المعنى في شروح المنظومات الحديثية- دراسة في بعض شروح منظومة (غرامي صحيح) [11] بقلم د. عمرو عطيفي
مدرس بقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب - جامعة القاهرة
أنواع الشواهد ونسبتها:
تنوعت الشواهد التي اعتمد عليها الشراح، وكانت من حيث الشيوع على النحو التالي:
– الشواهد الشعرية، وقد أخذت مكان الصدارة من حيث النسبة والشيوع، في الشروح الثلاثة التي اتخذت الشواهد من منهجها في الشرح.
– الشواهد الحديثية، والحديث هنا بمعناه العام الذي يضم ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى غيره من الصحابة والتابعين. وقد تباين الشراح في الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف؛ وقد كان أكثرها اعتمادًا على لغة الحديث النبوي في الشرح، الملح الغرامية، فقد أورد بضعة عشر حديثًا، موزعًا بين ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما نسب إلى غيره من الصحابة. وقد صرح صاحب الملح بأسماء الصحابة في الغالب- باستثناء حديث لمعاذ جاء بلفظ (حديث)([1])– فيلقانا حديث عن أم المؤمنين عائشة([2])، وعمر([3])، وأعرابي([4])، وأم عطية([5])، وعكرمة([6]). وتنوعت صيغة الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إذ صدرت بعبارات من قبيل: قوله ص([7])– فقال([8])– وفي الحديث الصحيح([9])– الحديث الشريف([10])– حديث الأذان([11])– حديث([12]).
أما صاحب البهجة السنية فلم يرو إلا أثرًا، وروى المالكي في شرحه المليح حديثين أحدهما منسوب إلى النبي ص، وجاء بلفط (وفي الحديث)([13])، والآخر منسوب إلى أم المؤمنين عائشة([14]).
– الشواهد القرآنية، وجدت بنسبة ملحوظة لكنها ليست كثيرة على كل حال، واللافت للانتباه عدم اعتماد أي من الشراح على القراءات القرآنية.
– الآثار المروية عن أهل العلم.
– الأمثال، ولم تكن ذا حظ وافر في الشروح.
أزمنة الشواهد:
اتسعت الدائرة الزمنية للشواهد الشعرية، فلم تعد مقصورة على عقود الفصاحة، بل تعدتها إلى الأزمنة المتأخرة، بيد أن الحفاظ على عقود الفصاحة ظل مسيطرًا على الشواهد المتعلقة بدلالات الألفاظ واشتقاقها ولغاتها ونوعها من حيث التذكير والتأنيث، أما خارج اللغة فكان للاتساع الزمني نصيب من الشواهد.
توظيف الشواهد:
يوظف الشراح الشواهد على اختلاف أنواعها لتأكيد دلالات الألفاظ المستشهد لها: معناها، اشتراكها اللفظي، لغتها، تذكيرها وتأنيثها، كما توظف لتبيين بعض العناصر البلاغية المشتمل عليها البيت أو الأبيات، كالطباق واللف والنشر، ومراعاة النظير، وتوظف كذلك لبيان العلة من استعمال بعض التراكيب النحوية، فضلًا عن أن الشواهد قد تخرج عن اللغة والبلاغة إلى معاني أخر يوضحها الشراح، كالاستشهاد على المواقف المماثلة، أو تقريب معنى البيت بغيره من الشواهد الداعمة له.
نظرة عامة حول الشواهد:
من اللافت للانتباه أن شروحًا في علم مصطلح الحديث النبوي الشريف، يعز فيها الاستشهاد بالقرآن الكريم وقراءاته، وكذا الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف، وأن تطغى الشواهد الشعرية بصورة مفرطة حتى كادت تكون هي شواهدهم دون غيرها، رغم أنها لم تكن في أشيعها خدمة للجانبين اللغوي والبلاغي، بل كانت خدمة لعلم العشق وحكايات العشاق وأخبارهم وأحوالهم المتمثلة في أشعارهم، التي لم يكتف فيها ببيت، بل أبيات تلو الأبيات.
وقد كنا نتوقع من شرح كهذا- أقصد الشروح الموجهة لخدمة الحديث النبوي الشريف- أن يولي اهتمامًا أكبر بالشواهد القرآنية والحديثية من جهة، وأن يوظف كل الشواهد على اختلاف أنواعها في خدمة المعنى الذي من أجله نصب الشارح نفسه موقعًا عن الناظم، لتقريب المعنى للقارئ، معنى الألفاظ من جهة، ومعنى الأبيات من جهة ثانية، والمعنى العام من جهة ثالثة.
صحيح أن الشراح قدموا جهدًا ملموسًا في استجلاء المعنى على نحو ما أوضحت، لكن الصحيح أيضًا أنهم اهتموا بالحب والعشق أكثر من غيره، حتى إنه لم يطغ عند بعضهم على الجانب اللغوي فحسب، بل ظغى أيضًا على الجانب الاصطلاحي.
وواضح بجلاء أن لكل شارح منهجًا في اختيار الشواهد، فمنهم من آثر شرح الألفاظ دون شواهد، ومنهم من اهتم بالشواهد، وإن كانت قليلة لخدمة المعنى اللغوي والبلاغي، ومنهم من مزج الشواهد اللغوية بالشواهد غير اللغوية، ومنهم من أفرط في استعمال الشواهد غير اللغوية، واتفقوا جميعًا باستثناء أولهم على غلبة الشاهد الشعري.
=================
([7]) الملح الغرامية، ص 65، ص 66، ص 81.