حقوق النشر محفوظة لموقع كنوز العربية

عشر فوائد عن كتاب (شَجَرُ الدُّرِّ في تداخلِ الكلامِ بالمعاني المُختلِفةِ) لأبي الطيب اللغوي (351هـ) بقلم أ.د/ عصام فاروق

أستاذ أصول اللغة والوكيل السابق لكلية العلوم الإسلامية والعربية للوافدين- جامعة الأزهر

كتاب (شَجَرُ الدُّرِّ في تداخل الكلام بالمعاني المختلفة) من روائع أبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي الذي استطاع من خلاله أن يبرزَ براعتَه في مقابلةِ الألفاظِ للمعاني، ويُظهرَ مع تلك البراعةِ جانبًا من عظمة تلك اللغةِ وعبقريةِ وَضْعِها، مِن خلال تسلسلِ ألفاظِها ومعانيها في مرونةٍ ودقَّةٍ متناهيتين، وهذه فوائد عشرة عن هذا الكتاب:

الأولى:

          ينتمي هذا الكتاب إلى الدراساتِ الدَّلاليَّة؛ التي تُعنى ببيان العلاقات بين الألفاظ وبعض معانيها، ويُعتبرُ مجالًا تطبيقيًّا لظاهرة المشتركِ اللَّفظيِّ، وإظهار ما تتمتع به العربيَّةُ من مرونةٍ دَلاليَّةٍ لا مثيلَ لها في لغةٍ من لغاتِ العالَمِ، مِن خلال هذا النَّوعِ الجديدِ المُبتكَرِ من التَّصنيفِ الذي يُمثِّلُ – في الوقت ذاته- جانبًا من عبقريةِ التَّصنيف عند علمائنا القدامى.

الثَّانية:

          يُعرف هذا النوع- الذي ينتمي إليه هذا الكتاب-  من المُصنَّفات أيضًا بـ(المُتداخَل أو المُداخَل)، وأوَّلُ مَن ألَّف فيه – على ما يبدو- هو أبو عُمَر الزَّاهد المطرز البغدادي المعروف بغلام ثعلبٍ (345ه) صاحبُ كتابِ (المُدَاخَل في اللُّغة) – نَشَرَه كذلك د. محمد عبد الجواد محققُ هذا الكتابِ في مكتبة الأنجلو – ضَمَّنَه أبوابًا قصيرةً رواها عن شَيخِه ثعلبٍ، والأخير رواها عن: ابنِ الأعرابي، وعمرو بن أبي عمرو الشيباني، وكذلك عن سلمة عن الفراء.

وهو ما يدلُّ على سلسلة مباركة بدأها الرُّواةُ الأوائلُ إشاراتٍ ونُتَفًا يرويها الخلفُ منهم عن السلفِ، ثم عَمَد إليها بعضُهم كأبي عُمَر الزاهد المطرز، فجمعها وحاول تنظيمَها، ثم استوى عُودُها حينما توفرت منها مادةٌ لغويَّةٌ كبيرةٌ  لدى بعض الخَلَفِ، فحاول الإبداع في تصنيفِها أيمَّا إبداعٍ كما ظَهَرَ في كتابِ (شَجَر الدُّرِّ) – الذي بين أيدينا- وكذلك في كتابِ (المُسلسَل) لأبي طاهر محمد بن يوسف التميمي (538ه) نَشَرَه د. محمد عبد الجواد كذلك عام 1957م

فأصبح يُعرَفُ هذا النوع من المُصنَّفات بأسماء عديدة منها: المُداخَل، والمُشجَّر، والمُسلسَل. وأضاف السيوطيُّ أنَّ هذا النوع يناظرُه من علم الحديثِ نوعُ (المُسلسَل). [ينظر: المزهر 1/272]

الثَّالثة:

        في صدارةِ عُنوان الكتاب: (شَجَرُ الدُّرِّ) غرابةٌ تُشوِّق القارئَ إلى محاولة فهم مضمونه، واستكناه غرض أبي الطيب من وراء تصنيفِه،  وقد تُزيلُ بقيةُ العنوان – أو ما يمكن اعتباره عنوانًا فرعيًّا- شيئًا من تلك الغرابة؛ إلا أنَّ أشياءَ متعددةً من الغرابة تظلُ قائمةً، تحتاج إلى بيان وتوضيح، تتكفل مقدمة الكتاب به فقد وضَّح فيها أبو الطيب فكرتَه القائم عليها، ومنهجَه فيه.   

وقد ذَكَرَ السيوطيُّ أنه ألَّف في هذا النوعِ جماعةٌ من أئمة اللُّغة كتبًا سمَّوها (شَجَرُ الدُّرِّ) منها: شَجَرُ الدُّرِّ لأبي الطيب اللغوي، إلا أنَّه لم يذكر كتابًا آخرَ غيرَه. [ينظر: المزهر 1/269 ] لكنّ محققُ الكتاب أَكَّدَ انفرادَ أبي الطيب بهذه التسمية. [ينظر مقدمة المحقق 36]

أما سبب هذه التسمية فيوضِّحه أبو الطيب بقوله: (( هَذا كتابُ مُداخلةُ الكلامِ بالمعاني المختلِفةِ، سمَّيناه (شَجَر الدُّرِّ)؛ لأنَّا ترجمنا كلَّ بابٍ منه بِشَجرةٍ.. ))  [مقدمة شَجَرُ الدُّرِّ 61، 62]

كما وضَّح سبب تسمية الباب بالشَّجرة مستعملًا التأصيلَ اللغويَّ لمادة (ش. ج. ر) ودلالاتَها، قائلًا: (( وإنما سمينا البابَ من أبواب هذا الكتابِ شجرةً، لاشتجارِ بعض كلماته ببعض، أي: تداخله، وكلُّ شيءٍ تداخَلَ بعضُه في بعض فقد تَشاجَرَ؛ ومنه سُمِّيتْ الشجرةُ شجرةً؛ لتداخلِ بعضِ فروعِها في بعض..)) [مقدمة شَجَرُ الدُّرِّ 62]

هذا بالنسبة للعنصر الأول من عناصر العنوان الرئيس أعني (شَجَر) الدال على خصائص تصنيف الكتابِ أو بنائيته، أما العنصر الثاني الذي أُضيف إليه (وهو الدُّرُّ) فلا يقل عن سابقِه أهميةً، من حيث دلالتُه على الانتقاء، واستخراج المكنونات ونظمها في عُقود تُزَيِّن جِيْدَ هذا اللُّغةِ الفَتِيَّةِ، ومن ثمَّ نجد هذه المفردة وقريباتها (الدُّرُّ، الدُّرَر) تُشَكِّل نواةً عُنوانيَّةً مُهمَّةً في كثير من مُصنَفاتِ تراثنا العربيِّ، ومن العنوانات التي اشتملت على أحدها:  (نَظْمُ الدُّرَرِ) للبِقاعي (885ه)، و(الدُّرُّ المنثور) للسيوطي (911ه)، و(الدُّرُّ المصون) للسمين الحلبي (765ه).

الرَّابعة:

          يدل الجزءُ الثاني من العنوان أو ما يمكن تسميته العنوانَ الفرعيَّ – وهو (في تداخل الكلام بالمعاني المختلفة)-  على علاقة هذا الكتاب بنظيره السابقِ عليه في المجال التصنيفيِّ نفسِه؛ أعني كتابَ (المداخَل) للمطرز، وهو أستاذُ أبي الطيب اللُّغوي – كما أثبت محققُ الكتاب- ويعنى بالتداخُل أو المُداخَل – كما يبدو- ذلك التشابك الشديد بين الألفاظ والمعاني، ويظهر كذلك في محاولة استنبات المعاني من ألفاظها، والألفاظ من نظائرها، وصولًا إلى الحَدِّ المراد للتشجير والتفريع الذي يُنَظِّمُ ألفاظَ اللُّغةِ – وبالتالي معانيها- في عَقْدٍ رائقٍ يليقُ بهذه اللُّغةِ الشَّريفةِ.

الخامسة:

            يورد أبو الطيب اللغوي في مقدمة كتابه نصًّا مهمًّا ذا مضامين علميَّة لها دلالاتها، يقول فيه: (( العِلْمُ سهلٌ وعويصٌ، ذَلولٌ وجَموحٌ، لا يُستغنى باحتواء سهلِه عن معرفةِ عويصه، بل لا يُتوصل إلى تقصِّي ذَلُوله إلا باستنباطِ جامحِه، والطَّبِنُ بهما المُتبحِّر فيهما يبذل لطالبِ سهلِه ملتمَسَه، ولمبتغِي التوصلِ إلى عويصِه طريقَ الوُصلة إليه. فاللهَ أسأل أن يجعلنا ممن يبدي ذَلول ما مُنح من العِلْمِ لمبتغيه، طلبًا لمرضاة مُولِيه ومُسدِيه، ويُظهِرَ الجامحَ؛ امتثالًا لقوله تعالى جَدُّه: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى 11]..)) [مقدمة شَجَرُ الدُّرِّ 60]

فالمضامين التي يحملها هذا النص كالتالي:

  • مقصد أبي الطيب من هذا الكتاب هو تيسيرُ العِلْمِ للمتعلمين المبتدئين، وتبدو طريقةُ الكتابِ المنظمةِ مُعينَةً على أداءِ هذه المقصدية، وهو من النِّعَمِ التي يجبُ أن يُحَدِّث بها العلماءُ.
  • تقسيم العِلْمِ إلى جوانبَ بعضُها أصعبُ من بعضها الآخر، وأنَّ معرفة الجوانب السهلة لا تُغني عن نظيرتها العويصة.
  • مهمة المتبحرين في العلوم أن يقوموا بتسيير ذلك العويصِ للمبتدئين والشادِينَ في هذا الطريق الصَّعبِ، وتذليلِ صعابِه أمامهم.

السَّادسة:

           يلخص أبو الطيب بنائية الكتاب من خلال بيان طريقة ترتيب محتواه بقوله: (( هذا كتاب مداخلة الكلام بالمعاني المختلفة، سمَّيناه (شَجَر الدُّرِّ)؛ لأنَّا ترجمنا كلَّ بابٍ منه بشجرةٍ، وجعلنا لها فروعًا، فكلُّ شَجَرةٍ مائةُ كلمةٍ، أصلُها كلمةٌ واحدةٌ، تتضمَّن من الشواهد عشرةَ أبياتٍ من الشِّعر، وكل فرعٍ عشرُ كلماتٍ، فيها من الشواهد بيتان إلا شجرةً ختمنا بها الكتابَ لا فَرْعَ لها، ولا شَاهِدَ فيها، عددُ كلماتِها خمسمائةُ كلمةٍ، أصلُها كلمةٌ واحدةٌ، وفي آخرها بيتٌ واحدٌ من الشِّعر ))  [مقدمة شجر الدر 61، 62]

ويتمثل محتوى الكتاب في ستِ شجراتٍ، وهي كالتالي:

  • الشَّجرة الأولى: الصَّحْن(قدح النبيذ، وهو الإناء المعروف)، وتحتها خمسة فروع:
  • الفرع الأول: الصَّحْنُ: إصلاح الشَّعَب (أي: الصدع).
  • الفرع الثاني: الصَّحْنُ: الإحْذَاءُ (أي: الإعطاء).
  • الفرع الثالث: الصَّحْنُ: الضَّرْبُ.
  • الفرع الرابع: الصَّحْنُ: باحةُ الدَّارِ.
  • الفرع الخامس: الصَّحْنُ: باطنُ حافرِ الدَّابةِ.
  • الشَّجرة الثانية: الهِلالُ: (هلال السماء)، وتحتها اثنا عشر فرعًا:
  • الفرع الأول: الهِلالُ: حديدة كالهلال يُعرقِبُ بها الصائدُ الحمارَ الوحشيَّ.
  • الفرع الثاني: الهِلالُ: ذؤابةُ النَّعْلِ.
  • الفرع الثالث: الهِلالُ: قِطعةٌ من الإهباء، وهو الغبار… إلخ من الفروع.
  • الشَّجرة الثالثة: الثَّور: (ذَكَرُ البَقَرِ)، وتحتها عشرةُ فروع:
  • الفرع الأول: الثَّور: ارتفاع الغبرة.
  • الفرع الثاني: الثَّور: ظهور الحَصبة وانتشارها.
  • الفرع الثالث: الثَّور: هيجان الجَراد… إلخ من الفروع.
  • الشَّجرة الرابعة: العَيْنُ: (عين الوجه)، وتحتها ثمانية فروع:
  • الفرع الأول: العَيْنُ: عينُ الشَّمسِ.
  • الفرع الثاني: العَيْنُ: النَّقْدِ.
  • الفرع الثالث: العَيْنُ: موضع انفجار الماء .. إلخ من الفروع.
  • الشَّجرة الخامسة: الرُّؤْبَةُ: (الحَاجَةُ)، وتحتها أربعة فروع:
  • الفرع الأول: الرُّؤْبَةُ: جناة شجرة تسمي الزعرور.
  • الفرع الثاني: الرُّؤْبَةُ: الجمام من الفحل. .. إلخ من الفروع.
  • الشَّجرة السادسة: النَّعْل: (الصلب من الأرض)، وتحتها ولا فروع لها.

ويتم الترتيب الداخلي في كل شجرةٍ أو فرعٍ منها بأنْ (( تُذكرَ اللَّفظةُ، ثم تُفَسَّر بلفظةٍ ثانيةٍ، وتُفَسَّر الثانيةُ بثالثةٍ، والثالثةُ برابعةٍ، وهكذا حتى ينتهي الفصل، ثم يُستأنَف الكلامُ بلفظةٍ جديدةٍ أو باللفظةِ الأولى، وتُفَسَّر بأخرى، وهكذا)) [مقدمة محقق شَجَرُ الدُّرِّ  17]

السَّابعة:

          بَلَغَتْ شواهدُ  الكتابِ-  بحسب ما أحصاه مُحقِّقُ الكتاب- مائةً وثلاثينَ شاهدًا شعريًّا، كان منها سبعة وستون شاهدًا منسوبة لقائلها، والباقي وقدره ثلاثة وستون شاهدًا غير منسوبة، نسب المحقق اثنين وعشرين شاهدًا منها.

أورد منها لرؤبة بن العجاج، وجرير، ابن هرمة، جميل بثينة، سلامة بن جندل، الشماخ، وأبي العتاهية، وعنترة العبسي، وكعب بن زهير، وطَرَفَة بن العبد، والأعشى، وغيرهم.

كما وَرَدَتْ بعض الآيات منها قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصافات 168] وقوله تعالى: ﴿تُسِيمُونَ﴾ [النحل 10]

وكذلك اعتمدَ على بعض الأحاديثِ، منها ما جاء في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: (لا شُفعةَ في بئرٍ ولا في فَحل نَخلٍ).

ولا شك أنَّ الشواهد على تنوعاتها تعملُ على تثبيتِ الحافظةِ، كما تُسهم في تجلية معنى الكلمة من خلال إيرادها ضمن سياقها اللغويِّ.

الثَّامنة:

        عنَّ لي سؤالٌ أراه مهمًّا، هو:

هل يُعدُّ هذا الكتاب من الترف العلميِّ الذي يُتفاخَر به، ويُقرأُ للإمتاع والمؤانسة فحسب، أو يمكن استثماره في جوانبَ أخرى؟

بدايةً يمكننا القول أنه: لم تكن كتبُ تراثنا العربي أيَّا كان طريقةُ تصنيفها تدخلُ في الترف العلمي المحضِ من دون وجودِ فوائدَ علميَّةٍ وتعليميَّةٍ مُهمَّةٍ، وفيما يخص كتابنا هذا يمكن بيانُها على النحو التالي:

  • يمكن من خلال مفردات الكتابِ، ومعانيها الإسهامُ في تنميةِ الملكةِ اللُّغويَّةِ، وتكوينُ ثروةٍ لغويَّةٍ تفيدُ المتكلِّمَ والكاتبَ على حدٍّ سواء.
  • يفتح هذا النوع من التصنيف الأذهانَ على ابتكارات لغويَّةٍ يمكن النسجُ على منوالها؛ للإسهام في زيادة المخزون اللُّغويِّ بطريقةٍ رياضيَّةٍ، يقول محققُ الكتاب في ذلك: ((وقد يستفيد الطالبُ من وراء هذا أنه رياضةٌ لغويَّةٌ، يحتال بها على تحصيل ثروة لغوية، وحفظ واستذكار معاني مفردات اللغة بدون سأم أو تعب)) [مقدمة محقق شجر الدر 18]
  • أنه لا يتوصَّلُ إلى معرفةِ الأسرار اللغوية لكتاب الله تعالى، وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وأئمة الهدى من أمته إلا بحفظِ لُغاتِ العرب، وأنحائها، والأنس بإطنابها وإيحائها، وبلاغتها وإيجازها، وتوسعها ومجازها.. وهذا الكلام ذَكَرَه أبو الطاهر في مقدمة كتابه: (المُسلسَلُ في غريب اللغة).

التاسعة:

          نَشَرَ هذا الكتابَ بتحقيقه الدكتورُ/ محمد عبد الجواد أستاذ فقه اللغة بدار العلوم ومعهد التربية للمعلمات بالزمالك، في دار المعارف، عام 1375ه- 1955م

وقد اطلع المحققُ على نسخٍ عديدةٍ رتَّبها بحسب أقدميتها إلى:

  1. نسخة بخط الإمام السيوطي كتبها سنة 867ه.
  2. نسخة المكتبة الأزهرية، عمرها فوق مائة سنة. ضمن الكتب المهداة من ورثة أباظة باشا، ورقمها بين المجاميع 1181 ورقم أباظة 7323.
  3. نسخة مكتبة طلعت باشا نُسختْ سنة 1308ه
  4. نسخة المكتبة الزكية نُسختْ سنة 1311ه
  5. نسخة المكتبة التيمورية نُسختْ سنة 1322ه

ولكون النسخة التي بخط السيوطي غيرَ كاملةٍ فقد اعتمد المحققُ على نسخةِ طلعت؛ لأنها أوضح النسخ خطًّا، بعد أنْ صحَّحها على نسخة أباظة، وأضاف إليها ما كان ساقطًا من الكلمات والجمل، ورتب مواضعَ التهويش والتقديم والتأخير على ما جاء بنسخة السيوطي، فصارت النسخةُ التي قدمها – كما ذَكَرَ- مرجعًا يصح التعويل عليه في التصحيحِ والضَّبطِ.

العاشرة:

          هذه نماذج من الكتاب لعلها تُعطي تصورًا أوضح عن ترتيبه وفكرته:

أورد أبو الطيب:

شجرة [4]

العَيْنُ: عينُ الوَجه، والوَجْه: القصدُ، والقَصدُ: الكَسْر، والكَسْرُ: جانب الخِباء، والخِباء: مصدرُ خابَأتُ الرَّجُلَ، إذا خبأتَ له خْبئًا، وخَبَأَ لك مثلَه، والخَبْءُ: السَّحَاب، من قوله تعالى:﴿ يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [النمل 25] والسَّحَاب: اسم عمامةٍ كانت للنبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والنَّبيُّ: التَّلُّ العالي..) إلخ

ثم قالَ:

(فَرْعٌ ، والعَينُ: عَينُ الشَّمسِ، والشَّمسُ: شِمَاسُ الخيلِ، والخَيلُ: الوَهْم، والوَهْم: الجَمَلُ الكَبيرُ، والجَمَلُ: دابةٌ من دواب البحر، والبَحْرُ: الماء المِلْح).. إلخ

(فَرْعٌ ، والعَينُ: النَّقْد، والنَّقْدُ: ضربُك أذنَ الرَّجُلِ أو أنفَه بإصبعك، والأُذُنُ: الرَّجلُ القابل لما يسمع، والقَابِلُ: الذي يأخذ الدلو من الماتح، والدَّلوُ: السير الرفيق، والرفيق: الصاحب..) إلخ

(فَرْعٌ ، والعَينُ: موضِعُ انفجار الماء، والانفِجارُ: انشقاقُ عمود الصُّبْحِ، والصُّبح: جمع أَصْبَح، وهو: لون من ألوان الأُسود، واللَّونُ: الضَّربُ، والضَّربُ: الرَّجلُ المهزولُ، والمهزولُ: الفَقيرُ، والفَقيرُ: المكسور فِقَرِ الظَّهْرِ..) إلخ

(فَرْعٌ ، والعَينُ: عَينُ الميزانِ، والميزانُ: بُرجٌ في السَّماءِ، والسَّماءُ: أعلى متنِ الفرسِ، والمتنُ: الصُّلب من الأرضِ، والأَرضُ: قوائمُ الدَّابَّةِ، والقوائمُ: جَمعُ قَائمةٍ، وهي: السَّاريةُ، والسَّاريةُ: المُزنةُ تنشأ ليلاً..) إلخ

(فَرْعٌ ، والعين: مطرٌ لا يُقْلِعُ أيامًا، ومَطَرٌ: حَيٌّ من أحياء العرب، والأحياء: جميع حَياءِ الناقة، والحَياءُ: الاستحياء، والاستحياءُ: الاستبقاء..) إلخ

(فَرْعٌ ، والعَينُ: رئيسُ القومِ، والرئيسُ: المصاب في رأسه بعصًا أو غيرها، والرأسُ: زعيم القبيلة أي: سيِّدُها.. ) إلخ

(فَرْعٌ ، والعين: نَفْسُ الشيءِ، والنَّفسُ: ملءُ الكَفِّ من دِباغٍ، والكَفُّ: الذَّبُّ، والذَّبُّ: الثَّورُ الوحشيُّ.. ) إلخ

(فَرْعٌ، والعين: الذَّهبُ، والذَّهبُ: زوالُ العَقلِ، والعَقلُ: الشَّدُّ، والشَّدُّ: الإحكامُ…) إلخ

وهكذا يُوقفنا أبو الطيب اللغوي على بعض إمكاناتِ العربية في الربط بين الألفاظ والمعاني، تلك الإمكانات لا تضاهيها فيها لغةٌ أخرى، مهما أوتيتْ من أدوات ووسائل، ولعلَّ القراء يقبلون التحدي فيأتي أحدُهم بمثل هذه الشجرات الزَّكية بفروعها الطيبة في لغةٍ غيرِ (سَيْدة اللُّغاتِ).

كتبه الفقيرُ إلى اللهِ تعالى/ عصام فاروق

القليوبية، في 22 من جمادى الآخرة 1446ه

الموافق 23 من ديسمبر 2024م

 

اظهر المزيد

ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
ArabicEnglishGermanUrdu