .

 ([2]) شبكة المعلومات . منتدى الدكتور موسى للغويات العربية : محاضرة بعنوان : اللغة الأردية واللغة العربية دراسة تقابلية . د. موسى حامد موسى  خليفة .

 ([3]) راجع بمزيد من التفصيل : اللغة الأردية النشأة والتاريخ . راسخ الكشميري عن مصادره . مقال نُشر في مجلة الآطام الصادرة عن نادي المدينة المنورة الأدبي . مدونة راسخ الكشميري .

 ([4])المرجع السابق

 ([5])المرجع السابق

 ([6])المرجع السابق

 

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu