مقدمة كتاب (أقاليد العلوم.. دراسات في المصطلحية العربية) للأستاذ الدكتور/ عصام فاروق
شرح مقدمة أقاليد العلوم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، حمدًا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، حمدًا نرقى به إلى درجةِ رضاه وغايةِ مبتغاه.. وصلاةً وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين، وخير الخلق أجمعين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين.
وبعد،،
فلا يماري أحدٌ من المُنصفِينَ في أنَّ تراثنا العربيَّ أُوتي من العمق والتنوع والثراء ما يستحق معه معاودةُ النظر فيه مرةً بعد مرةً، ومحاولةُ استجلاء مكنوناته كرةً بعد كرةً. وكأني بهذا التراث التليد؛ لارتباطه بكتاب الله – عزوجل – نشأةً وتطورًا يتمثلُ بصفةٍ من صفاته، أعني كونَ معظمِ هذا التراث (لا يَخْلُقُ على كثرةِ الرَّدِّ، ولا تَنقَضِي عَجائِبُه).
ولعل ذلك مما يَجْرَحُ صدقَ المقولة الأكاديمية الشهيرة: (قُتِلَ بحثًا)؛ فما بُحِثَ يمكن إعادة بحثه من منظورٍ آخرَ، وما دُرِسَ يمكن معالجتُه والنظرُ إليه من زوايا لم تطرح من قَبلُ، خصوصًا إذا تم ذلك في ضوء (الدراسات البينيَّة)، مع القناعة بفكرة (التكامل المعرفي) بين المجالات المتعددة؛ مما يسهم بنصيب وافرٍ في تبادل الخبرات المعرفية، والإفادة من ذلك التنوع الفكري والمنهجي لتلك المجالات في توسيع آفاق التفكير، والتدبر، وانطباع ذلك على الدَّرس والمعالجة.
وتعد مصطلحاتُ العلوم – في إطارها التراثيِّ- من المجالات التي يمكن إعادة النظر فيها ودراستها؛ تأصيلًا وصياغةً وتعددًا أو توحيدًا.. إلخ، مع الاسترشاد في معظم ذلك بمبادئ أحد العلوم البينية الحديثة المهمة؛ أقصدُ علم المصطلح أو المصطلحية (terminology) وتحكيم معاييره وأسسه؛ ابتغاءَ الوصول إلى نتائج غايةً في الدقة والأهمية.
ولا يخفى أن مصطلحات العلوم هي مفاتيحها الضرورية على حد وصف الخوارزمي (387ه) لها في عنونةِ كتابِه (مفاتيح العلوم) أو (أوائل الصناعات) كما ذَكَرَ الرجلُ في مقدمة هذا الكتاب، وأن (اشتباه المصطلحات) من الأمور المهمة التي تجعلُ الحاجةَ ملحةً إلى التلقي عن الأساتذة والشيوخ؛ لإزالة تلك العقبات المصطلحية، وفك اشتباكاتها المفاهيمية، كما ذَكَرَ التهانوي (1158ه) في مقدمة كتابِه (كشاف اصطلاحات الفنون).
لهذا كله استعنتُ بالله – تعالى- على تأليف هذا الكتاب الذي سميته (أقاليدُ العلوم – دراساتٌ مصطلحية في تراثنا العربي)، وأوحى لي بهذه التسمية – كما هو واضح – عنوانُ كتاب الخوارزمي، مع حرصي على عدم مطابقته له لفظًا، وإن اشتركه معه في الدلالة، فالأقاليد جمع إقليد (أي: مفتاح).
وكنتُ قد عزمتُ بَدْءًا على تسميته (مقاليد العلوم)؛ والكلمة الأولى جمع مِقْلاد (أي: مفتاح)، وهي لفظةٌ قرآنيةٌ وردتْ في قوله تعالى: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [الزمر: 63] وفسرها بعضهم بهذا المعنى، أي: مفاتيح السماوات والأرض. لكني عدلتُ عنه عند اطلاعي على مصنَّف للسيوطي (911ه) يحمل هذا الاسم: (معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم ).
هذا فيما يخصُّ عنونة الكتاب، أما فيما يختص بمعماريته، فقد بنيتُه على أربعٍ من الدراسات المصطلحية المؤطَّرة بحدود تراثنا العربي، قدمتُ لها بتمهيد عن علم المصطلح وأهميته في الدراسات العربية.
والله من وراء القصد، وإليه المرجع والمصير.