حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

مما استعمله العوام في ضد معناه الفصيح [12] اختزال التراكيب.. بقلم أ.د/ هاشم عبد الرحيم

أستاذ أصول اللغة المساعد بكلية اللغة العربية بأسيوط- جامعة الأزهر

توطئة:

        يقال في اللغة: “اخْتَزَلَ الْعاملُ المالَ الَّذِي جَبَاه، إِذا اقْتَطَعَه”([1]) فالاخْتِزال: الحَذْفُ، والاقْتِطاعُ.([2])

        وتتسم اللغة العامية اليوم بالسرعة والميل إلى الحذف وخطف الكلام، لاسيما في التراكيب الفاشية كثيرة الاستعمال، حيث يؤثرون الخفة في الكلام؛ فيحذفون بعض الحروف أو بعض الكلمات مكتفين بالاقتصار على جزء منه، فيقتصدون في بعض العبارات طلبًا للخفة.

وقد ثبت أن هذا الاختزال يؤدي إلى وقوع التضاد بين التركيب المختزل وبين المعنى الفصيح. حيث سجل البحث لهذه الظاهرة شاهدين، وهاك تحرير القول فيهما:

1 ـ نـَــدَهَ

المعنى الفصيح:

“يُقَال: نَدَهْتُ الْإِبِلَ أندَهُها نَدْهاً، فَهِيَ مندوهة، إِذا زجرتَها أَو رَددتهَا عَن وِجهتها”([3]) فـ”النَّدْهُ: الزَّجْر عن الحَوْض، وعن كلّ شيءٍ إذا طُرِدَتِ الإِبلُ عنه بالصِّياح. قال:        

لو دقّ وِرْدي حَوْضَهُ لم يَنْدَهِ([4])

وقال:

لِمَنِ الديار بقُنَّةِ الرَّدْهِ   قَفْراً مِنَ التَّأْيِيهِ والنَّدْهِ([5])”([6])

وليس النَّدْهُ خاصًّا بالإبل، فـــ “النَّدْهُ: الزَّجْرُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالطَّرْدُ عَنْهُ بالصِّياح”([7]) وقال “الأصمعيّ: النَّدْهُ: الزَّجْر، قَالَ: وَكَانَ يُقَال للْمَرْأَة فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا طُلِّقَت: اذهَبِي فَلَا أَندَهُ سَرْبَكِ، فكانَتْ تُطَلَّقُ. الأَصْل فِيهِ أَنه يَقُول لَهَا: اذهبِي إِلَى أهلك، فَإِنِّي لَا أَحفَظ عليكِ مالكِ وَلَا أرُدُّ إبِلك عَن مَذْهَبها، وَقد أَهْمَلْتُها؛ لِتَذْهَب حَيْثُ شَاءَت.”([8])

من ذلك ما ورد “فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: “لو رأيت قاتِلَ عمرَ -رضي الله عنه- في الحَرَم مَا نَدَهْتُهُ” أَيْ: مَا زجرتُه”([9]).”([10])

يفهم من هاتيك الشواهد أن مادة (ن د هـ) تدل على زجر ومنع.([11])

المعنى العامي:

        يستعمل العامة “النَّدْهَ” بمعنى المناداة، أي: الدعاء للإقبال، فيقولون: “نَدَهَ فلانًا، أي: ناداه”([12]). وانْدَهْ فلانًا، أي: نادِهِ، وأنْدَهُ فلانًا ولا يرد. ويقول أحدهم: سمعت ندهةً غريبة أفزعتني. ([13])

استنتاج وتعليق:

ثبت من هذه الدلالات أن الندْه في الفصيح يكون بمعنى الزجر لكل شيء بالصياح.

أما العوام فيطلقونه على المناداة، وهي الدعوة بالصوت للإقبال؛ ومن هنا يتأتى التضاد، ففي الفصيح معنى الطرد والإبعاد، وفي العامي دعوة بالإقبال والحضور.

وعلة استعمال العوام “نَدَهَهُ” بمعنى “ناداه” تعود إلى اختزال التركيب “ناداه”، حيث تميل العامية إلى سرعة الكلام وخطفه طلبًا للخفة، فتقول في “ناداه”: نَدَهَه.

وحذفُ الألف -اختزالًا -عند العامة كثير، من ذلك: صيغة فاعِل، وفاعِلة، حين يسكن الحرف التالي لها، مثل: كَتْبه، في كاتِبة، وفَطْمة في فاطمة. ويقال: مِرَجْعينه في مُراجِعيه، بذكر نون الجمع مع الإضافة. والعِيلة في العائلة، مع قلب الهمزة ياء وكسر العين، ويَسْمين في ياسَمين. وتحذف الألف الأخيرة من المُوسَى، فتقول: موس، وتجمعه على أمواس، والصواب مواسٍ.([14])

===================

([1]) تهذيب اللغة 7/94 (خ ز ل).

([2]) القاموس المحيط ص992 (خ ز ل) بتصرف.

([3]) جمهرة اللغة، 2/687 (د ن هـ)، الصحاح، 6/2252 (ن د هـ).

([4]) الشطر من الرجز، وهو لرؤبة بن العجاج، وعجزه:

وطامِحٍ مِنْ نَخْوَةِ التَّأَبُّهِ             …

    ديوان رؤبة بن العجاج ص166 .

([5]) البيت من الكامل، وهو بلا نسبة في: تهذيب اللغة 6/111 (هـ ر د)، واللسان 13/491 (ر د هـ).

     الرَّدْه: شبه أكمة فِي رَأس الْجَبَل: صفاةٌ يُسْتَنْقَعُ فِيهَا المَاء. والتأييه: أَن يُؤَيِّه بالفَرَس إِذا نَفَر، فَيَقُول: إيهِ إيهِ. والنَّدْه بِالْإِبِلِ: أَن يَقُول لَهَا: هِدَهْ هِدَهْ. ينظر: تهذيب اللغة 6/111 (هـ ر د).

([6]) العين 4/28 (ن د هـ).

([7]) لسان العرب، 13/547 (ن د هـ).

([8]) تهذيب اللغة 6/118، (ن د هـ)، وينظر: الصحاح 6/2252 (ن د هـ).

([9]) المصنف، لعبد الرزاق بن همام الصنعاني 5/153 برقم (9229).

([10]) الغريبين في القرآن والحديث، لأبي عبيد الهروي6/1822، والنهاية في غريب الحديث والأثر 5/36، وينظر: لسان العرب، 13/547 (ن د هـ)، وتاج العروس 36/522           (ن د هـ).

([11]) ينظر: مقاييس اللغة 5/411 (ن د هـ).

    روي عن أبي مالك، قال: نَدَه الرّجلُ يَنْدَه نَدْهاً: إِذا صَوَّت. ينظر: تهذيب اللغة 6/118            (ن د هـ)، والتكملة والذيل والصلة للصغاني، 6/358 (ن د هـ).

    ويراد به التصويت للزجر، فمرده إلى المعنى الأول، وليس المراد به النداء؛ لأن الذين تناقلوه اكتنفوه بما يدل على الزجر، فضلًا عن خلو كلام أبي مالك من شاهد يعززه.

([12]) تكملة المعاجم العربية، 10/192 (ن د هـ).

([13]) معجم اللغة العربية المعاصرة، 3/2188 (ن د هـ) بتصرف.

([14]) مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ع 81 /102 – 7/229 بتصرف.

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu