الأدب الرقمي: مفهومه ومعالمه بقلم الباحثة: ندا مصطفى
كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالسادات، جامعة الأزهر
الأدب هو أهمُّ لغات المَرء التی يتحدث بها ، فَهو : التعبير عَمَّا يَجول فی النفس ، و هو لغة النفس سواءًا أَكان الأدب شِعرًا أو نثرًا .
ولمّا كان الأدب الأدب لُغةً وَرثَ خصيصة من أَهمِّ خصائصِ اللُّغةِ ، هی: (الارتِقاء و التَّطور) فَنجدُ الأدَبَ يَرتقی و يرتفعُ بارتقاء و ارتفاع المجتمع ، و نراه ينحط و يسقط بانحطاط المُجتمع ، نَراه يَتطَّور لتَطور المجتمع و يتأثر بِكل ما استُجدَّ و استُحدِثَ ، فإننا نجد الأدبَ فِی (العصر الجاهلی) يعتمدُ فِی أكثَره عَلی السَّماع و الرواية ، و نقول إن شئنا (مرحلة الشافهية) ، ثُّم أخذ يتطور شيئا فَشيئا فِی العصرين (صدر الإسلام و الأُمَوی) حتَّی وصل إلی طور نضوجِهِ فی (العصر العباسی) حيث أصبحَ مدَّون ، و ويمكن القول (مَرحلة التدوين الورقية) ، و أخذ الأدبُ يضعفُ و يزدَهرُ حتی وصل إلی (العصر الحديث ) و بدأ ينمو ثانية و يكبُرُ شَيئًا فَشيئًا حتَّی أَخذَ لِنفسهِ مَرحَلةً جَديدًة أَلبسها إِيَّاهُ المُجتمعُ و تَطورهُ ، فإننا أصبحنا فِی المُجتمع الإلكترونی الرقمی ، وَهذا ما انعكس عَلی الأدب فأصبح عندنا مَا يُسمی بـالأدب الرَّقمی(Digital literature) و هذه مرحلة جديدة للأدب و لنَقُل عَنها (مرحلة التدوين الإلكترونی) .
و قد تعَدَدَت واختَلَفَت مُصطَلحاتِ الأَدَبِ الرقمِی و قد يُقالُ 🙁 الأدبُ الإلكتُرُونِی أو الأدبُ التَّفَاعلِی أو الأدبُ الدِّيجَيَتالِی _أدبُ الصورةِ _ ) و غيرها كثير ، ويمكن أن نقومَ بتعريفِ بعضَ هذه المصطلحاتِ لبيانِ أن ثَمَّةَ فَرق بَين كُلٍ منها .
الأدب الإلكترونی ، هو : النَّشرُ السطحی المُباشِرُ للأدب ، دونَ خضوعِهِ لِبَرمَجَةٍ حَاسوبِيَّةٍ دَقيِقة ، وَ قد يَتَّخذُ عِدة قَنوات إِلی تَوصيلِ الرسَائلَ ، مِثل: الإيميلات (emails) و الرسائِل (SMS) و الفلاش( Flash)
الأدبُ التَّفاعُلی ، هو :ذلك الأدَبُ الذی يَهتمُ بالعلاقَةِ التفاعليِة التی تَنشأُ بين الراصد و النَّصِ علی مُستوی التّصَفُّحِ و التلقی و التَّقَبُّل.
و تخضَعُ هذه العلاقة إلی مجموعة مِن العناصِر التَّفاعليةِ الأَساسِيَّةِ، و هی Lالنَّصُ ،و الصورةُ .و الصوتُ، و الحركَةُ ، و المتَلقّی ، والحاسوب) مع التشديد عَلی العلاقةِ التفاعلية الداخِليَّةِ (العلاقةِ بين الروابط النَّصية ) و العلاقة التفاعُليَّة الخَارجِيّة (الجمع بين المُبدع و المتلقِّی ) ، أی إن الأدب التفاعلی : يجمع بين تفاعل الساعر أو السارد و تفاعل المتلقِّی.
الأدب الدِّيجِيتَالی (أدب الصُّورة) ، وهو : الذی يُحيلُ عَلی الصورة من جهة و مجالِ التَّصوير الانعِكاسی و المسح الإشعَاعِی مِن جِهَةٍ أُخری.
الأدَبُ الرَّقمِی (Digital Literature) ، و هو : ذلك الأدبُ الذی يُوظِّفُ المعطيات الرقمية باختلاف أنواعها ، و يُحوِّلُ الأدب إلی مدونةٍ تفاعلية ووسائطيَّةٍ تستثمر كُلَّ معطيات الشاشة ، و يستَفِيدُ مِن كل المعطيات الصَّوتِيَّةِ و البصرية و التَّصوريةِ ؛ بُغيةَ تَقريب الإِبداعِ مِن قَارئٍ رَقمِیِّ إِلكتِرُنِّی.
*الأدب الرَّقمِی بَين هذه المصطَلحات :
و يُعدُّ الأدَب الرَّقمِی ، مِن أفضل المصطلحات لَهذا النوع من الأدب ؛ لأنه أكثَرُ ارتِباطًا بالوَسِيط الإِعلامی ، و يدل بشكل جلی وواضِحٍ علی المكونات الأساسية التی تتحَكمُ فی المُنتَج الأدَبی و الفَنِّی و الجَمَالی ، كما أنَّه يُحيل إِلی مَا هُو رياضِی ،و لُوغاريتمی (مُبرمج ) ،و مَنطقِی ، و حسابی
لذا كان مصطلح الأدب الرَّقمی أفَضلُ هذه المصطلحات تَسمِيةً لَهُ.
*الفرق بين كلمة (Digital و ; (numerical)
أن كلمةَ (ديجيتال) تدل على ما هو رقمى و إلكترونى ، فنقول أدبٌ إلكترونى ، و أما كلمة ((numeric فهى مأخوذة من كلمة (number) بمعنى: عددى ، فإذا قُلنا : أدب عددى خرجنا عن كونه إلكترونيًا إلى كونه معدودًا ؛ لذا لا يُقال : numeric literature , و لكن يُقال : Digital Literature .
*خصائص الأدب الرقمى :
1- اللوغاريتيمة (الرياضيات) :
يعتمد الأدب الرقمى على منطق الرياضياتِ و اللوغاريتم الرياضى ، بمعنى :أن الؤلفات الفنية و الجمالية خاضعةٌ للحوسبةِ و الرَّقمنةِ الرياضية ، او أن الأساس الرياضى او المنطقى هو الذى يتحكمُ في توليدِ النص الرقمى عُمقًا و سطحًا و ظاهرًا .
فالبرامج اللوغاريتميةِ هي التي تُسهمُ في نقل النص الأدبى من عالمهِ البيانِىِّ التقليدي إلكترونى سمعىٍّ و بصرىٍّ في شكل مدونات و خطاطاتٍ و سيناريوهاتٍ حسابية و رقمية.
2- التوليديَّةِ :
فالأدب الرقمى يُولد عن طريق وسيط إعلامى يُسهم في توليد هذه النصوص الرقمية وفق ثلاثية رقميَّة أساسِيَّة ،هي: النص ، و الصوت ، و الصورة.
فالمبدع يصبحُ مولدا و مُبرمجًا ، فهو : يولد نصًا مترابط بمجموعة من النصوص التوليدية و الوسائط الإعلامية الأساسية، مثلُ: النص ، و الصورة ، و الصوت.
3- الحِسابية:
و هي تلك العمليات الرياضية التي تسهم في بناء البرامج الإعلامية و الوسائطية و الإلكترونية ، و هذا يعنى :أن البرنامج الإعلامى يستخدم رياضيات و لوغاريتم لحساب المسافات المتجهة نحو الشاشةِ ؛ لتنشيط العملية بين الصوت و الصورة مع التزام التزامن فيما بينها.
4-الشَّفرة الرقمية:
وهى شفرة خاصة لكل وسيط إعلامى ، و هي التي يشغل بها ، و التي تميزه عن غيره في الشبكة العنقوديةِ.
و هذه الشفرات تكون رياضية لوغاريتمية خاضعة للحوسبة ، و لهذا السبب سمى أدبًا رقميٍا لخضوعه للعملية الرياضية أثناء تشفيره دون الاعتماد على التشفيرات الصوتية أو الصورية.
5 – التَّفاعلية:
و هي أهم ما يتمز بهِ الأدب الرقمى عن غيره من الاّداب الأخرى ، ككما أنها أهم ميزه للأدب الرقمى.
فلأدل الرقمى يسمح بالعلاقاتِ التفاعلية بين المُبدع و المتلقى مباشرةً عبر وسيط إعلامى .
كما أن القارئ التفاعلى يعدُّأهم عنصرٍ في الأدب الرقمى؛لأن حضوره التفاعلى ضرورى لإغناءِ النص و إثرائه بملاحظاتهِ، و تعليقاته، و انتقاداته، و بصماته.
6- الانتِشارىَّة، و الفِيد باك( سهولة العودة):
و يُقصد بها حضور النص الرقمى في الاّن نفسه في حواسيبٍ متعددةٍ ، فهو ينتقل إلى أمكنة متعددة و مختلفة عبر فضَاءات و شبكاتٍ عنقودية مختلفة و متنوعة تساعده على ذلك.
ويكون الحديث عن (الفيد باك) : هو سهولة العودة للنص القمى بسهولة و يسر ؛ لأنه محفوظ على هذه الشبكات العنقودية برسالته المشفرة التي تحفظه من الحذف او التلاعب فيه ، كما أنها تساعد المبدع في الرجوع للنص لتصحيحه او إضافة أشياء له أو تعديل ما يلزم.
*مقومات الأدب الرقمى :
1- الرَّقمنة (digitization) :
يخضعُ الأدب الرقمى لخاصية الرقمنةِ، فاللأدب : نتاجُ العمليات الحاسوبية و الرياضية و المنطقية و الذهنية.
فهو يتكون من : حروف _ و هي الظاهر _ ، و أرقام و هي العمق و الباطن ، إذن فالعمق ُ هو أساس توليد كل هذه العمليات الرقمية.
حيثُ يتولى عملية : الحذف و الزيادة و الاستبدال ، و التشفير ، و الترتيب.
2- التَّفاعليَّة ( Interactive):
تتحق التفاعلية بالتلقى الذى يدخل إلى الشبكة الرقمية و يبحر فيها بحثًا عما يريد من نصوص او أداب أو مدونات أو بحث ، ثم يقوم بالتفاعل مباشرة مع المبدع تحليلا و نقدًا و تعليقًا و تقويمًا و بناءً .
و له الحرية في إبداء رأيه عن طريق التفاعل المباشر بين المتلقى و المبدع دون صعوبة في ذلك .
3- الترابُطية (النص المترابط) (Electronic links) :
حيث يتمتع الأدب الرقمى بكونه مهجنا و متشابكًا و مفتوحًا ، حيث يتضمن عدة نصوص و أنساق مركزية و فرعية متفاعلة فيما بينها.
وهذه النص لكل منها رابط يربطها بغيرها ، و تحتاج إلى منسق يمتاز في البرمجة حتى يربط بينها.
وعلى هذا فالنص المترابط : عبارة عن مجموعة من العقدِ الإلكترونية التي تترابط فيما بينها بواسطةِ روابطٍ وأنساقٍ و خيوط اتصالٍ و انفصالٍ ، تسمح للراصد التفاعلى بالانتقال من رابطٍ إلى أخرٍ.
4- الوسائطية (Media) :
الأدب الإكترونى أدبًا و سائطيا بامتيازٍ ؛ لأنه يقوم على الوسيط الحاسوبى ، علاوة على مجموعة من الوسائطِ الإعلامية الأخرى : كالصوت و الصورة و الحركة و الكمبيوتر و الشاشة ، و على هذا كله ينبغي أن يُقرأُ الأدب الرقمى قراءةً منهجية في ضوء المقاربة الوسائطية.
5- التَّشاركية (Participatory) :
إذا كان لنص الأدبى نصًا بيانيًّا عاديًّا مرتبطًا بالذات المبدعة المفردة من البداية للنهاية ، فإن النص الرقمى تُسهم فيه كثيرٌ من الذوات المبدعة و المتلقية و المتفاعلة.
و يمكن للمتلقى أو الراصد أو لمبدعٍ أخر أن يشارك المبدع الأول في بناء نصه الرقمى و تشييده وفقَ منطق التناوب أو التداخل _ بالسماح له في ذلك_ ،أو التداخل ،أو التقاطع ،أو التكامل.
فالأدب الرقمى في حاجة إلى مساهمين و شركاءٍ متفاعلين متعددين ، كالمبدع و المهندس ، و المبرمج ، و الراصد ، و القارئ المتفاعل ، و المدون ، و المتصفح.
6- التَّحسيب (الحوسبة ) (computing) :
يخضع الأدب الإلكترونى لآلية التحسيب ،أو لمنطق الحوسبة ، و يعنى هذا أن الأدب الإللكترونى نتاج الحاسوب _ كما أسلفنا_.
كما أنه يستوجب أن يكون المبدع أو المنتج إعلاميًّا بامتيازٍ ،إلا سيستعين بشريك يساعده على إنتاج نصوصه الرقميَّة و توليدها وفق منطق التحسيب و الترقيم و التصفح.
فالتحسيبُ هو: عملية نقل النص أو الصورة أو ما شاكل ذلك من الوثائق من طبيعتها الأصلية إلى الحاسوب ، و المقصود من ذلك عملية ترقيمها.
7-التَّحريك (Stirring):
إذا كان النص البيانى الكلاسيكى ثابتًا و ساكنًا لا حركة فيه ،فإن الأدب الرقمى أدب دينامكى ، يقوم على النص ، و الصوت ، و الحركة، فمعروضات الأدب الرقمى هي معروضات و سائطيةٍ متحركةٍ من شَذرةٍ إلى أخرى ،أو من سياقٍ إلى آخرٍ ، فالأدب الرقمى أدب الحركة و الدينامية و التغير و التحوير ، و ليس أدبًا ثابتًا.
8- البَرمَجةِ (Programming) :
يتولد النص الرقمى وفقَ برنامجٍ أو منطقٍ هندسيٍّ و تقني معين ، و ينقسم هذا النص الرقمى إلى مجموعة من النوافذ التي تظهَرُ بشكلِ عيانِى على صفحة الشاشَة ، و بالتلى يتصفحها المستعمل ُ توريقًا و إبحارٍا و قراءًة و تأملًا و تفاعلًا.
*عوامل النشأة :
1- ارتباط الرقمنة بفلسفة ما بعد الحدَاثَةِ:
ارتبط الأدب الرقمى بظهور ترة ما بعد الحداثة التي أعطت أهميةً كُبرى لما هو بصرى و إعلامى و تقنى من جهةٍ، و الاهتمام بوسائل الاتصال المعاصرة _ و بخاصة الانترنت_ من جهة أخرى .
و يعد مصطلح الحداثة أكثر المصطلحات تعقيدًا ؛ لعدم الوقوف على مدلولة و أصله ، فقد اختلفت أراء النُّقاد فيه ، و لكن يمكن القول بأنه : يشيرُ بصفةٍ عامَّة إلى دور الوسائل الإعلامية في المجتمعاتِ الأسمالِيةِ في أواخر القرن العشرين .
واعتمدت فلسفة ” ما بعد الحداثةِ” عل التَّشكيكِ و التَّقويضِ و العَدميَّةِ ، كما اعتمدت على التناص و اللانظام و اللانسجام و إعدة النظر في الكثير من المسلمات و المقولاتِ المركزية التي تعارفَ عليها الفكرُ الغربى قديمًا و حديثًا ، و من ثمَّ زعزع ما بعد الحداثة جميع المفاهيم التقلديةِ المتعلقةِ باللغةِ و الهويةِ .
2-السبرينطيقا :
تعد السبرينطيقا علم الآلات و التحكم الذاتي ، و من ثم يجمع هذا العلم بين ما هو إنسانى و ما هو آلى و تقنىٌّ ، و يحيلُ هذا العلم على ما هو التَّحكم و التدبير و البرمجةِ الآليةِ و التقنيَّةِ .
و عندما وضع العالم الأمريكي(نوبرت واينر) هذا المصطلح ، كان يقصدُ به : الجمعُ بين الآلية و الإلكترونيةِ و النَّظرية الرياضيةِ للإعلاميات ، و يعنى هذا نظرية التحكم و التواصل المرتبطةُ بلحيوانِ و الآلةِ معًا .
3- تطور الإعلامياتِ :
ظهر الأدب الرقمى مع ظهورِ الإعلامياتِ التي حققت قفزة كبيرةً في مجالِ تنظيمِ المعلوماتِ و البياناتِ و المُعطياتِ ، منذُ منتصف القرن العشرين الميلادى ، و قد عَرفت هذه الإعلاميات تطورًا تكنولوجيا لافتا للانتباهِ ، و بعد استخدامِ الإنترنت و الفيسبوك و الهواتفَ الذكيّية ، و قد أفرز هذا التطور الإعلامى و التِّقنى ظاهرةَ الأدب التَّفاعلى الذى يعتمدُ على الحاسوبِ حوسبةً و ترقيمًا و تحكمًا و هندسةً.
4- التطور التكنولوجى:
لقد ساهمَ التطور التكنولوجى في تحقيقِ ثورةً معلوماتيَّةً مهمةً ، فقد ظهرت تقنياٍ و آلياتٍ و مُخترعاتٍ اتصاليَّةٍ جديدةٍ سهلت عمليةَ الكتابة و التواصل. ، مثل : الحاسوب ، و الهواتف الذكية ، و الأقراصِ المدمجة ِ و اللوحة الرقمية (tablettes) .
5- ظهور الصورة الرقمية :
و يقصد بالصورة الرقمية أو الحاسوبيَّة تلك الصورة التي توجد ضمن فضاءات الشبكة العنقوديةِ ، و تتميز هذه الصورة بطابعها التقنى و الرقمى و الافتراضى ، ومن ثم فهى صورٌ متطورةٌ و عصريةٌ ووظيفيةٌ مرتبطةق بالحاسوبِ و الشَّبكة الرقمية .
كما أنه يمكن الآن اللجوء إليها دون التشكيل الصورى أو الفوتوغرافى .
6- ظهور مؤسسات و مهرجانات محلية و جهورية ووطنية و دولية تُعنى بالادب الرقمى ، مثل: مؤسسة الادب الإلكترونى (Electronic Literature Organization) التي برزت بالغرب سنة (1999م) ، و مهرجان الشعر الرقمى (Fstival e-vPoetry) الذى ظهر سنة(2001م) .
7- ظهور مجلات ،و صحف ،و مطبوعاتٍ ،و قنواتٍ ،و مواقع، و مؤلفات، و كتب ورقية و رقمية تعنى بالأدب الرقمى بنيةً و دلالةً و وظيفةً ، كمجلة : الأزرق البرتقالى( Bleu Orange )
8- الرغبة في التجريب و التحديث و التميز و التفرد.
بمعنى أن المبدع المعاصر انساق وراء الأدب الرقمى باستعمالِ الوسيط الإعلامى ، و استغلالِ الحاسوب من أجل تحقيق الحداثة الفنية و الجمالية في مجال الأدب ، بعد أن استفذ كل طاقته الإبداعيةِ و الفكرية اعتمادًا على الوسيط اللغوى أو الطباعى أو الصوتى .
9-العامل البيئي :
يعد العامل البيئي سببًا رئيسًا في ظهور الأدب الرقمى ، و ذلك أن الاأدب الورقمى يستلزم قطع الأشجار لصنع الورق ، مما يؤثر على البيئة و يسبب احتباسًا جراريا ، فحاووا إيجاد شيئ يخخف من تلوث البيئية و هو الأدب الرقمى ؛ و لذا نجد إقبال الثقافية الغربية على الأدب الرقمى أكبر و أكثر.
10-السُّرعة و الانتشار :
يعد عاملُ السرعة و الانتشار من الدوافع التي تدفع المبدعين و الكتاب و المنتجين إلى اختيار الأدب الرقمى نظرا لتكلفته المنخفضةِ ، و سهولة البرمجة ، و انتشاره بسرعة بين القراء الراصدين عبر المواقع و المدونات الشخصية و العامة ، و يمكن للمبدع أن ينتج نصوصًا و مؤلفات رقمية عديدة و يوزعها بسرعة فائقة ، في حين انه يجد صعوبة في نشر الكتاب الورقى ماديًّا و ماليًّا و معنويًّا.
*مميزاته:
١- أنَّه يساعد علی تَقديم الصورة البيانية بشكل أوضح ، فهی تمتاز بالدقة التصورية التحركية.
٢-التأثير فی المتلقی : حيث أن للصوت أثره علی المتفاعل أو السامع للنص الأدب ، و دمج العمل الفنی المتحركِ بالصوتِ يجعله أَشدُّ تأثِيرًا فِی النَّفسِ.
٣- يَمتاز النص الرقمی بسهولة الحفظ و الرجوع إليه فی أی وقت ، و قد أسلفنا أنها من خصوصياته .
٤- عدم القُدرة علی سرقةِ هذا النص الفنی ، و بخاصة إذا كان الأديبُ مبرمجًا مُختصًا ؛ لمعرفتهِ طُرق تَشفير هَذا العملِ و تسجيل بياناته بدقةٍ و خصوصية تسمحُ له فقط بالتَّحكم فی العمل الأدبی.
٥- سرعة انتقالِه و انتشارهِ فِی جميع الأنحاء ، فَهو يتميز بالمرونةِ ، من حيث سرعة الترجمة إن كان نصا مكتوبًا أو أداء إشاراتهِ و حَركَاتِهِ إن كان مُصورًا حركةً و صَوتًا ، فَلا يجد القَارئُ صعوبة فی قِراءةِ مَا وصل إليه ، و أدبٍ (شِعرًا و نَثرًا).
٦- خِفّة النَّصِ الأدبی ، و هذا إذا كان العمل الأدبی كبيرًا ، بأن كان ديوان شعرٍ أو نصًّا روائيا كبيرا ، أو مسرحية ، أو فإن مِثل هذه الأعمل ، قد يصعب حَملُها إِذا كَانت مصنوعة من الورقِ لكبر حجمها ، فإذا ما كتبت رقميًا تكون سهلة الحمل و التنقل ؛لتحولها إلی (جيجا أو ميجا) تحفظ فی الشبكة الإلكترونية أو محملة علی أقراص (CD) أو علی فِلاشة( USB) ، و بالنِّسبة للمسرحية فلا يبقي منها شئٌ سوی النَّص المكتوب ، أمَّا إن كتبت رقميا مصورةً امتازت بالبقاء و الخلود ممثلة تماما كما تؤدی أول مرةٍ.
*عيوب الأدب الرقمی:
١- يحتاج الأدَبُ الرَّقمی أن يكون المُبدعُ مبرمجًا متميزًا فی عَالم الحَوسبة ، حتی يتمكن من تصميم عمله الأدَبی ببراعة و دِقة حتی لا يُخل بالفنِّ المُنتج ، فذإ لم يكن علی دراية بأمور التَّحريك و الصوت يَفقِدُ النَّص مَهارتِه الرَّقمية.
٢- الأدَب الرَّقمی عُرضة للسرفة و الاختراق أو ما يسمونَهُ (التَّهكير Huker) و هُو إختراق مَعلومات المُنتج الرقمی و العبَثُ فِيه و حَتَّی إن كان مُحكم التَّشفير ، و مرجِعُ ذلك هو : العبث فی النظم الإلكترونيةِ الخاصة بالشبكة المعلومَاتِيَّةِ.
٣- خَفاء العاطفةِ ، ذلك أن المُبدعَ أن لم يكن علی عِلم بِعالم الحوسَبةِ و البرمجياتِ استعان بِمن يَقُوم بأداء المُنتج الأدبی لَهُ ، و العَاطفة عِندما تَأتی لَا يُمكن كبحها ، فَهل يُعقل عِندما تستثير الأشياء النفس و تنطلق الخوالج النفسية ببث مشاعرهَا أَن يُقالَ لَها توقفی حَتَّی آتی بمُبرمِج يَصوركِ و يُسجلك ؟ أو هَل يُعقل حَتَّی قَبحُها حَتَّی تَقوم بإعداد؟أليات إعداد النَّص و اختيار الصوت و الصورة؟ و ليس مَعنی هذا أن النَّص يخلو مِن العاطفة تمامًا ، و إنما تَخفی العاطفة المطبوعةَ لِتَظَهر عَاطفَةُ الصنعةِ _ و الصَّنعةُ ليس عيبًا فی حد ذاتها و إنما تؤخر النص شيئا _.
٤- عَدم دِقةُ الصورة ، و إن قُلنا أَنَّ الصوت و الصُّورة أَهمَّ ما يُميزُ الأدب الرقمی إِلا أنها أَكبَرُ عُيوبه ، فَقد لا يجد المُبرمج الصورة الدقيقة التی تخيلها الشاعرُ فيأتی بصورة قَريبةٍ منها ، قد يراها العامة أنَّها هی و لا مع التدقيق الطويل يَظَهَرُ عَيبها ، و كذاك الأمر فی الصوت قَد يوضع صوت بِه نبر أو موسيقی (music) لا تتلائمُ مَع طبيعة النص _ هذا إن كان النَّص مصورا _ و بخاصة إن كَان المُبرمِجُ غَير المُبدعِ و أَحيانًا يضطرُ المُبدع لذلك و إِن كان مُبرمجًا ؛ لِعَدَمِ تمكنه من العثور عَلی مَا يساعدهُ فی تصوير تراكيبه البيانية.
فأكثر صور الأدب الرَّقمی تَقريبية ، كَما أن العَقل يَعجز بعدها _و إن قرأ النَّص ألف مرة _ أن يتخيلَ صورةً أُخری ؛ لوقوع الأولی مَوقعها بسبب أنها أول شئ شَاهده العقل ، و المحسوسات أكثرَ وقوعًا فی النَّفس من المعنويات.
٥- الأدبُ الرَّقمی يَفسحُ المجال أمام أی شخص لكتابة ما يريد فتجد نصوصا نثرية و شعرية لاهی بنثر و لا هی بشعرٍ ، لا هی أخذت بيان النثر و لا حتَّی وصلت عُذوبة الشِّعر ،، و مَرجعُ ذلك أَنَّه لا توجدُ رقابة عَلی النُّصوص المكتوبة ، فلا نجدُ مصصحًا إلكترونيًا يبحث فِی النص الرقمی و ينظرُ إلی أدبيته ثُمَّ يعرضها علی عين النَّقد ، ثم يلقاها بالقبول أو الرفض.
-هذا و قد أوجزنا فی هذا المقال قطوفات معلوماتية عن الأدب الرَّقمی ، فعالمُهُ كبيرٌ و ظله مديدٌ و مصادره شحيحةٌ ، و أقاويله كَثيرةٌ.